جبهة جديدة أم حليف سري؟ لماذا يتجاهل العراق الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كتب الصحافي الإيراني علي موسوي في مقال له نشره على موقع IFP: "صمت بغداد إزاء الهجمات الإسرائيلية على أراضيها يثير الدهشة". هذه الدهشة يشاركه فيها نحو 80 عضواً في البرلمان العراقي دعوا الحكومة إلى إدانة الهجومين المنسوبين إلى إسرائيل أو الرد عليهما. الأول، استهدف قاعدة آمرلي في محافظة صلاح الدين؛ والثاني، استهدف قاعدة أبو منتظر المحمداوي شمال محافظة ديالا، المعروفة أكثر باسم أشرف. وذكّر صحافيون عراقيون رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بما قاله بأن العراق لن يكون أبداً قاعدة لانطلاق هجمات على إيران. وفي الوقت عينه، يستشهد هؤلاء بكلام السفير العراقي في واشنطن فريد ياسين الذي قال: "توجد أسباب موضوعية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
- تطرح هذه الرسائل المتعددة سؤالين أساسيين: السؤال الأول، هل العراق هو جبهة إسرائيلية جديدة في محاربة التهديد الإيراني، كما تلمح إليه التقارير الصحافية الصادرة عن الاستخبارات الإسرائيلية؛ والسؤال الثاني، هل من المحتمل أن يكون العراق حليفاً سرياً؟ وحتى لو لم يشارك في المعركة ضد إيران، فإنه لن يزعج تحركاً أجنبياً، إسرائيلياً، أو أميركياً، أو سعودياً لخوض الحرب ضد إيران في أراضيه؟ على الرغم من عدم وجود إجابة واضحة عن السؤال، بحسب دبلوماسيين أوروبيين، فإن لقاءات سرية تجري منذ وقت بين مندوبين إسرائيليين وشخصيات في الحكم العراقي، جزء منها جرى في إسرائيل.
- يشير الصحافي الإيراني علي موسوي في مقاله إلى زيارات قام بها إلى إسرائيل كل من ناديا مراد [ناشطة أيزيدية عراقية] الحائزة على جائزة نوبل للسلام في سنة 2018، ولمياء بشار [ناشطة أيزيدية] الحاصلة على جائزة ساخاروف في سنة 2016، وثلاثة وفود عراقية أُخرى في السنة الماضية. وفي رأيه هذه الزيارات هي بمثابة دليل قاطع على أن العراق يقيم علاقات "طبيعية" مع إسرائيل.
- في مقالته يتحدث الموسوي أيضاً عن زيارة قامت بها مريم رجوي زعيمة التنظيم الإيراني المعارض "مجاهدي خلق" إلى إسرائيل عشية الهجوم على العراق، ورأى أن هذا لم يكن صدفة. ففي رأيه أن "مجاهدي خلق" يشكلون مصدراً مهماً للمعلومات للإدارة الأميركية ولإسرائيل بشأن ما يحدث في إيران، وأن عناصر التنظيم كانوا موجودين عشرات السنوات في معسكر أشرف الذي تعرّض للهجوم.
- لكن اتضح لاحقاً أن رواية الصحافي الإيراني مليئة بالفجوات، ولا سيما بعد أن تبين أن رجوي لم تقم بزيارة إسرائيل قط، وأن المعلومات عن الزيارة مأخوذة من حساب تويتر العائد إلى القنصل الفرنسي في القدس الذي تبين لاحقاً أنه تعرض للقرصنة، وجرى زرع خبر الزيارة فيه.
- بيْد أن هذا لم يزعزع ما تحوّل إلى حقيقة مؤكدة في الإعلام الإيراني والعربي بشأن قيام تعاون بين تنظيم مجاهدي خلق وإسرائيل. وأن هذا التعاون هو الذي ساعد إسرائيل على الحصول على معلومات عمّا يجري في القواعد الإيرانية في العراق.
