خروج روسيا من سورية يفسح المجال لدخول لاعبين آخرين، ويمكن أن يورط إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لم يكن لدى قصر الرئيس السوري بشار الأسد سوى القليل من الوقت لتغيير أواني الطعام نظراً إلى كثرة الضيوف المهمّين الذين قاموا بزيارته هذا الأسبوع. في البداية كانت زيارة وزير الدفاع سيرغي شويغو. بعدها بيوم وصل وزير الدفاع العراقي، ثم رئيس الأركان الإيراني، ومن المنتظر قريباً وصول وفود من دول عربية أُخرى للبحث في إمكان دعوة سورية  إلى حضور اجتماع القمة العربية الذي سيُعقد في تونس في نهاية الشهر.
  • رسمياً صرّح الضيوف أنهم جاؤوا للبحث في مواصلة الحرب ضد "الإرهابيين"، موضوعات يمكن الحديث عنها هاتفياً. لكن الموضوع المركزي هو الخطوة الروسية المقبلة التي تشغل الجميع حالياً.
  • في يوم الأحد، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماع عمل مشتركاً مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع شويغو، وبحسب تقارير في روسيا وسورية، فقد طلب منهما البدء بسحب القوات الروسية من سورية وإعادتها إلى روسيا. وذكرت تقارير اليوم أن طائرات هجومية روسية أُعيدت إلى روسيا سابقاً عادت بالأمس إلى سورية، على ما يبدو، من أجل المشاركة في المعركة ضد محافظة إدلب التي يتمركز فيها عشرات آلاف المتمردين. وذكر رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي، فيكتور أوزيروف، أن روسيا ستُبقي في سورية نحو ألف عسكري، والظاهر أنها تريد أن توضح للأسد بصورة خاصة، أن مهمتها  العسكرية توشك على الانتهاء بعد أن "أنهت مهمتها وأعادت سورية إلى سيطرته".
  • هذا التصريح ليس دقيقاً تماماً لأن محافظة إدلب ما تزال تنتظر حلاً، ويمكن أن تتحول إلى ساحة قتال وحشي إذا لم تفِ تركيا بالوعود التي قدمتها لروسيا ولم تطرد من أراضيها عناصر جبهة النصرة وجيش الإسلام. وهما القوتان الكبيرتان اللتان تملكان قدرة عسكرية تمنع استكمال سيطرة بشار الأسد على سورية.
  • إن من يجب أن يقلق من الانسحاب الروسي من سورية هو إسرائيل التي تعتبر روسيا الضمانة الأكثر أهمية لكبح تمركز إيران بصورة خاصة على طول الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. روسيا التي لم تفِ بتعهداتها بإبعاد القوات الموالية لإيران إلى مسافة عشرات الكيلومترات شرقي خط الحدود، اقترحت في آب/أغسطس الماضي إقامة نقاط مراقبة على طول خط الحدود، هدفها منع دخول قوات أجنبية بالقرب من الحدود. لكن حتى الآن انتهى العمل في إقامة نقطة مراقبة واحدة توجد فيها قوات من الشرطة العسكرية الروسية.
  • وبالاستناد إلى تصريحات روسية، خمس نقاط مراقبة أُخرى على طول الحدود ستكون جاهزة قريباً، وبالنسبة إلى موسكو ليس هناك ما يمنع حالياً عودة مراقبي الأمم المتحدة إلى القيام بدورياتهم على طول خط برافو الذي يحدد انتشار القوات السورية بحسب اتفاق فصل القوات العائد إلى سنة 1974. وفي الواقع بدءاً من آب/أغسطس، بدأت قوات الإندوف بالقيام بدورياتها بصورة جزئية على طول الحدود، لكن يبدو حالياً أن في إمكان هذه القوات القيام بمهماتها كاملة. عودة مراقبي الأمم المتحدة لا تدل فقط على عودة سيطرة الأسد على الحدود كما كانت قبل الحرب، بل تدل أيضاً على موافقة إسرائيلية على اقتراب القوات السورية من خط برافو، والعودة إلى اتفاقات وقف إطلاق النار التي تفرض على إسرائيل الامتناع من التسلل عسكرياً عبر هذا الخط الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي لإقامة علاقات  بهدف مساعدة سكان المنطقة.
  • في إسرائيل يأملون بأن يُستخدم خروج القوات الروسية كأداة للضغط على إيران لإخراج قواتها، لكن في هذه الأثناء ليس هناك أي إشارة من جهة إيران إلى أنها مستعدة لتبنّي  الخطوة الروسية.
  • ما يقلق أيضاً العلاقة الرسمية التي تزداد توثقاً بين سورية والعراق، وخصوصاً على خلفية النية بإعادة فتح المعبر الحدودي القائم بالقرب من البو كمال. تربط بين سورية والعراق ثلاثة معابر حدودية. الأول بالقرب من التنف الذي يسيطر عليه الأميركيون ومهمته منع عبور القوات الإيرانية من إيران عبر العراق إلى سورية. الثاني، معبر اليعربية في شمال سورية، وتسيطر عليه حالياً القوات الكردية السورية، بينما معبر البو كمال يسيطر عليه النظام السوري، ويمكن أن يُستخدم كنقطة عبور مريحة ليس فقط للبضائع العراقية، بل أيضاً للمقاتلين والسلاح الذي يصل عبر العراق إلى سورية.
  • تمارس سورية على الأكراد ضغطاً كبيراً من أجل تسليمها الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، وهي تعرض عليهم خيارين: مصالحة أو استخدام القوة. المصالحة معناها تسليم المناطق التي سيطروا عليها في إطار حربهم ضد داعش إلى النظام في مقابل التعهد بالمحافظة على وضعهم السياسي وعلى حقوقهم في النظام الذي سينشأ بعد الحرب.
  • إذا لم يقبل الأكراد الطلب السوري، من المنتظر أن يفتح النظام جبهة جديدة ضدهم تعرّض فرص حصولهم على مكانة خاصة للخطر، أو على الأقل حصولهم على المساواة في الحقوق كمواطنين. الخياران يضمنان لسورية انتقال معبر الحدود الشمالي إلى سيطرة النظام، وهو ما سيؤدي إلى تضاعف خطر انتقال السلاح من العراق إلى سورية ومنها إلى لبنان. من هنا تأتي أهمية وجود القوات الأميركية في سورية الذي يضمن ليس فقط أمن الأكراد في مواجهة هجمات سورية أو تركية، بل يضمن أيضاً سيطرة الأكراد على معبر الحدود. والسؤال المطروح الآن مَن سينجح في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإبقاء جنوده في سورية، أو على الأقل تأجيل موعد خروجهم منها.
 

المزيد ضمن العدد 3054