أزمة الأحزاب العربية: فرصة للانعطاف
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

 

  • لم تنجُ الأحزاب العربية في إسرائيل من مفاعيل الهزة التي تعصف بالحلبة السياسية الإسرائيلية عشية الانتخابات المُعادة للكنيست. ثمة حرب شاملة، حرب الجميع ضد الجميع، تدور رحاها بين هذه الأحزاب هذه الأيام، تتقزم أمامها الصراعات الدائرة في الأحزاب الصهيونية، من اليمين واليسار على حد سواء. أداء الأحزاب العربية وقياداتها قد يسبب هزة أرضية في الشارع العربي في إسرائيل وثمة من يتمنّون أن تنقل هذه الهزة الجمهور العربي في إسرائيل، وكذلك العلاقة بين الدولة ومواطنيها العرب، إلى طريق جديدة.
  • الصَدْع بين الأحزاب العربية، بل بينها وبين جمهور ناخبيها بالأساس، قد حدث خلال الدورة السابقة للكنيست. فعشية انتخابات سنة 2015، كما نذكر، توحدت الأحزاب العربية جميعها خوفاً من عدم عبورها نسبة الحسم وشكلت "القائمة المشتركة". توحيد القوى هذا استنهض الشارع العربي وأدى إلى ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات والتصويت بنحو 20%. قرابة 100 ألف ناخب جديد أضيفوا إلى هذه الأحزاب، مقارنة بالانتخابات التي سبقتها، وحققوا لها إنجازاً انتخابياً غير مسبوق، إذ فازت "القائمة المشتركة" بثلاثة عشر مقعداً وأصبحت الكتلة الثالثة من حيث الحجم في الكنيست.
  • لكن وحدة الصفوف هذه كانت مزيفة وأدت صراعات الأنا والهيبة التي اندلعت بُعيْد الانتخابات مباشرة إلى تحطيم "القائمة المشتركة"، فعادت الأحزاب العربية إلى التنافس منفردة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في نيسان الماضي؛ فانفضّ الناخبون عنها وهبط تمثيلها إلى 10 أعضاء في الكنيست الأخير، في مقابل 13 عضواً في الكنيست قبل الأخير. كان من الممكن أن نتوقع، في ضوء تلك النتائج، أن يبذل السياسيون العرب مجهوداً لتوحيد الصفوف استعداداً للانتخابات المعادة، لكنهم غير متعجلين في ذلك. وجرّاء الخلاف الذي ما زال قائماً بشأن تركيبة القائمة، يبدو أن الأحزاب العربية ستتنافس في الانتخابات القريبة منفردة، وربما لا ينجح بعضها في عبور نسبة الحسم.
  • لكن الصعوبات والعقبات لا تكمن في عدم القدرة على توحيد الصفوف والتوصل إلى تفاهمات تقنية فقط، بل إن مصدر مشكلة الأحزاب العربية هو في أجندتها التي ينصبّ تركيزها على النضال ضد دولة إسرائيل ومؤسساتها وقليلاً ما تحاول العمل من أجل تعزيز اندماج المواطنين العرب في المجتمع الإسرائيلي.
  • اختارت الأغلبية الساحقة من العرب في إسرائيل، منذ زمن بعيد، الاندماج في دولة إسرائيل وفي النسيج الحياتي فيها. ما زالت الطريق طويلة ومزروعة بالعقبات. بعض الصعوبات نابع من الوضع الاجتماعي - الاقتصادي للعرب في إسرائيل، كما ينعكس في موجات العنف والجريمة التي يجد المجتمع العربي صعوبة في مواجهتها ومعالجتها. غير أن المعطيات تدل على التقدم المثير الذي حققه المواطنون العرب في جميع المجالات. ويبدو أن صناع القرارات في إسرائيل يعون أيضاً الحاجة إلى فعل المزيد من أجل دفع العرب ودمجهم في منظومات الحياة المتنوعة في الدولة، بل وقد جرى ـ لأول مرة منذ سنوات عديدة جداً ـ إعداد خطط طويلة المدى ورصد موارد كبيرة لها من أجل تحقيق هذا الهدف.
  • غير أن الأحزاب العربية رفضت تركيز نشاطها في جدول أعمال مدني يسعى لتحسين أوضاع المواطنين العرب والتفرغ الكلي والتام لمعالجة المشاكل المجتمعية والاقتصادية التي تشغل بالهم، فكانت النتيجة أن الناخبين هجروا هذه الأحزاب، هجرة جماعية. الانخفاض الذي حدث في معدلات المشاركة في الانتخاب في الوسط العربي كان دراماتيكياً، وقد وصل إلى 30% وأكثر في بعض المواقع. وفي المقابل، سُجّلت عودة ملحوظة بين الناخبين العرب إلى الأحزاب الصهيونية. وكان حزب "ميرتس" الرابح الأكبر والأساسي من هذه العودة، وخصوصاً أنه توجه إلى الناخبين العرب مباشرة ووظف جهوداً لإقناعهم بالتصويت له، مع أن أحزاباً صهيونية أُخرى، لم تبذل أي جهد في التوجه إلى الناخبين العرب، قد فازت من دون عناء.
  • سوف تستمر هذه التوجهات خلال انتخابات الكنيست القريبة أيضاً. لكن، كي يكون في الإمكان استثمارها لإحداث تغيير دراماتيكي في وضع المواطنين العرب وعلاقتهم مع الدولة ومؤسساتها، ثمة حاجة إلى بعض الإجراءات المكملة: أولاً، ظهور قوى وقيادات من قلب المجتمع العربي تقود أجندة مدنية تتركز في جهود ترمي إلى تحسين أوضاع العرب في إسرائيل. وثانياً، يجدر بالأحزاب الصهيونية أن تعود إلى الشارع العربي، وأن تُدرج مرشحين عرباً في لوائحها الانتخابية، وبصورة أساسية: أن تتحدث مع الناخبين العرب، ليس من أجل الفوز بأصواتهم في يوم الانتخابات فقط، وإنما أيضاً من أجل جعلهم شركاء سياسيين شرعيين في المدى البعيد. إذا ما حدث هذا، فستصعد الدولة ومواطنوها العرب إلى سكة جديدة.