التغيير في الساحة السورية يفرض فحص جدوى الاستراتيجية الحالية تجاهها
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • في مقاله "نقطة ذروة النجاح" ("مباط عال" 3/1/2019) قال العميد في الاحتياط إيتي بارون إن تغيّر الظروف في الساحة السورية أدى إلى تراكم "عبء إضافي" من مخاطر آخذة في الازدياد، وبناء على ذلك اقترح إعادة النظر في أهداف [عقيدة] معركة بين الحروب التي تخوضها إسرائيل في أراضي سورية، وضرورتها والقدرة على تنفيذها. النقاش المعروض في المقال على الرغم من أنه لا يدعو إلى وقف المعركة بين الحروب، فإنه يمهد الطريق إلى الحد من هذه العمليات و يدعو إلى مركزتها.
  • هدف هذا المقال هو التوسع في عرض خلفية الوقائع التي قدمها بارون في مقاله، وفي الأساس، عرض نظرية إضافية بشأن الاستنتاجات المطلوبة من التحليل.

الهدف

  • يشير مقال بارون إلى عدد من الأهداف المحتملة لمعركة بين الحروب، يقوم المستوى السياسي بذكرها باستمرار، بينها إحباط تهريب سلاح متطور إلى حزب الله؛ كبح التمركز العسكري الإيراني في سورية؛ إحباط محاولات تمركز حزب الله وإيران أو الميليشيات في هضبة الجولان السورية وتحويلها إلى حدود "ساخنة"؛ "مشروع الصواريخ الدقيقة" لحزب الله.
  • يجب ترتيب هذه الأهداف بحسب أهميتها بالنسبة إلى أمن إسرائيل القومي، ويمكن القول إنه ليس كل هدف مذكور يدافع عن مصلحة حيوية، وبالتالي، عندما تتغير مستويات الخطر والثمن، من المرغوب فحص هذه الأهداف من جديد. لكن، يمكن الادعاء أيضاً أن هدف منع قيام منظومة صاروخية دقيقة من قبل إيران وحزب الله في سورية ولبنان، يشكل مصلحة قومية حيوية، يجب الدفاع عنها  ولو كان الثمن إلقاء مخاطر على عاتقنا أكبر من تلك التي تحملناها في السنوات الأخيرة.
  • بمعنى من المعاني، إسرائيل لها خصوصيتها بشأن مدى حساسيتها إزاء السلاح الدقيق. من جهة، هي دولة غربية مع بنى تحتية متطورة، ومن ناحية أُخرى، هي دولة صغيرة ذات بنى تحتية حيوية مركزية مع مزايا محدودة. إذا فحصنا إنتاج الكهرباء في إسرائيل، كمثال فقط، نجد من مجموع  قدرة الإنتاج القومي للكهرباء الذي يبلغ نحو 17.6 آلاف ميغاوات، نحو 28% يجري إنتاجه في موقعين فقط (حيث تعمل عشرة توربينات)، وداخل ستة مواقع  كبيرة لإنتاج الكهرباء يجري توليد 51% من قدرة إنتاج الكهرباء الوطنية (بواسطة 26 وحدة إنتاج فقط). الصورة مشابهة وأكثر خطراً في منظومات حيوية أُخرى، مثل تحلية المياه، ونقل الغاز، والطيران المدني، ومنظومات مدنية وعسكرية أُخرى.
  • لدى إسرائيل رد هجومي ودفاعي على تهديد الصواريخ الدقيقة، لكن هذا الرد لا يمكن أن يكون محكماً بشكل مطلق. لذلك، يمكن أن يكون التهديد الذي يمثله عدد ضئيل من صواريخ دقيقة تخترق الدفاع الإسرائيلي على الرغم من كل شيء، تهديداً غير مسبوق.
  • إقامة منظومة سلاح دقيق في "الحلقة الأولى" المحيطة بإسرائيل بيد إيران وحزب الله يمكن أن يمنحهما القدرة على توجيه ضربة تشل منظومات مدنية وعسكرية معينة، وتسبب أضراراً هائلة، وتؤدي إلى تغيير المعادلة الاستراتيجية في الساحة. طبعاً ليس المقصود تهديداً خطِراً مثل الذي أوجدت من أجل إحباطه "عقيدة بيغن" [توجيه ضربة وقائية ضد منشآت لإنتاج أسلحة دمار شامل]، لكن التهديد الذي تمثله هذه المنظومة لا يشبه التسلح بسلاح يُستخدم في قتال جيش ضد جيش، أو بسلاح ثابت موجّه ضد الجبهة الداخلية المدنية. المقصود هو صنف جديد من التهديد الذي يجب أن تكون استراتيجيا مواجهته، بسبب خطورته، هي المنع وليس العرقلة، والاحتواء، والهجوم المحدود، أو الدفاع الإيجابي والسلبي.

