معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في الأشهر الأخيرة يعمل رئيس الأركان أفيف كوخافي على بلورة خطة متعددة السنوات جديدة تحمل اسم "تنوفا". هذه الخطة هي استمرار للخطة المتعددة السنوات "جدعون" (2016-2010). التحدي الذي يواجهه واضعو الخطة هو الملاءمة بين الوسائل التي ستوضع بتصرف الجيش والأهداف الاستراتيجية التي يجب عليه تحقيقها، بما يتلاءم مع توجيهات المستوى السياسي. تستند الخطة إلى وجهة نظر تسعى لتحسين الفعالية العملانية، من خلال استنفاد القدرات القائمة والمستقبلية.
- من المفترض أن تقدم الخطة رداً على مجموعة مواجهات وتهديدات تواجهها إسرائيل، وعلى رأسها المواجهة مع إيران وشركائها في الجبهات المتعددة التي ازدادت مقارنة بالوضع الأمني الذي كان موجوداً لدى إقرار خطة جدعون (2015). اليوم يجب التشديد على المواجهة المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة، بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي. ويمكن أن يكون لذلك انعكاسات على إسرائيل على مستويين: يمكن أن تسرّع إيران مشروعها النووي، وأن تقحم إسرائيل في مواجهة مع الولايات المتحدة. أيضاً في القطاع السوري – اللبناني طرأت تطورات يجب على إسرائيل الاستعداد لها، وخصوصاً منذ انتصار الأسد وداعميه. كما نجح حزب الله في الحصول على كميات معينة من الصواريخ الدقيقة، على الرغم من جهود إسرائيل لإحباط ذلك. في هذه الأثناء تستمر المواجهات في قطاع غزة، وتجدر الإشارة إلى التكلفة المتراكمة والباهظة للخطة المعروفة باسم "معركة بين الحروب" في الجبهات المتعددة. وفي الخلفية هناك الاستعداد الإسرائيلي لكل ما له علاقة باستقرار السلطة الفلسطينية واستقرار دول أُخرى في المنطقة. وهناك عوامل أُخرى تدعم إقرار الخطة المتعددة السنوات: الوضع الاقتصادي الجيد نسبياً في إسرائيل في السنوات الأخيرة (الذي يتمثل في أرقام الناتج المحلي والعمالة وميزان المدفوعات)، وتصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن الحاجة إلى زيادة ميزانية الأمن.
- على الرغم من العوامل التي تدعم خطة تنوفا، ظهرت مؤخراً في صورة الوضع عوامل يمكن أن تعرقل تحقيق الخطة وربما تؤدي إلى قضمها. أحد هذه العوامل هو العجز الكبير في ميزانية الدولة. لقد قررت الحكومة تقليصاً واسعاً في ميزانية الدولة لسنة 2019، للجم الزيادة في العجز، لكن يبدو أن هذا لن يكون كافياًـ والضغط لكبح الميزانية سيستمر وسيزداد، وخصوصاً إذا حدث تغيّر سلبي في الوضع الاقتصادي. ثمة عامل ثانٍ هو الظروف السياسية في إسرائيل التي جعلت من الصعب تأليف حكومة مستقرة جديدة، وبالتالي اتخاذ القرارات المطلوبة لإقرار مثل هذه الخطة المتعددة السنوات، والموافقة على الميزانيات المطلوبة لتحقيقها.
الحاجة إلى اتفاق على ميزانية محدّثة لتحقيق الخطة
- إن خطة متعددة السنوات قابلة للعيش لا يمكن الاتفاق عليها فقط بين جدران وزارة الدفاع، لأنها يحب أن تكون مدعومة "بخطط مالية" متفق عليها (ميزانيات أمنية متفق عليها بين وزارتي الدفاع والمالية والمستوى السياسي، على امتداد سنوات الخطة)، وذلك لمنع نشوء مصاعب في التمويل وعدم يقين مالي. تجدر الإشارة إلى أن الخطتين المتعددتيْ السنوات اللتين تحققتا بالكامل في العقدين الأخيرين، خطة "تيفن" المتعددة السنوات (2008-2012) وخطة "جدعون" المتعددة السنوات - جرت تغطيتهما بخطط مالية أُقرت في قرارات الحكومة، أو في اتفاق مالي بين وزارة المال ووزارة الدفاع. أمّا الخطط المتعددة السنوات التي لم تحظ بتغطية مشابهة فلم يُكتب لها البقاء، بينها ثلاث خطط متعددة السنوات خلال السنوات 2012 وحتى 2015.
