من أجل إزاحة نتنياهو يجب ألاّ نعلق في الوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • نحو نصف الإسرائيليين لا يرغبون في بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، يبشرنا استطلاع للرأي أجرته صحيفة "هآرتس". يمكن الافتراض أن هذا الكلام يقلق نتنياهو، لكن يجب أن يقلق أكثر الذين يريدون إزاحته عن منصبه. فقط نصف الإسرائيليين؟ على الرغم من سلسلة الملفات الآخذة في التراكم قبل توجيه لائحة اتهام؟ وعلى الرغم من الغطرسة، والجشع، وعبادة الشخصية، وسحق القيَم وتدمير الديمقراطية، ما يزال نصف الإسرائيليين يريدونه رئيساً للحكومة، أو على الأقل لا يعارضون ذلك؟ وليس هذا كل شيء - ينضم إلى هذا النصف الجمهور الذي لا يريد نتنياهو، لكنه يواصل منح اليمين، واليمين المتطرف مقاعد هو بحاجة إليها كي يستطيع السير بالدولة نحو الهاوية.
  • ظاهرياً، الصراع هو بين غانتس ونتنياهو، كأنما ما يجري الحديث عنه هو انتخابات شخصية يطرح كل واحد من المرشحين الأساسيين فيها أيديولوجيا منافسة، أو على الأقل لديه مجموعة مزايا شخصية تفرّق بينه وبين خصمه بصورة واضحة. الافتراض الأساسي هو أن الجمهور لديه نتائج صور الأشعة السياسية لكل منهما، ويرى غانتس كزعيم للوسط - اليسار، ونتنياهو كجنرال اليمين. لكن هنا تنقص صورة أشعة للجمهور نفسه. هل يعرف الجمهور كيف ينوي غانتس إخلاء مستوطنات، أو ما هي خريطة الكتل الاستيطانية التي سيتبناها؟ وأين تقع القدس الموحدة بالنسبة إليه؟ وما هو التعديل الذي وعد الدروز بالقيام به بشأن قانون القومية؟ هل يعرف أحد ما إذا كان غانتس سيعيد اللغة العربية إلى مكانها المناسب، كلغة رسمية في إسرائيل؟ وهل سيعيد تأهيل مكانة جهاز القضاء؟
  • لا يُسأل الجمهور عن هذا كله في الاستطلاعات وهو لا يجيب. ومثل رحلة من دون GPS، ومن دون خريطة وبوصلة، يقبل "الشعب" مرة أُخرى السير وراء الكاريزما، سواء كانت في الشعر القاتم أو العينين أو اللياقة البدنية. لكن هذا الكلام معناه استخفاف عميق بعملية غسل الدماغ التي تعرض لها الجمهور في العقد الأخير، وتجاهل للثورات التي قام بها نفتالي بينت وأييليت شاكيد كما لو أنها كانت فقاعة صابون، وتبرؤ من العنصرية التي غرست جذورها الكثيفة وسط هذا الجمهور.
  • هذه المرة ليس الزعماء هم الذين يقولون للجمهور ما الذي عليه أنه يفكر فيه، بل الجمهور هو الذي يفرض الأيديولوجيا، و الكتلة الكبيرة المؤلفة من اليمين - وسط اليمين - واليمين المتطرف لن تسمح لمرشحيه بالخروج عنها. هذا هو الجمهور الذي، في أغلبيته، يكره العرب والأجانب، ويؤيد "عملية عسكرية واسعة" في غزة، وتوسيع المستوطنات، وقص أجنحة محكمة العدل العليا، والتمييز الجندري في جهاز التعليم. هذا هو الجمهور الذي ذاق الطعم الحلو للتفوق اليهودي، ويرتاح إلى الحاضنة العنصرية التي ترعاها الحكومة بعناية، ولا تعترف ديمقراطيته بشرعية الرأي الآخر.
  • بالنسبة إلى هذا الجمهور، الانتخابات المقبلة لن تكون بشأن زعامة جديدة، ولغة سياسية جديدة أو لائحة قيَم جديدة. بل ستكون لانتخاب مدير عام وأسلوب إدارة يضمن الاستمرارية. وأيضاً حتى لو كان "الشعب" يشعر باليأس من نتنياهو، فهو متمسك بطريقه. لقد استوعب غانتس هذه الحقيقة، والدليل على ذلك الحاجة إلى عدسة مكبّرة كي نرى الفروقات الفكرية بينه وبين نتنياهو. "الوسط" كما يمثله غانتس، والذي يجذب المواطن العادي، ليس له صفات خاصة به. وهويته الغامضة يستمدها من المسافة التي تفصل بينه وبين اليمين المتطرف، ومن مدى كراهيته لليسار الصهيوني.

من لا يريد الاكتفاء بإزاحة عائلة نتنياهو ويريد كبح التدهور نحو الانهيار لا يستطيع أن يسمح لنفسه بأن يعلق في الوسط.