"حماس" تخوض حرب استنزاف في غزة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد مرور سنة على بدء التظاهرات على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، وعلى خلفية مساعي مصر لترسيخ التهدئة من جديد، يُطرح على جدول الأعمال السؤال التالي: ما هي طريقة العمل التي يجب أن تنتهجها إسرائيل ضد "حماس". أريد التطرق إلى هذه المسألة أيضاً بالاستناد إلى معرفة وثيقة وطويلة، في إطار خدمتي العسكرية، بما يجري في القطاع ومعرفة بكبار المسؤولين في "حماس".
- إن تحليل خطوط العمل التي يجب على إسرائيل أن تتخذها يتطلب معرفة استراتيجيا "حماس"، وخصوصاً على المستوى السياسي الأيديولوجي. من المناسب التشديد على أن "حماس" التي نشأت بعد أيام قليلة على نشوب الانتفاضة الأولى (بالاستناد إلى قاعدة تنظيم "المجمع الإسلامي" الذي عمل في غزة بموافقة إسرائيل منذ سنة 1979)، تصرفت عملياً بصفتها امتداداً لحركة "الأخوان المسلمين" التي نشأت في مصر في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ولقد تأثرت بها ومثلت مبادئها في الساحة الفلسطينية.
- في المستوى الملموس يجب التطرق إلى طبقتين مركزيتين كقاعدة للتحليل. الطبقة الأولى سياسية - أيديولوجية، تعرض فيها "حماس" مجموعة منظمة وتفصيلية من المواقف والآراء جرى صوغها بصورة جازمة وقاطعة فيما يتعلق بإسرائيل واليهود. وخلاصة القول: ترفض "حماس" وجود إسرائيل، ولا تعترف بها ككيان سياسي شرعي، وتدعو عملياً إلى القضاء عليها وإقامة دولة إسلامية - فلسطينية على أنقاضها. كل ذلك ضمن حدود معروفة "من النهر إلى البحر"، وكمرحلة أولى تمهيداً لإحياء الخلافة الإسلامية في المستقبل.
- الطبقة الثانية هي مستوى العمليات على الأرض. خلاصة الأمر في هذا الشأن هي أن في الإمكان رؤية توجهاً براغماتياً من جانب "حماس"، يُعبّر عنه من خلال استعدادها للدفع قدماً باتفاقات مع إسرائيل على وقف إطلاق النار("هدنة"، أو "تهدئة"، بحسب تعبيرها)، لكن من دون الاعتراف بها، ومن خلال إجراء مفاوضات معها عبر وسطاء.
- قبل عام بدأت "حماس" بتظاهرات ومواجهات عنيفة على طول السياج سمتها "مسيرات العودة وكسر الحصار"، وذلك انطلاقاً من الأزمة الحادة التي واجهتها بعد أن حُشرت في الزاوية سواء من جانب إسرائيل أو من جانب الأنظمة العربية. ويحدث ذلك على خلفية التطورات في المنطقة، وفقدان الاهتمام بالموضوع الفلسطيني، والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه المنطقة، وازدياد الانشغال بقضايا إقليمية أُخرى، في مركزها المشكلة الإيرانية. في مثل هذه الظروف ازداد خوف "حماس" على استقرار حكمها وعلى استمرار سيطرتها على القطاع. والهدف من الأحداث العنيفة على طول السياج هو تغيير لقواعد اللعبة من ناحيتها.
- في الأساس، تخوض "حماس" حرب استنزاف ضد إسرائيل. والتهديد الذي تمثله لا يرقى إلى مستوى خطر وجودي، وخصائص عمليات السنة الأخيرة لا تشكل بالنسبة إليها ذريعة للحرب. في ضوء ذلك، يجب على إسرائيل أن تتبنى توجهاً يجمع بين الحزم والصبر والصمود والعمل إزاء "حماس" من خلال اتخاذ خطوات مدروسة، وانطلاقاً من الاعتراف بأن ما يجري ليس صراعاً قصيراً من نوع "ضربة واحدة وانتهينا"، بل معركة طويلة ومستمرة.
- في سيناريو تواجه فيه إسرائيل ضرورة خوض عملية عسكرية شاملة، يجب عليها أن توجه ضربات مؤلمة إلى أهداف "حماس"- لكن ليس بقصد احتلال المنطقة، وبطريقة لا تجرها إلى التمرغ من جديد في وحل غزة.
- إعطاء السلطة الفلسطينية تفويضاً جديداً للعمل في قطاع غزة يبدو لي في الظروف الحالية سيناريو مغلوطاً وغير واقعي. لقد سيطرت "حماس" في سنة 2007 على القطاع ليس من أجل نقل المنطقة على طبق من فضة إلى يدي محمود عباس. وفي أي سيناريو لا أرى احتمالاً معقولاً أن توافق "حماس" على نزع قوتها العسكرية وأن تمنح عباس مسؤولية إدارة الأمور انطلاقاً من روحية مطلبه المعروف "سلطة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد".
- في مثل هذه الظروف يتعين على إسرائيل الاستمرار في سياستها الحالية التي تتجلى في جهد لترسيخ تهدئة أمنية لفترة زمنية طويلة بقدر الممكن، في مقابل ثمن أدنى من ناحيتها، من خلال تمرير مساعدة مدنية إنسانية، وتدفّق تأييد مالي من مصادر خارجية، وتوسيع منطقة الصيد. مع ذلك، يجب على إسرائيل أن تظل يقِظة وأن تمنع تآكل وقضم مطالبها الأمنية، ومواصلة الرقابة الشديدة، بهدف إحباط تعاظُم قوة "حماس" العسكرية.
- في هذه الأيام، وبينما تقف إسرائيل في مواجهة التحدي المهدد المتمثل في "حماس"، أتذكر الكلام الذي قاله لي رئيس بلدية غزة الأسطوري رشاد الشوا الذي يبدو كنبوءة تحققت. جرى ذلك قبل وقت قصير من موته في أيلول/سبتمبر 1988، وقبل أقل من سنة على نشوب الانتفاضة. جلسنا على شرفة الفيلا التي سكن فيها في حي الرمال الراقي. سمعنا من حولنا أصوات متظاهرين ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانفجار زجاجات حارقة على الطريق، وارتفعت سحب دخان كثيف من الإطارات المشتعلة. التفت إلي وسألني: "ما هي غزة؟" ومن دون أن ينتظر سارع إلى الإجابة: "غزة هي مشكلة إسرائيل. في السراء ستعيش بقربكم بسلام، وفي الضراء ستكون حجر طاحونة معلقاً في أعناقكم".