ثلاثة تطورات إيجابية بالنسبة إلى إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
يديعوت أحرونوت
–
الموقع الإلكتروني
- "العجلة تدور"، هذا تحديداً ما جرى الأسبوع الماضي على الصعيد الأمني. بدأ الأسبوع بالتصعيد العنيف على الجبهة السورية، واستمر مع التصعيد العنيف على الجبهة الغزاوية والتوتر الذي استمر حتى يوم السبت على الجبهتين، لكن منذ ليل الجمعة تغيرت الأمور نحو الأفضل. حدثت ثلاثة تطورات مهمة في الأيام الأخيرة على الجبهتين - السورية وأيضاً الغزاوية - حسنت بشكل حقيقي صورة الوضع الأمني من زاوية رؤية إسرائيل.
- التطور الأول، حدث يوم الجمعة عندما أعلن نائب وزير الخارجية الروسية ريفكوف في المقابلة التي أجرتها محطة "سي إن إن" أن روسيا ليست حليفة الإيرانيين بالتحديد وأن ثمة ضرورة إلى الأخذ في الاعتبار أمن إسرائيل أيضاً. هذا الكلام الصادر عن نائب وزير الخارجية الروسية يمكن أن نرى فيه انعطافة دبلوماسية روسية. وكانت الناطقة بلسان الخارجية الروسية قالت يوم الثلاثاء إن الهجمات الإسرائيلية "العشوائية"، بحسب قولها، يجب أن تتوقف. ومرت ثلاثة أيام، ثم سمعنا كلاماً مغايراً من وزارة الخارجية الروسية – أي من مصدر أعلى درجة من الناطقة.
- روسيا اليوم، حتى لو بدا الأمر مستغرباً، بحاجة إلينا أكثر مما هي بحاجة إلى إيران. لقد أدرك الروس مؤخراً أن إسرائيل مستعدة للذهاب بعيداً حتى النهاية لإحباط التمركز الإيراني في سورية ومشروع تحسين دقة الصواريخ التي لدى حزب الله في لبنان ولدى القوة الإيرانية في سورية. وساهمت إزالة الغموض من جانب إسرائيل إلى حد ليس كبيراً في ذلك.
- ويبدو أن الاستنتاج التي استخلصته روسيا هو أن الإيرانيين يجرون إسرائيل إلى مهاجمة سورية، الأمر الذي يمكن أن يمنع روسيا من تحقيق هدفها الاستراتيجي، أي استقرار نظام الأسد والبدء بإعادة إعمار سورية المدمرة. إذ من المفترض أن يربح الروس من إعادة الإعمار اقتصادياً وسياسياً.
- بيد أن الأهم في الحقيقة هو أن الإيرانيين يحتاجون إلى الروس أكثر بكثير مما الروس بحاجة إليهم، ليس فقط فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سورية، بل أيضاً فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضتها عليهم الولايات المتحدة في قضية الاتفاق النووي. ذلك بأن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تسمح لإيران بتصدير النفط عبرها، بينما تقريباً تمتنع الدول الأُخرى من السماح لها بذلك، لأن الولايات المتحدة قررت وقف الإعفاء من العقوبات التي فرضتها على الدول الثماني المستهلكة للنفط من إيران. كما أن روسيا هي الدولة الوحيدة بين هذه الدول الثماني التي أعلنت أنها ستواصل شراء النفط من إيران وحتى تسويقه عالمياً.
- كذلك، فإن الدول الأوروبية، التي أظهرت في البداية رغبة في المساعدة في تصدير النفط الإيراني على الرغم من العقوبات الأميركية، تخلت الواحدة تلو الأُخرى عن إيران. أكثر من ذلك، بلّغت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بالإضافة إلى دول أعضاء أُخرى في الاتحاد الأوروبي الإيرانيين بأنها ستفرض عليهم عقوبات إذا لم يوقفوا تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى. وهذا يعني أن الإيرانيين، بعد أسابيع معدودة، سيبقون وحدهم مع الروس وسيكون اقتصاد إيران مرتبط إلى حد بعيد بالإرادة الحسنة لروسيا.
- في الكرملين، يبدو أنهم أجروا تقديراً للوضع بسرعة وقرروا تغيير الاتجاه. وزارة الخارجية الروسية والمؤسسة العسكرية الروسية تريدان في الحقيقة تقييد حرية النشاط الجوي لإسرائيل، لكن في الكرملين يعتقدون أن الإيرانيين تصرفوا بصورة سيئة في الفترة الأخيرة، ولذا حدثت الانعطافة. وكما يبدو، ما دفع الروس إلى موازنة سياستهم هو التقرير الذي تحدث عن مشاهدة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قبل 10 أيام يتجول في جنوب سورية على مسافة نحو 40 كيلومتراً من حدود إسرائيل في هضبة الجولان. الأمر الذي شكل انتهاكاً واضحاً للتعهدات التى أعطاها الإيرانيون لروسيا، والتي أعلن بوتين في إثرها أن الإيرانيين والتنظيمات التابعه لهم سيبقون على مسافة 80 كيلومتراً من الحدود.
- لقد أثبتت إسرائيل للروس علناً أن الإيرانيين أخلفوا بوعودهم. ويبدو أن بوتين لم يعجبه الأمر وقرر، على الرغم من نصائح العسكريين والدبلوماسيين له، أن يوضح للإيرانيين أن عليهم الوفاء بتعهداتهم - وفي نهاية الأمر عبر علناً عن عدم رضى روسيا عن تمركزهم العسكري في سورية.