- أسئلة كثيرة طُرحت بشأن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل، بينها سؤال عن هدف الهجوم. فكما هو معلوم، وجود صواريخ إيرانية في العراق من نوع زلزال وفاتح 110، القادرة على الوصول إلى 200 وحتى 700 كيلومتر، وإصابة أهداف في إسرائيل ليس أمراً جديداً. ففي آب/أغسطس الماضي تحدثت وكالة رويتر عن قيام إيران بنقل عشرات من هذه الصواريخ إلى العراق طوال شهرين. والسؤال المطروح لماذا لم تهاجم إسرائيل هذه الصواريخ طوال تلك الفترة. يبدو أنه بعد إعلان الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية من سورية الأمر الذي يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل، حصلت القدس على إذن من البيت الأبيض كي تفعل ما تشاء. كما جاء ذلك بعد توضيح ترامب في كانون الأول/ديسمير الماضي أن "الولايات المتحدة تعطي إسرائيل سنوياً 4.5 مليارات دولار، وأن الإسرائيليين يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم".
- على ما يبدو، لا تريد واشنطن أن تظهر بأنها هي التي تهاجم إيران بنفسها، وهي لم تنزعج من الهجوم على مخازن الصواريخ في العراق. لكن يبدو أنها طلبت من إسرائيل السماح لها باستخدام الضغط الدبلوماسي على العراق قبل العمل العسكري.
- شمل الضغط الأميركي على العراق المطالبة بكبح نشاط الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على أراضيه، والامتناع من شراء الكهرباء من إيران على الرغم من تمديد ترامب إعفاء العراق من تطبيق العقوبات على إيران حتى 15 أيلول/سبتمبر. كما طالب الأميركيون من الحكم العراقي البحث عن مصادر بديلة من الغاز والكهرباء اللذين تستودرهما من إيران.
- في هذه الأثناء تصرح الحكومة العراقية بأنها ليست طرفاً في الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران. وعلى الرغم من معارضتها العقوبات المفروضة على طهران فإنها اضطرت إلى الانصياع لها. و في مطلع الشهر الماضي سملحت الحكومة العراقية للميليشيات الشيعية بأن تتسجل ضمن قوات الأمن العراقية، وذلك تنفيذاً للقرار الذي اتخذته في سنة 2016 الذي يفرض خضوع هذه الميليشيات للسيطرة العراقية الكاملة.
- لكن هذه القرارات التي استقبلتها واشنطن بارتياح ليست لها أهمية عملية. فهذه الميليشيات لا تزال تابعة لإيران وعند الحاجة ستنصاع للأوامر التي تأتي من طهران. كذلك مطالبة العراق بالتنازل عن شراء الكهرباء من إيران ليس عملياً أيضاً، لأنه وظف في شبكة الكهرباء أكثر من 120 مليار دولار منذ سنة 2003، وهو يعاني نقصاً مزمناً في الكهرباء، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية. بالإضافة الى الكهرباء، يستورد العراق معظم استهلاكه من الغاز من إيران، وكذلك من تركيا، ويصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى نحو 12 مليار دولار سنوياً، ويمكن أن يصل إلى 20 مليار دولار.
- سيكون من الصعب على الولايات المتحدة قطع العلاقة بين إيران والعراق، ليس فقط بسبب الارتباط الاقتصادي العميق بينهما، بل أيضاً بسبب وجود رابط ديني – شيعي يغذي البنية التحتية الثقافية بين الشعبين، بالإضافة إلى الخوف من سيطرة المملكة السعودية السنية، والمشاعر العميقة المعادية لأميركا لدى جزء كبير من السكان، كل ذلك يفرض على أي حكومة عراقية، أغلبية وزرائها من الشيعة حتى لو لم يكونوا من مؤيدي إيران، درس خطواتها بكثير من الحذر.
- على ما يبدو، من المفترض أن يوضح الهجوم على مخازن الصواريخ في العراق أن الأخير يمكن أن يتحول إلى جبهة قتال دولية إذا لم يكبح التسلل العسكري الإيراني. لكن هذه الرسالة القوية يمكن أن يكون لها ارتداداتها العنيفة إذا قرر العراق، تحت ضغط سياسي داخلي، أن يكون درعاً لإيران.