المنطقة ج- عبقرية إسرائيلية، وسذاجة فلسطينية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "إسرائيل تتعامل مع كل المناطق كمنطقة ج، ونحن سنتعامل مع كل المناطق كمنطقة أ". هذا ما قاله رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية للعائلات التي هدمت إسرائيل منازلها في وادي الحمص. وهذا كلام لاذع، إذا تجاهلنا حقيقة أن تقسيم الضفة المصطنع إلى مناطق ذات صلاحيات إدارية وأمنية وعسكرية كان يجب أن ينتهي مفعوله في سنة 1999. وكي يكون لهذا الكلام غطاء، سيحتاج اشتية إلى أكثر من تقديم تعويضات للمتضررين.
  • المنطقة "ج" تجسد عبقرية التخطيط الإسرائيلي وسذاجة الزعامة الفلسطينية. لقد جُنِّدت هذه العبقرية لخدمة عملية احتيال هائلة، هدفها: استكمال سيطرة الاستيطان الإسرائيلي وخلق محميات فلسطينية منفصلة، تحت غطاء نشوة المفاوضات. ونظراً إلى أن العالم التزم بتأييد قيام دولة فلسطينية، اعتقد كبار مسؤولي منظمة التحرير الذين جاؤوا من تونس أن التقسيم المصطنع للضفة هو تقسيم موقت. السذاجة تصلّبت وتحولت إلى حماقة، أي موافقة على التعاون مع عملية الخداع، حتى عندما أصبحت نيات إسرائيل واضحة كالبلّور. الحماقة خدمت مصالح مادية للطبقة الحاكمة وللمقربين منها، وكذلك كبدتها ثمناً باهظاً: الشعب فقد ثقته بقيادته، إلى حد الاشمئزاز منها والشعور باحتقار عميق تجاهها.
  • "ج" هو الخط المباشر والمنطقي الممتد بين يتسحاق رابين وشمعون بيرس وإيهود باراك والطواقم التي عُينت للتفاوض على اتفاق موقت وتحقيقه، وبين بتسلئيل سموتريتش وبنيامين نتنياهو وموشيه يعالون. لقد كان من المنطقي إخراج تدريجي فقط للجيش من مناطق متعددة من الضفة الغربية، مرهون بنشوء مؤسسات السلطة الفلسطينية وانتشارها. ولو كانت نيات بيرس ورابين خالية من النزعة الاستعمارية لكانت أُعيدت إلى الجانب الفلسطيني كل الصلاحيات الإدارية – المدنية للتخطيط والبناء، وإعادة بناء المناطق الزراعية وتوسيعها، وتحسين البنى التحتية مثل المياه وغيرها، لكنها لم تُعَد إليه، وعن وعي.
  • الجيوب الفلسطينية والمستوطنات المتوسعة التي تبتلعها لم تنشأ صدفة. هذا ما خططه عباقرة المشروع الصهيوني - زعماء حزب العمل. سموتريتش ونتنياهو تعلما منهم فقط. إن 700 تصريح بناء وعدت به إسرائيل في الأسبوع الماضي (على ما يبدو أُعطيت لمبانٍ فلسطينية قائمة) هي نكتة. حتى الحكومة لم تُخفِ أن هذا بمثابة ذر الرمال في العيون. منسقو الأنشطة في المناطق والإدارة المدنية ومجالس يهودا والسامرة سيواصلون حملاتهم الصليبية لمنع السلطة الفلسطينية من مد خطوط مياه وكهرباء، وبناء منشآت لتنقية المياه المبتذلة، وشق طرقات فرعية تلبي حاجات السكان الفلسطينيين، وبناء المدارس وتطوير مشاريع سياحية.
  • عندما تكون الحقائق واضحة إلى هذا الحد، يتعين على رئيس الحكومة الفلسطينية أن يثبت أن كلامه ليس شعارات فارغة. وكخطوة أولى، يجب عليه وعلى رئيس السلطة الفلسطينية أن يطلبا من عناصر الأجهزة الأمنية الانتشار خارج البلدات والقرى، من دون سلاح وزي رسمي، كي لا يقدموا للإسرائيليين ذريعة للقيام بحمام دم. وبأوامر من عباس واشتيه، عليهم أن يرافقوا الرعيان يومياً إلى المراعي والعمال الذين يبنون مدارس ويربطون القرى بأنبوب مياه، ويشاركون في أعمال بناء المصاطب الزراعية، وزرع الأشجار، ويرافقون الشاحنات التي تنقل مواد بناء. عليهم أن يدافعوا عن القرى والمنازل التي تتعرض لتهديدات مثيري الشغب اليهود وموظفي الإدارة المدنية. عليهم أن يدخلوا بالعشرات والمئات يومياً إلى نابلس القديمة ويصلون في المسجد الإبراهيمي، ويرافقون سياحاً، ويزورون الأبطال المحاصرين في تل رميضة، ويدافعون عن ترميم المباني القديمة، ويرافقون التلامذة الذين يهاجمهم المستوطنون وحرس الحدود بصورة دائمة.

في استطاعة اشتية وعباس أن يطلبا من كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية التقرب من الشعب، والذهاب يومياً إلى هذه الأماكن. إن تغيير وظيفة الأجهزة من "مقاول ثانوي للاحتلال" إلى "مدافع عن الشعب والأرض" ينسجم مع إعلان عباس وقف العمل بالاتفاقات القديمة مع إسرائيل. والأهم من ذلك: هذا التغيير يمكن في اللحظة الأخيرة أن يساعد الفلسطينيين على الاعتقاد أن زعامتهم فعلاً تهتم بهم.