إعادة النظر في الاستراتيجيا الإسرائيلية

  • يستخدم المستوى السياسي أيضاً لغة المنع وليس العرقلة. وكما يشير بارون في مقاله، أدت عمليات إسرائيل حتى الآن إلى تقليص وإبطاء التمركز الإيراني في سورية، وتهريب السلاح إلى حزب الله، لكنها لم تمنعهما. وفي الواقع، الاستراتيجيا الإسرائيلية للفترة 2013-2017، وقعت ضحية نجاحها: فقد كانت جراحية، بحيث كان تأثيرها الاستراتيجي محدوداً، والأمر البارز فيها أنها لم تدفع اللاعبين الأساسيين إلى إعادة النظر في سياستهم في هذا الشأن.
  • يمكن الموافقة على الادعاء أنه مع استقرار سورية، ستصبح الهجمات الإسرائيلية على أراضيها أقل روتينية وأكثر خطورة. السؤال المطروح: ماذا ستكون عليه الأوضاع بعد إنهاء المعركة ضد منظومة سلاح دقيق لإيران وحزب الله؟ ستبقى إيران موجودة في سورية بشكل أو بآخر، وسيكون لها منفذ على المطارات، ويبدو أنه مع خروج القوات الأميركية من سورية فإن المحور البري الذي يمر بالعراق سيكون متاحاً بصورة أكبر. بذلك سيكون لدى إيران وحزب الله أيضاً قدرة تقنية - مادية لمواصلة تهريب وسائل قتال نوعية من سورية إلى لبنان. لذلك، من أجل تحقيق المنع (بخلاف العرقلة) يجب على أوضاع إنهاء المواجهة أن تشمل مكونين:
  • الأول، أن يغيّر اللاعبون الأساسيون سياستهم. أن تتخلّي إيران وحزب الله عن تطلعهما إلى إقامة منظومة سلاح دقيق، بينما ينتقل النظام السوري وروسيا إلى معارضة حقيقية للجهود المذكورة التي تبذلها إيران وحزب الله.
  • الثاني، أن تواصل إسرائيل التحذير وقتاً طويلاً من تجدد جهد إيران وحزب الله المذكور أعلاه. وفي الواقع، إن إيقاف المعركة بين الحروب لأن إسرائيل خسرت حرية العمل في سورية، أو بسبب ما تعتبره إسرائيل عبئاً إضافياً من المخاطر، سيخلق ظروفاً لنتيجة مخالفة للنتيجة المرغوب فيها. إذا خسرت إسرائيل حرية عملها، سيزول أو على الأقل سيتضاءل الضغط على إيران لإجبارها على وقف جهودها. بناء على ذلك، في الوضع النهائي، يجب على "معادلة الاحتكاك" (أي النتيجة العسكرية -العملانية والاستراتيجية لكل هجوم أو جولة مواجهة) أن تجسّد قدرة إسرائيل على مواصلة تحقيق أهدافها العملانية في سورية، من خلال تجسيد التفوق العملاني الإسرائيلي.
  • بناء على ذلك، يجب أن تستند الاستراتيجيا الإسرائيلية إلى فكرتين:
  • الأولى، أن تجسّد إسرائيل للاعبين الأساسيين إمكان التصعيد وعدم الاستقرار الإقليمي الناجميْن عن وضع سلاح إيراني نوعي في سورية و"مشروع الصواريخ الدقيقة" لحزب الله.
  • الثانية، مواصلة العمليات الهجومية أيضاً حتى مع ارتفاع المخاطر والاحتكاكات، من أجل صياغة "معادلة احتكاك" تلائم إسرائيل بمبادرة منها، تسمح بالمحافظة وقتاً طويلاً على الإنجازات في المعركة والأوضاع بعد انتهاء القتال.
  • في هذا السياق، يمكن الادعاء أن جزءاً من المخاطر التي يصفها مقال بارون يشكل أيضاً فرصاً. الاحتكاك المتزايد بالنظام السوري وبمبادرة منه، إذا جرت إدارته بصورة صحيحة، يمكن تحديداً أن يساعد في تحقيق الاستراتيجيا المطلوبة. والمواجهة العسكرية المباشرة مع إيران (مثل ما حدث في 10 شباط/فبراير و10 أيار/مايو 2018) في الباحة الخلفية لإسرائيل وعلى بعد 1500 كيلومتر عن طهران، يجمع الأعداء في جزء من الغلاف حيث التفوق الإسرائيلي واضح، بحيث لا يشكل خطراً يجب تجنبه بل تفوقاً يجب أن نحققه.
  • هناك ادعاء أن عبئاً إضافياً من المخاطر يؤذي ويغلق حرية إسرائيل في مواصلة نشاطها في سورية. من جهة أُخرى، يمكن الادعاء أن حرية العمل العملانية ما تزال موجودة، وأن إسرائيل قادرة على مواصلة تحقيق الأهداف العملانية التي وضعتها لنفسها، وأن الذي تغيّر هو الخطر والثمن الناجمان عن ذلك. في هذه الحال فإن السؤال ليس جدوى العملية، بل الثمن والخطر الناجمان عنها. يمكن مواصلة الادعاء أن المقصود هو تحقيق هدف حيوي مثل منع قيام منظومة سلاح دقيق لإيران وحزب الله في الحلقة الأولى لإسرائيل، ويجب تحمّل المخاطر والأثمان الحالية والقادمة.

