المصلحة الروسية في المسألة الفلسطينية
تاريخ المقال
المصدر
- كان من الصعب تجاهل غياب الصين وروسيا عن الورشة الاقتصادية في البحرين، أواخر الشهر الماضي. بالاستناد إلى تجربة الماضي، يمكن الافتراض أنه من غير المتوقع أن يبادر الصينيون إلى إطلاق خطط بديلة لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وفي المقابل، من المتوقع أن يطرح الروس - حتى من وراء الكواليس - خططاً تشوش الروتين الإقليمي السليم الذي تقوده الولايات المتحدة وتتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
- لا تنطلق سياسة الكرملين في السياق الفلسطيني من دوافع إيثارية، بل من مصالح روسية ملموسة تماماً. فموسكو معنية بتجنيد دعم الدول الإسلامية والعربية لمشروع تمركزها في الشرق الأوسط وفي أفريقيا. ويتصل الموقف الروسي، أيضاً، بالأثر المعنوي في سكانها المسلمين الذين يشكلون نحو 10% من مجموع السكان في الدولة، ويعبّر عن السعي الدائم لتجنب حصول غليان داخلي. قبل بضعة أسابيع فقط، أعلن نائب المفتي العام في روسيا أن المسلمين في الدولة يدعمون النضال الفلسطيني بأية وسيلة. هذان العنصران يضافان إلى ميل روسيا التقليدي نحو تشجيع حركات مناوئة للغرب في مختلف أنحاء العالم. ويتبنى الكرملين، إذاً، سياسة مؤيدة للفلسطينيين في خط متعارض ليس مع المصالح الإسرائيلية فقط، وإنما مع مصالح الدول العربية والإسلامية المعتدلة أيضاً.
- تبدي روسيا، في العلن على الأقل، تمسكاً بالرؤية القائلة إن تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هي شرط لتحقيق الهدوء في الشرق الأوسط بأسره. وطبقاً لهذا الموقف، فإن تسوية نزاعات أُخرى، مصير شعوب المنطقة والانسجام عموماً في الشرق الأوسط منوطة، كلها، بمدى القدرة والاستعداد لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. هذا التوجه يرفع، طبعاً، سقف المطالب الفلسطينية ويعقّد الجهود الرامية إلى خلق واقع حياتي سليم في المنطقة. الصعوبة التي تنبع من هذا الموقف تذكّر، إلى حد بعيد، بالصعوبة التي نجمت عن النهج الذي اختطه الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي حدد في خطابه الذي ألقاه في القاهرة سقفاً جديداً لتسوية النزاع: اشتراط أي تقدم بالتجميد التام والمطلق للبناء فيما وراء الخط الأخضر. فقد أصبح هذا السقف، منذ لحظة تحديده، ملزماً للمفاوضين الفلسطينيين كنقطة بداية افتتاحية، وهو ما أجهض عملياً القدرة على التحرك نحو حوار مثمر.
- هذا التوجه الذي تبناه الروس، يمس بصورة مباشرة أيضاً مساعي وسيرورات تسوية العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية والإسلامية، التي تقوم على مصالح مشتركة لا تتأثر بالفكرة الوطنية الفلسطينية. ولا تكتفي روسيا بنشر موقفها على الملأ، بل تسعى فعلياً أيضاً لتجنيد دول عربية بارزة إلى جانبها، بصورة علنية. هذا ما حدث، مثلاً، قبيل عقد الورشة الاقتصادية في البحرين، حين صرح وزيرا الخارجية الروسي والمصري بأن للدولتين موقفاً مشتركاً بشأن الحاجة إلى حل شامل للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، أرسلت مصر ممثلين لها إلى المؤتمر في البحرين. فثمة مصلحة واضحة لها، كما لدول عربية رائدة أُخرى مثل السعودية، في التطوير الاقتصادي في المنطقة عموماً وفي المناطق الفلسطينية خصوصاً. وكلتاهما معنيتان باحتواء القضية الفلسطينية وبإخماد بؤرة محلية أُخرى تعوق تطوير المنطقة كلها.
- ثمة مصلحة لإسرائيل، طبعاً، في تفنيد هذه الرؤية التي تقول بوجود علاقة بين النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وبؤر التوتر والمواجهة الأُخرى في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، تعتبر إسرائيل كلاً من إيران وسورية مسألتين أكثر إلحاحاً على جدول أعمالها الاستراتيجي في مقابل روسيا. عليه، وفي ضوء مصالح دول مثل السعودية والدول الخليجية الأُخرى في سياق ما يحصل في محيطنا، والامتيازات التي تمتلكها هذه الدول في علاقتها مع الكرملين، فإن في إمكانها استغلال ذلك من أجل خلخلة الموقف القائل بأهمية المسألة الفلسطينية لمجمل التطورات في الشرق الأوسط.