غياب الولايات المتحدة سيجعل إسرائيل بحاجة إلى روسيا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • للحرب الأهلية في سورية انعكاسات متعددة على إسرائيل؛ فقد انهارالجيش السوري، الذي لطالما شكل تهديداً للجيش الإسرائيلي الذي تدرب على مواجهته طوال عقود، ولم يعد يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة إلى إسرائيل، باستثناء الدفاع الجوي على الأقل، وبصورة جزئية. ومع وجود سلام مستقر مع مصر والأردن وتبدد "الجبهة الشرقية"، ليس هناك أي دولة مجاورة مهتمة بشن حرب ضد إسرائيل أو قادرة على فعل ذلك، الأمر الذي يعدُّ تحسناً دراماتيكياً في وضعنا الاستراتيجي.
  • لكن في المقابل، بدأت أطراف أُخرى بملء الفراغ الذي أحدثه تفكك سورية. لقد أحبط المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة خطر أن تنتهي الحرب الأهلية السورية بسيطرة تنظيم داعش. في الأساس، عملياً، ركز هذا التنظيم عملياته ضد خصومه السنة والدول العظمى الأجنبية، ومن المفارقات أن إسرائيل كانت الأقل قلقاً من صعوده.
  • ثمة احتمال آخر كانت تتخوف منه إسرائيل أكثر، وقد تحقق عملياً، وهو أن تنتهي الحرب الأهلية بسيطرة إيران على سورية، وفي هذه الحالة روسيا أيضاً. الأخبار الجيدة هي أن سورية تعيد تكوين نفسها كدولة - سورية المنقسمة كانت ستشكل مسرحاً سهلاً جداً لتدخل إيران وحزب الله من دون أن يتمكن أي طرف من لجمهما.
  • من الواضح أن الأسد لا يريد أن يكون خاضعاً لسيطرة إيران أو روسيا، لكنه مجبر على إرضائهما لعدم وجود خيار آخر، محاولاً أن ينتزع لنفسه مجالاً للمناورة. لقد حصلت روسيا، الطرف المسيطر حالياً في سورية، على عقود لمدة 50 عاماً في مرافىء الدولة ومطاراتها. وبالنسبة إلى روسيا، التي تركز على استعادة مكانتها كدولة عظمى ومنافسة للولايات المتحدة، فإن الحرب الأهلية في سورية سمحت لها باستعادة مكانتها الإقليمية وأن تكون الدولة العظمى القائدة في المنطقة.
  • أمّا بالنسبة إلى إيران، فإن السيطرة على سورية هي المفتاح لنشوء "هلال شيعي" يبدأ من أراضيها، ويمر بالعراق وسورية ولبنان حتى البحر المتوسط، وكذلك لترسيخ وجودها العسكري الدائم على حدود إسرائيل. إلاّ إن قدرتها على تحقيق هذه الأهداف جرى تقييدها حتى الآن من خلال القوة الأميركية المحدودة الموجودة في شرقي سورية، والهجمات الإسرائيلية التي أحبطت حتى الآن جهودها. إن تمركز إيران في سورية سيشكل تغييراً خطراً في ميزان القوى لا تستطيع إسرائيل أن تتحمله، ولو أدى الأمر إلى مواجهة.
  • المشكلة هي أن إسرائيل تقوم بعمل دفاعي ومن المتوقع أن تخسر المعركة إذا استمرت إيران في جهودها. هناك حدود لما يمكن تحقيقه من خلال الهجوم على شحنات السلاح والمنشآت. وحتى لو نجحت إسرائيل بنسبة 99% في جهودها من أجل إحباط ما تقوم به إيران - وهذا ليس واقعياً – فإنه لا يزال في إمكان هذه الأخيرة ترسيخ وجودها في سورية. من أجل بناء المخزون المرعب المؤلف من 130 ألف صاروخ لحزب الله في لبنان تطلب الأمر عقوداً من الزمن.
  • في ظل حكم ترامب، كما في ظل حكم سلفه، أهملت الولايات المتحدة فعلياً الساحة السورية وتركتها لروسيا وإيران. فالسياسة الشرق الأوسطية للإدارة الأميركية، في حال كان لديها مثل هذه السياسة، هي سياسة غير متماسكة وغير ناجعة في نظر اللاعبين الإقليميين.
  • يبدو أن ترامب سيترك في سورية وجوداً عسكرياً معيناً، وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل تجد نفسها اليوم معتمدة على روسيا - الطرف الوحيد القادر على تهدئة الوضع في الشمال ومنع التدهور المؤدي إلى مواجهة مع إيران في سورية أو حتى مواجهة مباشرة. حتى الآن نجحت روسيا في أداء دور الكابح لهذه المواجهة لكن بصورة جزئية، سواء بسبب محدودية تأثيرها في سورية وإيران أو بسبب تفضيلها المناورة بين الأطراف المتعارضة.
  • حتى إسقاط الطائرة الروسية في أيلول /سبتمبر، كان يبدو أن روسيا تعطي إسرائيل حرية العمل ضد إيران وحزب الله في سورية. صحيح أن إسرائيل تدّعي منذ ذلك الحين أن من حقها مواصلة العمل في سورية للدفاع عن نفسها، لكن عدد الهجمات تضاءل بصورة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، لم تف روسيا بوعودها فيما يتعلق بإبعاد قوات إيران وحزب الله مسافة 60 إلى 80 كيلومتراً عن حدود الجولان، هذا إذا لم تذكر المطالبة الإسرائيلية بالخروج الكامل لهذه القوات من سورية.
  • عملياً، تندمج قوات إيران وحزب الله داخل الجيش السوري، كما تسيطر على وحدات كاملة فيه. وعندما تغيب الولايات المتحدة لن يبقى من خيار أمام إسرائيل إلاّ السعي لمساعدة روسية تمنع اندلاع مواجهة.
  • وفي حال واصلت إيران محاولاتها ترسيخ وجودها العسكري في سورية، على الرغم من الجهود الإسرائيلية لإحباطها، قد تكون ثمة حاجة إلى التصعيد ومهاجمة أهداف ذات قيمة بالنسبة إلى النظام السوري، أهداف عسكرية في البداية ثم أهداف تابعة للنظام. وإذا لم يكن هذا مفيداً، ستضطر إسرائيل إلى التفكير في مهاجمة أهداف مشابهة في إيران. ولا شك في أن المقصود تصعيد خطر، لكن أن يحدث هذا اليوم أفضل من حدوثه في المستقبل، عندما من المحتمل أن تتخطى إيران العتبة النووية. يجب أن نأمل أن يدفع حجم هذا الهجوم وخطره بروسيا والمجتمع الدولي للضغط على سورية وإيران كي يغيرا سلوكهما.

أثبت تفكك سورية حكمة الذين حذروا في إسرائيل أثناء المفاوضات في التسعينيات وفي سنة 2000 من أن الاتفاق مع سورية المرتبط بالتخلي عن الجولان، سيكون بمثابة "توقيع على الجليد". إن فكرة مواجهة تمركز إيران وحزب الله في سورية، من دون الجولان، يجب أن تُقلق من يعتبر أمن الدولة وأيضاً فرص التسوية السلمية غاليين عليه.