المعركة ضد إيران في سورية: هل تصريحات إسرائيل مفيدة؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • في 13 كانون الثاني/يناير صرّح رئيس الحكومة وزير الدفاع، بنيامين نتنياهو، أنه في السنوات الأخيرة هاجم الجيش الإسرائيلي في سورية مئات الأهداف التابعة لإيران وحزب الله، وتحمّل مسؤولية الهجوم على مخازن إيرانية احتوت سلاحاً إيرانياً في مطار دمشق الدولي في 11 كانون الثاني/يناير. وقال نتنياهو إن تراكم الهجمات الأخيرة يثبت أن إسرائيل مصرة أكثر من أي وقت آخر على العمل ضد إيران في سورية، وحذّر من أن إسرائيل ستزيد هجماتها عندما تقتضي الحاجة ذلك. ونصح نتنياهو إيران بالخروج من سورية بسرعة، "لأننا سنواصل سياسة الهجمات كما وعدنا وكما نفعل من دون خوف ومن دون توقف".
  • أسباب توقيت التصريحات - يبدو أن حاجة إسرائيل ازدادت لتوضح لجميع اللاعبين على الساحة خطوطها الحمراء في سورية، وخصوصاً في ضوء إعلان الرئيس دونالد ترامب في 3 كانون الثاني/يناير 2019، انسحاب الولايات المتحدة، وقوله إن الإيرانيين بالنسبة إليه "يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون" في سورية، وبعد القيود التي فرضها الروس على إسرائيل فيما يتعلق بمهاجمة مناطق معيّنة في أعقاب إسقاط السوريين طائرة إليوشن الروسية في 17 أيلول/سبتمبر 2018، وأيضاً في ضوء الجهود التي تبذلها القوات المسيطرة على سورية لبلورة نظام جديد في الدولة.
  • يبدو أن التصريحات هدفت أيضاً إلى زيادة النزاع بين سورية وبين روسيا وإيران، كي تغادر إيران سورية، لأنه ما دامت سورية تُستخدم كساحة قتال بين إيران وإسرائيل - الأمر الذي برز في مطار دمشق - فهناك خطر على أمن النظام السوري، ومن الصعب المضي في التقدم في عملية إعادة البناء. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكشف عن الجهد الإيراني وكلفته الباهظة (خلال سبع سنوات أنفقت إيران في سورية نحو 16 مليار دولار، بالاستناد إلى أيزنكوت) يساهم في بروز مواقف معارضة في إيران لتمويل عملياتها التخريبية في الخارج، في الوقت الذي تواجه العقوبات الأميركية، ويعاني مواطنوها جرّاء أزمة اقتصادية.
  • في الساحة الداخلية - في تقدير معلّقين إسرائيليين أن التصريحات بشأن النجاحات التي حققها الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة لا تخلو من مآرب سياسية وغير سياسية. وبحسب وجهة النظر هذه، فإن هذه الظاهرة يمكن أن تتبدل بعد المعركة الانتخابية. وثمة اعتبار أوسع يتعلق بصورة الجيش. يُفهم من الكلام الذي قاله أيزنكوت في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي في كانون الثاني/يناير 2019 أن المعلومات التي كشفها بشأن المعارك التي يخوضها الجيش على الساحة الشمالية يمكن أن تساعد الجمهور الإسرائيلي على فهم التحديات العسكرية التي يواجهها الجيش، لأن هذا الجمهور تعرّف في السنوات الأخيرة وبصورة كبيرة على عمليات الجيش في يهودا والسامرة، وعلى حدود غزة، التي هي بمثابة "رأس جبل الجليد". ولهذا الكشف أيضاً فائدة لأنه من حق الجمهور أن يعرف ما يحدث - في دولة ديمقراطية من الصعب القيام بعمليات عسكرية شاملة، ومكثفة، ومتواصلة، ومحفوفة بالمخاطر من دون نقاش عام.

