ترامب باع بطاقات مهرجان البحرين لكن مضمون العرض ليس واضحاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • البشرى التي صدرت عن البيت الأبيض بأن مصر والأردن والمغرب سيرسلون ممثلين لهم إلى "الورشة الاقتصادية" التي دعا إليها الرئيس دونالد ترامب في البحرين خلال هذا الشهر، جرى قياسها بسرعة بمصطلحات الربح والخسارة. هي خسارة للفلسطينيين الذين لم ينجحوا في إقناع الدول العربية بعدم المشاركة في المؤتمر الدولي، وإنجاز لترامب الذي نجح في بيع ثلاث بطاقات أُخرى للعرض، من دون أن يعرف مستوى الممثلين الذين سيحضرون وما هو جدول الأعمال. لكن مشاركة السعودية واتحاد الإمارات والبحرين والدول الثلاث الجديدة المشارِكة من الجدير تفحصها ضمن سياق شبكة العلاقات بين هذه الدول وبين واشنطن وإسرائيل أكثر من اعتبارها اختباراً لحماستهم وفرصة للمشاركة في حل القضية الفلسطينية.
  • لقد أجّل الأردن رده طوال أسابيع كثيرة، وحتى لمّح في البداية إلى أنه لا ينوي المشاركة في المؤتمر. لكن عمّان مرتبطة بمساعدة أميركية، وأكثر من ذلك، هي لا تستطيع التغيب عن أي مؤتمر يمكن أن تُتخذ فيه قرارات لها انعكاس على مكانتها ومكانها في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. التخوف الأردني هو من سيطرة السعودية على الأماكن المقدسة وإقصاء الأردن عن العمليات السياسية في المنطقة. والأخطر من ذلك، أن الخطة الاقتصادية من المتوقع أن تمنح الأردن مليارات الدولارات كمساعدة، لكن من المتوقع أن يكون لهذه المساعدة ثمن سياسي باهظ، يمكن أن يشمل موافقته على استيعاب عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيه، كجزء من الجهد المبذول من أجل تحييد مسألة حق العودة.
  • السعودية هي حالياً في مسار صدامي مع الكونغرس الأميركي الذي ناقش في هذه الأيام أربعة اقتراحات قوانين الغرض منها كبح بيع المملكة السلاح بسبب الحرب التي لا تنتهي في اليمن، والتي تعتبرها الأمم المتحدة أكبر كارثة إنسانية في أيامنا هذه. ومكانة ولي العهد محمد بن سلمان ليست جيدة، في الأساس على خلفية جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي ومطالبة مجلس النواب بمواصلة التحقيق في مسؤولية محمد بن سلمان عن الجريمة. إلى جانب ذلك، تعتبر السعودية الولايات المتحدة مرساة ضرورية لمحاربة نفوذ إيران في الشرق الأوسط. لذلك فإن الاستجابة إلى كل مبادرة يقدمها ترامب هي ضرورة استراتيجية، سواء أكانت هذه المبادرة ستثمر حلاً سياسياً أم لن تثمر. المشكلة الفلسطينية بالنسبة إلى السعودية هي مشكلة ثانوية، كي لا نقول هامشية، بالنسبة إلى مصالحها الإقليمية، وأهمية مشاركتها في مؤتمر البحرين تشبه ظهور أحد المشاهير في مؤتمر دولي.
  • أيضاً مشاركة مصر في المؤتمر هي جزء من نسيج العلاقات الوثيقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وترامب. مصر ليست عدواً صارخاً لإيران، ومشاركتها في حرب اليمن ضد الحوثيين هي مشاركة رمزية. لكن اعتمادها الاقتصادي على الرياض وواشنطن لا يسمحان لها بأن تدير ظهرها لمبادرة أميركية. وبالإضافة إلى مليارات الدولارات التي منحتها لها السعودية منذ استولى السيسي على السلطة في سنة 2013، والمساعدة السنوية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، هناك أيضاً التأييد والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى القروض التي حصلت عليها مصر من صندوق النقد الدولي بحجم 12 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك هناك مشاريع استثمار ضخمة، أغلبيتها تمولها السعودية واتحاد الإمارات.