خلاصة

  • منذ سنة 2013، تغيّر الواقع في الساحة الشمالية بطريقتين. الظروف تغيرت بصورة ليست لمصلحة "المعركة بين الحروب: الحرب الأهلية تضمحل وسورية أخذت تستقر، أسلحة الطيران الأجنبية اختفى معظمها من سماء سورية، جيش الأسد يعاد بناؤه من جديد، سورية أصبحت حازمة في معارضتها الهجمات على أراضيها، إيران ردت على الهجمات على الأقل مرة واحدة، والوجود الروسي (السياسي والعملاني) آخذ في الازدياد.
  • لكن الهدف تغيّر أيضاً. إذا كان الهدف الأصلي للمعركة بين الحروب "انتهازياً: (الحد من التهديدات من دون استخدام قوة تؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق، كما كتب بارون)، يمكن الادعاء على الأقل أن الهدف حالياً هو منع وجود منظومة سلاح دقيق بين يدي إيران وحزب الله، في الحلقة الأولى المحيطة بإسرائيل. هذا الهدف لم يكن موجوداً في سنة 2013، وفي ضوء ذلك ثمة شك فيما إذا كان مصطلح "معركة بين الحروب" عموماً مناسباً. المقصود هو جهد قومي - عسكري أساسي، للدفاع عن مصلحة حيوية، على ساحتي سورية ولبنان، ويمكن أن يكون تحقيقه عبر هجمات جراحية، أو عمليات أكبر، أو مواجهات محدودة.

عمليات إعادة الاستقرار إلى سورية بعد الحرب الأهلية والتقدم في بناء قوة حزب الله يخلقان ضغوطاً جديدة، وعدم  التحرك هو مثل الموافقة على الوضع النهائي الآخذ في التبلور. لذا هناك ضرورة لإعادة فحص الاستراتيجيا الإسرائيلية وطرق تنفيذها.