بعد الانتصار الكبير في سورية، بوتين يواجه حقل ألغام دبلوماسياً
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد نقله معظم أراضي سورية إلى سيطرة بشار الأسد، كان في استطاعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبقدر كبير من الصدق، أن يسجل لنفسه إنجازاً عسكرياً مهماً. لكن هذا الإنجاز ليس انتصاراً بعد. في اليوم التالي يتضح له أنه يواجه حقل ألغام سياسياً يضعه في مواجهة تحديات جديدة وغير متوقعة، ويمكن أن تؤدي إلى قضم في الإنجازات العسكرية.
- ظاهرياً، الخطة السياسية التي وضعتها موسكو تبدو خطة منهجية ومنطقية: كان من المقرر أن تكون روسيا بدأت بسحب جزء من قواتها من سورية؛ وحل مسألة نزع سلاح قوات المتمردين في محافظة إدلب بوسائل دبلوماسية، في الأساس بواسطة تركيا؛ وتشكيل لجنة لصوغ الدستور الذي كتب مبادئه الأساسية مستشارون روس؛ وتحديد موعد الانتخابات والبدء بإعادة إعمار الدولة. وقد تم الاتفاق على الخطوط العريضة في اجتماع جرى في أيلول/سبتمبر 2018 بين إيران وتركيا وروسيا، ووافق عليها بشار الأسد وجزء من تنظميات المتمردين.
- لكن في كانون الأول/ديسمبر بدأت الأمور تتعرقل: أعلن الرئيس دونالد ترامب نيته سحب القوات الأميركية من سورية، وهو قرار لم ينفَّذ بعد. واندلع خلاف عميق بين ترامب وتركيا بشأن مسألة الدفاع عن القوات الكردية المدعومة من القوات الأميركية. صحيح أن ترامب وافق على إقامة حزام أمني في المنطقة الكردية في شمال سورية، على ما يبدو بعمق 32 كيلومتراً، لكنه يطالب بأن تقوم قوات أوروبية بمراقبة المنطقة والقيام بدوريات فيها - بينما تطالب تركيا بأن تكون قواتها هي المسؤولة عن المهمة. وما دام لم يجرِ حل هذه المسألة فإن الانسحاب سيؤجَّل، وفي هذه الأثناء يبحث الطرفان عن حل يلائم الأكراد أيضاً.
- أيضاً روسيا وسورية تعارضان السيطرة الكردية على شمال سورية، لكنهما في الوقت عينه تطلبان من تركيا تنفيذ اتفاق نزع سلاح الميليشيات المسلحة المتمركزة في محافظة إدلب، وخصوصاً قوات جبهة النصرة (أو بحسب اسمها الجديد هيئة تحرير الشام). يهدف هذا الاتفاق إلى منع هجوم عسكري روسي - سوري واسع على المحافظة، بطلب من تركيا. لكن في هذه الأثناء لم تفِ تركيا بوعودها بتجريد الميليشيات من سلاحها، وبدأت روسيا تهدد بأن صبرها أخذ ينفذ. معنى المعركة ضد محافظة إدلب، التي يسكن فيها 3 ملايين نسمة، ويوجد فيها نحو 50 ألف عنصر من الميليشيات المسلحة، موجة جديدة من اللاجئين الذين سيهربون نحو الأراضي التركية - التي تستضيف حالياً أكثر من 3 ملايين ونصف مليون لاجىء. من دون حل مشكلة إدلب ستتعرقل أيضاً عملية استكمال سيطرة نظام الأسد على كل أجزاء سورية، ومعها كل الخطوات السياسية التي خططتها روسيا.
- لغم آخر يكمن في غياب توافق على تعيين لجنة صوغ الدستور التي يجب أن تعمل برعاية الأمم المتحدة. في يوم الثلاثاء الماضي انتهت الجولة الـ12 من محادثات أستانة (أو بحسب اسمها الجديد نور - الدين)، عاصمة كازاخستان، من دون التوصل إلى نتائج. أساس الخلاف يتمحور حول تركيبة الطواقم التي ستقوم بصوغ الدستور. روسيا تريد أوسع تمثيل ممكن لقوات المعارضة إلى جانب ممثلين عن النظام، تركيا تعارض مشاركة الأكراد، والأسد يعارض مشاركة جزء من تنظيمات المتمردين. إيران من جهتها، تطالب بالمحافظة على نفوذها في سورية في مقابل السيطرة الاقتصادية لروسيا على مواردها، مثل حقول النفط والغاز التي أُعطيت حقوق تطويرها إلى شركات روسية، بالإضافة إلى تأجير مرفأ طرطوس لروسيا مدة 49 عاماً.
- هذا الصراع الاقتصادي تعاظم إلى جانب ما تعتبره إيران تعاوناً بين روسيا وإسرائيل وتآمراً لطردها من سورية. ويشير محللون إيرانيون إلى مجموعة "إثباتات": إعطاء ضوء أخضر لضرب أهداف إيرانية؛ ضبط النفس الروسي إزاء قرار ترامب الاعتراف بهضبة الجولان كجزء من دولة إسرائيل، ومؤخراً إطلاق سراح أسيرين سوريين في مقابل رفات زخاريا باومال. كل ذلك يُعتبر خطوات تدل على وجود "حلف" روسي - إسرائيلي موجّه ضد طهران. هذه التحليلات الإيرانية - التي تلاقي دعماً أيضاً لدى الحكومة التركية - تستفيد منها إسرائيل التي تبدو كأنها قادرة على التأثير في السياسة الروسية في الشرق الأوسط (إلى جانب السياسة الأميركية)، لكن ليس أكيداً أن روسيا راضية عن هذه الصورة، وخصوصاً عندما تكون في خضم خطوات سياسية في سورية، فإنه من المستحسن ألاّ تبدو كأنها تعمل وفق أجندة إسرائيلية.
- يبدو أن روسيا تحتكر إدارة الخطوات السياسية، لكن هذا الاحتكار يتطلب صيانة ومرونة إزاء المنافسين الآخرين كي يتحقق. في هذه الأثناء يبدو أن ملايين المقتلعين واللاجئين السوريين، ومثلهم أيضاً الأفكار وخطط إعمار سورية سيضطرون إلى الانتظار، لأنه ما دام لم ينشأ هناك نظام مستقر ومتفق عليه، لن تكون هناك دولة مانحة مهمة توافق على تقديم المبالغ الضخمة المطلوبة من أجل إعادة الإعمار.