- في السنوات الأخيرة وحتى الآن تعمل وزارة الدفاع بناء على اتفاق مالي مع وزارة المال موقّع من وزير الدفاع موشيه يعلون ووزير المال كحلون في تشرين الثاني 2015 . يشكل هذا الاتفاق البنية التحتية لخطة جدعون المتعددة السنوات. الاتفاق تم وضعه بكامل تفاصيله في عمل قام به طاقم مشترك بين الوزارتين ويشكل نموذجاً لتعاون مهم بين الوزارتين لم يكن موجوداً في السنوات السابقة التي تميزت بالمشاحنات بين وزارة المال ووزارة الدفاع على ميزانية الأمن. يمكن تقسيم الاتفاق إلى قسمين أساسيين: موضوعات تتعلق بالفترة 2015-2020، في الأساس خطط ميزانية الأمن في تلك السنوات؛ وقضايا تتعلق بمدى زمني أبعد بكثير (عشرات السنوات)، وعلى رأسها نموذج الخدمة (والتسريح) من الجيش النظامي، وتقصير مدة الخدمة الإلزامية.
- قبيل الخطة المتعددة السنوات الجديدة، سُمعت أصوات من جهة وزارة المال تدعو إلى تخفيض معاشات التقاعد في مقابل زيادة معينة في التعويضات المالية للجنود النظاميين، وكذلك تقصير مدة الخدمة النظامية في الجيش للرجال أربعة أشهر إضافية (28 شهراً في الخدمة). فيما يتعلق بمعاشات التقاعد- اتُّفق في اتفاق يعلون - كحلون على نموذج يمكن أن يقلص إلى حد كبير عدد الضباط المستقيلين من الخدمة (الذين يحق لهم "معاشات تقاعد") وزيادة عدد الضباط المستقيلين من الجيش قبل أن يحق لهم الحصول على معاش تقاعدي (الحصول على تعويض مرة واحدة) بهدف تخفيض المعاشات التقاعدية على المدى البعيد. فيما يتعلق بتقصير مدة الخدمة النظامية فقد تقلصت بأربعة أشهر (ووصلت إلى 32 شهراً) للذين أنهوا خدمتهم في سنة 2018 وما بعدها. في اتفاق يعلون - كحلون جرى الحديث عن تقليص الخدمة بشهرين للمجندين في كانون الثاني 2020، لكن الأمر يتعلق بالجيش الإسرائيلي.
خلاصة وتوصيات
- القيود الاقتصادية وأيضاً السياسية يمكن أن تعرقل إطلاق الخطة المتعددة السنوات ويمكن أن تقضم محتواها أيضاً. مع ذلك فإن أهمية الخطة المتعددة السنوات بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي هي فوق أي شك، في الأساس من أجل الحاجة إلى استنفاد بناء القوة والجهوزية والمؤهلات. وهي أيضاً جوهرية من أجل النجاعة، لأنه في مدى زمني قصير من الصعب تنفيذ التغييرات المطلوبة لذلك. بناء على ذلك، يجب بدءاً من النصف الأول من سنة 2020 السعي لإقرار الخطة المتعددة السنوات الجديدة، المدعومة باتفاق ميزانية يشكل تحديثاً لاتفاق يعلون - كحلون. ويجب التركيز في الإعداد لاتفاق ميزانية محدثة على الموضوعات التالية:
- نموذج لتحديد إطار ميزانية الأمن للسنوات الخمس القادمة - هذا النموذج يجب أن يأخذ في الاعتبار التهديدات الأمنية المتوقعة وكذلك نمو الاقتصاد. ويجب أن يكون إطار الميزانية واضحاً (وغير قابل للتأويلات والخلافات) - مثلاً مسألة تحديد مضمون الميزانية بما في ذلك تمويل خارجي من وزارة المال لمشاريع وطنية، وإدخال تغييرات على تركيبة المساعدة الأمنية الأميركية. كذلك يجب تحديد جدول الأسعار التي تستند إليها مكونات الميزانية وأطر التغييرات فيها، مثل وتيرة النمو في الناتج القومي وحجم أحداث أمنية استثنائية تتطلب زيادة.
- نموذج الخدمة في الجيش النظامي - يجب فحص تأثير النموذج الحالي الذي سيطبق بعد اتفاق يعلون - كحلون، على نوعية الضباط في الجيش الإسرائيلي. في جميع الأحوال، لا يمكن تحديد نموذج الخدمة النظامية في الجيش بناء على اعتبارات التكلفة المالية فقط.
ج- مسألة تقصير إضافي للخدمة الإلزامية للرجال في الجيش. يجب فحص هذه المسألة ليس فقط بناء على الالتزام بحصص القوة البشرية في الجيش النظامي، بل أيضاً بناء على المؤهلات والتجربة التي تراكمت لدى جنود الجيش النظامي، مع التشديد على القيادة المبتدئة والانعكاسات على الاحتياطيين.
- على أي حال ثمة أهمية كبيرة لاستمرار التعاون والأجواء الإيجابية بين وزارتي الدفاع والمال، والامتناع من الانجرار إلى شجارات داخلية يمكن أن تضر بصدقية الأجهزة. وذلك بعد أن ظهر أن اتفاق يعلون - كحلون سمح بقيام "هدوء مصطنع" بين وزارتي المال والدفاع لعدد من السنوات.