- "إيران ليست حليفة روسيا في سورية" - هذا كلام واضح للغاية يُظهر تعديلاً في السياسة المؤيدة لإيران التي انتهجتها روسيا منذ تموز/يوليو 2018، بعد إسقاط طائرة إليوشن 20 الروسية بواسطة المضادات الجوية السورية.
- وثمة تطور آخر إيجابي من وجهة نظر إسرائيل في الجبهة الشمالية، أوردته المجلة المعروفة "فورين أفيرز"، التي تصدر في الولايات المتحدة. فبحسب تقرير نشرته هذه المجلة قررت الولايات المتحدة إبقاء قوة غير كبيرة في قاعدة التنف على الحدود السورية – العراقية بالقرب من الحدود مع الأردن. وتضم هذه القاعدة مطاراً وقاعدة عمل للقوات الخاصة ولسلاحي الجو الأميركي والبريطاني، وتكمن أهميتها الأساسية في موقعها قرب خط النقل البري الأساسي الذي يربط بغداد بدمشق ومن هناك بلبنان. وهذا الطريق هو أحد الشريانين الأساسيين لحركة الإيرانيين، فمن خلالهما يحاولون فتح ممر بري من طهران يمر بالعراق إلى منطقة دمشق ومن هناك إلى لبنان.
- يسمح وجود الأميركيين والبريطانيين في قاعدة التنف للحلفاء الغربيين بمراقبة الحركة على الطريق الأساسي ومنع الإيرانيين من استخدام هذا الطريق بحرية كممر بري يحاولون إقامته. كما يعني قرار ترامب إبقاء قاعدة التنف على حالها مع قوة غير كبيرة فيها، استمرار إغلاق القسم الغربي من الممر المخطط له، وهذه طبعاً أخبار جيدة لإسرائيل.
- لقد كان ثمة تخوف حقيقي في الجيش من أن مغادرة الأميركيين لهذه القاعدة ستجعل كل الممر البري مفتوحاً أمام الحرس الثوري، وأمام تهريب الأشخاص والسلاح الصاروخي إلى سورية ولبنان. ويمكن الافتراض أن قرار ترامب إبقاء قاعدة التنف لم ينجم عن ضغط إسرائيلي فحسب، بل أيضاً عن ضغط أردني وسعودي.
- أمّا التطور الثالث الإيجابي من ناحية إسرائيل فهو الاتفاق بين قطر والأمم المتحدة و"حماس" والتنظيمات الفلسطينية الأُخرى، والذي بموجبه لن يحول المال القطري إلى "حماس" فحسب كي توزعه، بل ستستخدم معظمه، الأمم المتحدة في تمويل مشاريع إنسانية في أنحاء غزة. وبالتالي، تستطيع "حماس" أن تحسن صورتها، وأن تمنع وقوع مواجهة بينها وين التنظيمات الأُخرى في قطاع غزة، وأن تظهر أيضاً أنها لم تتخل عن المقاومة في مقابل الحصول على رواتب موظفيها.
- كذلك تستطيع إسرائيل الادعاء أنها لا تدفع لـ"حماس" بدل حماية وأنها تشتري الهدوء على السياج الحدودي بمال قطري. يجب أن نرى كيف ستعمل هذه الآلية، لكن من الوضح جداً أن الأمم المتحدة هي العنوان الذي يجب بواسطته مساعدة القطاع من الناحية الإنسانية.
- لقد أثبتت "حماس" أنها أقل فساداً من "فتح" أبو مازن، لكنها لا تعرف كيف تحكم وتدير مدنياً القطاع. في المقابل، أثبتت "فتح" والسلطة الفلسطينية أنهما قادرتان إلى حدّ ما على الحكم وإدارة المسائل المدنية من أجل رفاه السكان. ومن الصعب معرفة ما هو الأفضل - تنظيم فاسد مثل "فتح" لكن مع قدرة على الحكم، أو تنظيم أقل فساداً لكنه عاجز تماماً عن إدارة القطاع، الذي يسيطر عليه بالقوة.
- الأمر الوحيد الذي تعرفه "حماس" جيداً هو فعلاً القيام بعمليات ضد إسرائيل، ولهذه الغاية هي تستخدم المدنيين في القطاع. لذلك فإن تحويل الأموال بمساعدة الأمم المتحدة يخدم قطعاً أمن إسرائيل والتهدئة في غلاف غزة.
- في الختام، يجب الإشارة إلى حقيقة أنه كما يمكن أن تدور العجلة ويتغير الوضع نحو الأفضل كما حدث في الأيام الأخيرة، يمكن أيضاً أن نعود إلى الوراء خلال أيام وربما خلال بضع ساعات.
- نحن نعيش في منطقة غير مستقرة، تتدخل فيها من دون توقف أطراف كثيرة عنيفة، بينها قوى عظمى وإقليمية تحركها من دون توقف للدفع قدماً بمصالحها. وفي مثل هذا الوضع، يبدو أن ثمة نقصاً كبيراً في الاستقرار في الشرق الأوسط. يجب ألاّ نفرح بالانعطافة لمصلحتنا، كما يجب ألاّ نصاب بالهلع عندما تحدث انعطافة في غير مصلحتنا فيما يتعلق بالوضع الأمني. علينا المحافظة على قوتنا وعلى برودة الأعصاب. نحن نعيش في حي سيئ لكن في فيلا محصنة جيداً.