حزب العمل وناخبو الأطراف
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- السؤال المركزي الذي حوّم فوق المعركة الانتخابية الأخيرة في معسكر الوسط – اليسار كان: كيف نحصل على صوت الشرقيين، صوت اليمينيين، الصوت المتمسك بالتقاليد؟ كيف نجعله يتخلى عن أحزابه الثابتة والتصويت لنا؟
- "انظروا إلى سياسة نتنياهو وحكومته التي لا ترحم"، بمثل هذه الكلمات أو غيرها توجه أنصار هذا المعسكر، وتحديداً زعماء حزبي العمل/المعسكر الصهيوني إلى ناخبي الأطراف. "نحن نقدم البديل الذي سيحل المشكلات التي تقلقكم يومياً. لماذا تصوتون لنتنياهو؟ ضعوا بطاقتنا في صندوق الاقتراع".
- في الواقع، اعتاد هذا المعسكر في العقد الأخير على التعبير، وأحياناً على العمل، لمصلحة السكان المحرومين، وتشجيع المساواة، وتوزيع أكثر عدلاً للموارد، ومن أجل العدالة، وطبعاً - من أجل تسوية سياسية مع الفلسطينيين. لكن هذه الصيغة لم تنجح. بقي ظل "مباي" مخيماً من فوق، ولم ينس أحد ظلمه، والجروح العميقة التي خلفها لم تندمل بعد. أيضاً صورته كحزب للنخبة منفصلة عن الواقع لم تساعد في ذلك.
- وها قد جاء في الانتخابات الأخيرة زعيم شجاع ليخلط الأوراق ويضيف لوناً آخر. فقد شكّل قائمة اجتماعية واضحة على صلة، تحديداً، بموضوعات تقلق الطبقة الاجتماعية - الاقتصادية المتوسطة وما دونها، والتي تؤيد أيضاً تسوية سياسية مستقبلية. عملياً هو يقترح صيغة جديدة ومختلفة.
- بالإضافة إلى البرناج الاجتماعي، هو يضيف خطة اقتصادية تدعو إلى توسيع خدمات الرفاه، والتعليم، والصحة، وتحسين وضع السكان المحرومين، أحياناً على حساب الطبقات الميسورة - التي تتألف منها "قاعدة" الحزب. وكما لو أن هذا ليس كافياً، فهو يرفع شعاراً مشابهاً لشعار حزب أزرق أبيض: ليس إسرائيل أولاً، بل الإنسان أولاً.
- هذا ما يقوله، أريد أن أدفع هؤلاء الناخبين إلى تأييدنا، على الرغم من رواسب الماضي. ويسأل عمير بيرتس: تريدون توسيع المعسكر الآخذ في التقلص؟ هذه هي إمكانات الحل. هل سينجح هذا؟ دعونا نحاول، وأنا أؤمن أننا معاً سننجح.
- لكن عند ذلك بدأ الفرار الجماعي لناخبي العمل القدامى... فجأة العدالة والمساواة والعمل من أجل السكان المحرومين لم يعد لها دور. يريدون الإيماء إلى الأطراف، لكن هل سنصبح نحن الأطراف؟ كفى عند هذا الحد. الأصوات الجديدة التي يريد بيرتس الحصول عليها، يريد "المعراخيون" استبعادها.
- لماذا؟ الأعذار كثيرة، لكن الأمر بسيط وواضح - محاولة خلق حزب يساري متنوع يفرض على قدامى حزب العمل أن يفسحوا المجال. لكن في اللحظة التي يتخلون فيها عن قوتهم يصبحون خارج اللعبة. هم لا يلعبون، لكنهم يوبخون ويغضبون ويصرخون من الشرفات. يقولون: مع إيهود باراك الانتهازي نستطيع التعايش؛ ائتلاف مع أفيغدور ليبرمان المحرض؟ نستطيع أن نبتلعه؛ تحالف مع أزرق أبيض الصقري (موشيه يعلون، وبوعاز هندل، وتسفي هاوزر)؛ يمكن أن نتنازل. لكن مع أورلي أبكسيس؟ كفى عند هذا الحد. هذا تخطٍّ للحدود.
- يثير هذا السلوك تساؤلات بشأن الهوية اليسارية لحزب العمل وناخبيه. إجمالاً تمتاز مواقف اليسار بالاستعداد لتسويات، بالتأكيد في المجال الإسرائيلي، وإذا كان حزب يساري تاريخي غير مستعد لتسويات داخلية طفيفة من أجل تغيير سياسي - ماذا سيجري عندما سيُطلب منه تقديم تنازلات لحل النزاع مع الفلسطينيين؟ وإذا كان أعضاء هذا الحزب غير مستعدين لاحتواء تغيير في علاقات القوى - هل سيقبلون اقتراحاً بالتنازل عن قوة وموارد من أجل حل سياسي؟
- من خلال أفعالهم، يقدم أعضاء العمل الجواب عن السؤال الذي يطرحه مستشارون استراتيجيون ومنظمو حملات انتخابية، عندما يكون عليهم أن يقرروا خطة عمل: المسألة ليست مسألة أيديولوجيا. السرهو في الهوية. عندما يدخل إسرائيلي وراء الستار في قلم الاقتراع وينظر إلى بطاقات الأحزاب المتنافسة يسأل نفسه - من أنا؟ من أريد أن أدعم؟ إلى من أنتمي؟
- في أغلب الأحيان، ما يحسم الأمر في صناديق الاقتراع هو العاطفة. وإذا كان الأمر كذلك، ما الذي يدفع ناخبي حزب العمل القدامى وهم، في أغلبيتهم، من الأشكيناز، إلى إعطاء أصواتهم إلى عمير بيرتس، وليفي أبكسيس وسائر أعضاء القائمة [وهم من الشرقيين]؟ ما الذي يغير ما يقترحونه إذا كنت لا أرى نفسي هناك؟
- اللحظة التي يكون فيها المرء وحيداً مع بطاقة الاقتراع هي اللحظة التي يريد عمير بيرتس تحديها. التحدي سيكون مع ناخبي الأطراف الذين سيترددون بشأن ما إذا كانوا سيضعون في صناديق الاقتراع بطاقة حزب الليكود الذي صوتوا له عشرات السنوات. وما لا يقل عن ذلك، سيطلب من أعضاء حزب العمل القدامى أن يقرروا التعالي فوق غريزتهم العاطفية، والتصويت مع التغيير الذي يقترحه بيرتس.
- سواء سيفشل أم سينجح، فإن الخطوة التي قام بها بيرتس هي محاولة مهمة يمكن أن تدل على العلاقة بين الهوية والمواقف في المجتمع الإسرائيلي. هذه الخطوة يمكن أن تكون أيضاً درساً ناجحاً لأعضاء حزبه، درساً في المساومة والتنازل عن القوة لإحداث تغير سياسي في مجتمع منقسم، يطالبون بتوحيده منذ سنوات.