  • تتعاون مصر والسعودية واتحاد الإمارات على الصعيد العسكري مع الجيش الخاص للجنرال الليبي خليفة حفتر، وهناك تحالف عسكري غير رسمي بين مصر وإسرائيل لمحاربة الإرهاب بالقرب من الحدود. لكن أوضح كل من مصر والأردن وحتى البحرين أنه متمسك بحل الدولتين، وهذه صيغة لم تعد مقبولة من إسرائيل، ويبدو أنه حتى واشنطن تخلت عنها.
  • للمغرب مصلحة في المحافظة على مكانته كشريك في العمليات السياسية في المنطقة، وكان في الماضي شريكاً في جهود الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين؛ لكن المغرب أيضاً دولة محتاجة من الناحية الاقتصادية، وعلاقات قوية مع الولايات المتحدة هي ضمانة مهمة لخلق حزام أمن مالي كي تستطيع القيام بوظائفها.
  • من الواضح بالنسبة إلى كل الدول ورجال الأعمال المشاركين في المؤتمر أن عبء تمويل الخطة الذي سيتطلب جمع قرابة 70 مليار دولار بحسب التقديرات، سيقع على عاتق دول الخليج. حتى الولايات المتحدة لم تذكر المبلغ الذي ستوافق على المساهمة فيه لتنفيذ الخطة. الاتحاد الأوروبي أوضح موقفه بأن أي خطة لا تقترح حلاً سياسياً واقعياً وتتعارض مع مبدأ الدولتين غير جديرة بالبحث. وقد تعرّض الاتحاد لانتقاد من مستشار ترامب جاريد كوشنير في 4 حزيران/يونيو، أي بعد يوم من اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية للبحث في المشكلة الفلسطينية. لقد تعلمت دول الاتحاد الأوروبي من المؤتمرات السابقة التي جرت في وارسو في شباط/فبراير هذه السنة، وتلك التي عقدها البيت الأبيض في آذار/مارس 2018 أن المطلوب منها أن تكون بمثابة صراف آلي لا مكانة له بالنسبة إلى أفكار ترامب. والآن أيضاً يرى العديد من القادة في دول الاتحاد أن من الخطأ المشاركة في مؤتمر البحرين الذي يرون فيه محاولة للالتفاف على المسار السياسي الذي من دونه لا فائدة من الحديث عن تمويل واستثمارات. 
  • بالنسبة إلى الفلسطينيين، مشاركة دول عربية في المؤتمر على الرغم من الجهود الكبيرة التي قام بها محمود عباس لإقناعها بعدم المشاركة، هو دليل آخر على أن "القضية الفلسطينية" تستخدمها الدول العربية كساحة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولتنظيم خريطة الهيمنة العربية في الشرق الأوسط. هذه الدول، في تقدير عباس، تفضل المحافظة على الستاتيكو الذي يضمن لها دعماً أميركياً من دون دفع ثمن سياسي مثل الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها، كما كان سيُطلب منها أن تقوم به لو كان هناك عملية سياسية تؤدي في نهايتها إلى اتفاق سلام.
  • لكن حتى لو كان عباس قرر الاستجابة إلى دعوة ترامب من أجل الحصول، على الأقل، على مساعدة اقتصادية سخية من المنتظر أن تقترحها الخطة، فإن تجربته المُرة علمته أنه في كل ما له علاقة بالتمويل ليس لديه من يعتمد عليه. على سبيل المثال تعهدت الدول العربية في قمة الجامعة العربية التي عُقدت هذه السنة بتحويل 100 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية شهرياً لسد فجوة حسم الضرائب الذي فرضته إسرائيل، وحتى الآن لم يصل دولار واحد، وفقط قطر وافقت على أن تحول إلى السلطة 480 مليون دولار على دفعات صغيرة.

لا يستطيع مؤتمر البحرين أن يحل محل مفاوضات سياسية أو أن يقترح حلاً سياسياً يلتف على المفاوضات وهو لا ينوي فعل ذلك. وثمة شك في أنه سيجري خلاله التوصل إلى اتفاقات ملموسة على مبالغ وبرنامج زمني حتى على الصعيد الاقتصادي. في استطاعة ترامب أن يضيف الحدث إلى ملخص الجهود والصفقات التي وظفها في عملية السلام التي دمرها بنفسه عندما أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل إليها السفارة الأميركية واعترف بضم الجولان إلى إسرائيل.