ردات فعل إيران وسورية

  • أدت التصريحات في إسرائيل إلى ردات فعل حادة مضادة في إيران، شملت في الأساس تهديدات، بينها التهديد باستخدام صواريخ دقيقة. رداً على كلام نتنياهو في 13 كانون الثاني/يناير 2019، أعلن قائد الحرس الثوري في إيران، محمد علي الجعفري، في 16 كانون الثاني/يناير 2019، أن إيران ستُبقي مستشاريها وسلاحها في سورية، على الرغم من "التهديدات السخيفة الهاذية" لإسرائيل بضرب الوجود الإيراني هناك. وحذّر إسرائيل من اللعب بـ"ذيل الأسد"، لأن صبر إيران يوشك على النفاذ في مستقبل غير بعيد، وادّعى أن على إسرائيل أن تخاف من اليوم الذي سيسقط فوق رأسها وابل من صواريخ إيران الدقيقة.
  • الرسائل يجري تمريرها أيضاً بواسطة عمليات قوة. في 20 كانون الثاني/يناير 2019، تحدثت تقارير أجنبية عن إطلاق الجيش الإسرائيلي 7 صواريخ على منطقة مطار دمشق، وهو ما أجبر طائرة تابعة لشركة طيران إيرانية على العودة إلى إيران. رداً على ذلك أُطلق صاروخ أرض-أرض إيراني (دقيق على ما يبدو) على شمال هضبة الجولان. وقد اعترضت الصاروخ بطاريات "القبة الحديدية". الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي قال إن الصاروح أطلقته "قوة إيرانية" من أراضي سورية، وإن الجيش الإسرائيلي رد بهجوم على أهداف عسكرية تابعة لفيلق القدس في سورية.
  • هذه التطورات أدّت إلى تهديدات إضافية. ففي أواخر كانون الثاني/يناير 2019، هدّد حسين سلامي نائب رئيس الحرس الثوري الإسلامي في إيران، بأن "أي حرب جديدة تبدأها إسرائيل ستنتهي بدمارها"؛ الأمين العام لمجلس الأمن الأعلى في إيران، علي شمخاني حذّر من "صواريخ دقيقة موجودة لدى رجال المقاومة في غزة وفي لبنان، وهم مستعدون لإطلاقها وتحويل حياة الإسرائيليين إلى جحيم، إذا قمتم بعمل أحمق". الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هدّد بأنه في لحظة يمكن أن يُتخذ قرار بالرد على هجمات إسرائيل.
  • سورية، الشريكة في المحور الإيراني، تميل نحو التقليل من خطورة الهجمات، ربما كي تقلص من الضغط على نظام الأسد كي يرد عليها. ومع ذلك، وفي ضوء الأحداث الأخيرة، أعلن مندوب سورية في الأمم المتحدة في 23 كانون الثاني/يناير 2019، أن بلاده ستهاجم مطار بن -غوريون إذا واصلت إسرائيل هجماتها في سورية. وردّاً على ذلك، نشر الجيش الإسرائيلي بطاريات "القبة الحديدة" في وسط البلد.

دلالات

  • الأحداث الأخيرة والتصريحات الإيرانية التي تدعو إلى تدمير إسرائيل، تثبت جيداً خطورة التهديد الإيراني لإسرائيل وضرورة القضاء عليه بمختلف الوسائل وعلى مختلف الجبهات. مع ذلك يبدو أن التصريحات الإسرائيلية غير مفيدة ويمكن حتى أن تزيد من مخاطر التصعيد وتقلص مجال المناورة الإسرائيلية في المجال السوري:
  • على افتراض أن سياسة الغموض ساهمت في منع حرب وخيمة العواقب في الماضي، فإن تحمّل المسؤولية عن هجمات ماضية، والتصريحات بشأن نية مواصلة الهجمات في المستقبل يمكن أن يكون لها تأثير معاكس.
  • يرى الطرف الثاني في تصريحات إسرائيل غطرسة ومحاولة إذلال، لذلك فهي يمكن أن تزيد الضغط على زعمائه للرد. ومادامت إيران تجد صعوية في الرد من سورية، فإنها قد تحاول الرد أيضاً من خارجها.

ج- تصريحات إسرائيل يمكن أن تزيد من التزامها بمواصلة سياستها الهجومية - ولو ظاهرياً، كي لا تتضرر صدقيتها الردعية – وهذا سيزيد من مخاطر التدهور، إذا لم نأخذ في الحسبان مخاطر أُخرى، مثل حوادث تؤدي إلى سقوط عدد كبير من المصابين، والتي يمكن أن تغيّر الصورة.

د- التصريحات يمكن أن تزيد معارضة روسيا العمليات الإسرائيلية في سورية وتقلص أكثر نطاق العمل الذي توجد تفاهمات بين الدولتين بشأنه. في هذا السياق، قالت الناطقة بلسان الخارجية الروسية في 23 كانون الثاني/يناير 2019: "الهجمات العشوائية لإسرائيل على سورية يجب أن تتوقف ("arbitrary strikes on Syria must stop"). إعلان إسرائيل مسؤوليتها يمكن أن يزيد من معارضة أطراف أُخرى على الساحة الدولية.

ه- الصراع بين إسرائيل وإيران متعدد الساحات ويبدو أن نهايته بعيدة، من هنا خلاصات النجاح العلنية تبدو سابقة جداً لأوانها، خصوصاً وأن إيران ما تزال موجودة عسكرياً في سورية وتعمل أيضاً على تحسين قدرتها على العمل من لبنان والعراق. ناهيك عن أنه ليس هناك سبب يدفع إلى توسيع الحساب المفتوح بين إيران وحزب الله وسورية وبين إسرائيل من خلال تحمّل مسؤولية أحداث سابقة. بالإضافة إلى ذلك لا فائدة من الكشف عن تفاصيل في وسائل الإعلام تتعلق بعمليات قامت بها القوى الأمنية والاستخباراتية ضد إيران، حتى بالنسبة إلى هذه الأجهزة بحد ذاتها.

التهديد الذي يمثله التمركز العسكري الإيراني في سورية لإسرائيل يبرر فعلاً سياسة ردع ورد محفوفة بالمخاطر، لكن في إطار إدارة المخاطر، يبدو أنه من الأفضل لإسرائيل المحافظة على الابتعاد عن الأضواء في تصريحاتها، وأن تكون أكثر انتقائية في مهاجمة أهداف تتلاءم مع حسابات الخطر - الفائدة، قبل أن يتقلص هامش المناورة أكثر. إن ارتفاع التوتر على الساحة الشمالية يفرض أيضاً استعداداً مسبقاً في حال حدوث تصعيد.