عشر تحديات ستواجه رئيس هيئة الأركان الجديد
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

تحديات المرحلة

المواجهة مع الخطر الإيراني- النووي والتقليدي

  • في السنوات الأخيرة أخذت تتبلور في إسرائيل وجهة النظر القائلة إن إيران هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمن إسرائيل. حتى السنة الأخيرة امتنعت إسرائيل من الدخول مباشرة في مواجهة إيران، لكنها تحركت ضدها بصورة سرية وأعدت خياراً هجومياً لمواجهة المشروع النووي الإيراني.
  • خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار/مايو2018، أحدث ارتجاجاً يمكن أن يؤدي أيضاً إلى إحداث تغييرات في سياسة إيران بشأن كل ما يتعلق بالمشروع النووي. ولذلك من الضروري العودة إلى نقاش مبدئي بشأن الخيار العسكري والطرق الصحيحة لتحقيقه.
  • على صعيد السلاح التقليدي، بدأت ولاية رئيس هيئة الأركان الجديد في وقت يشهد لأول مرة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران شملت أيضاً خسائر إيرانية في ساحة ثالثة- سورية. يفرض هذا الوضع بلورة استراتيجيا عمل توضح خطوط إسرائيل الحمراء والإصرار عليها، من دون الوصول إلى مواجهة واسعة على الساحة الشمالية.
  • المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران يمكن أن تؤدي إلى استخدام إيران القوة من أراضيها ضد إسرائيل. يوجد بين إيران وإسرائيل عدم توازن استراتيجي في القدرة على استخدام القوة. لقد بنت إيران قدرة صاروخية مهمة تسمح لها بضرب إسرائيل، سواء من الدول المحيطة بإسرائيل أو من أراضيها. في المقابل، عملية هجومية إسرائيلية في إيران هي عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر.

مواصلة العمليات الهجومية على الساحة الشمالية

  • حققت استراتيجيا معركة بين الحروب التي تطبقها إسرائيل على الساحة الشمالية منذ سنة 2013، إنجازات كبيرة، سواء في عرقلة التمركز الإيراني في سورية أو في تقليص تهريب السلاح إلى حزب الله. مع ذلك، بعد مرور ست سنوات، يجب أيضاً فحص احتمال أن يتضافر عدد من العوامل يؤدي إلى وصول صيغة العمل هذه على الساحة الشمالية إلى ذروة نجاحها، وأنها تواجه "حِملاً زائداً" من المخاطر، وتوشك على استنفاد قدرتها على تحقيق إنجازات من دون أثمان كبيرة.
  • يبدو أن المطلوب أيضاً نقاش جوهري أكبر للفائدة العامة من الجهد الرامي إلى منع (أو تقليص) عمليات تعاظم القوة التقليدية للخصم، مثل "مشروع صواريخ حزب الله الدقيقة". إن نقل مركز ثقل المشروع من سورية إلى لبنان يفاقم التحدي الذي تواجهه إسرائيل، ويمكن أن يؤدي إلى مواجهة بين إسرائيل وحزب الله الذي أوضح، من جهته، أن سياسته للرد على هجمات على لبنان ستكون مختلفة مقارنة بالماضي.

الاستعداد لـ" حرب الشمال الأولى"المتعددة الجبهات

  • منذ حرب لبنان الثانية، يوجد بين حزب الله وإسرائيل ردع متبادل بشأن كل ما يتعلق بمواجهة واسعة النطاق. مع ذلك تدل التجربة على أنه حتى في هذا الوضع قد يحدث تدهور يمكن أن يؤدي إلى "حرب لبنان الثالثة" التي ستكون أقوى كثيراً من سابقاتها.
  • نتائج الحرب الأهلية في سورية تؤدي إلى إمكان حدوث هذه المواجهة أيضاً بأشكال إضافية مختلفة عن تلك التي ميزت المواجهات على هذه الساحة خلال العقود الأخيرة. يُستخدم مصطلح "حرب الشمال الأولى" لوصف سيناريو مواجهة عسكرية مع لبنان يمكن أن تمتد إلى سورية وحتى إلى إيران والعراق (وفي السيناريو الأقصى أيضاً إلى الساحة الفلسطينية) بمشاركة قوات متعددة.
  • ليس المقصود فقط خطة ستشدّ موارد إسرائيل إلى عدد من الجبهات، بل زعزعة جذرية لعقيدة استخدام القوة الإسرائيلية في الساحة الشمالية. وهذا يعني أن آليات إنهاء القتال المعروفة يمكن أن تكون غير مفيدة في هذه المواجهة المعقدة- وهذا يفرض عقيدة مختلفة لاستخدام القوة العسكرية.

بناء القوة لتحقيق "الحسم" و"الانتصار"- المناورة البرية

  • يُجري الجيش الإسرائيلي منذ بضعة عقود نقاشاً يتعلق بالمعنى المحدّث لمصطلحات "الحسم" و"الانتصار"، وإمكان تحقيقهما في الوقت الحقيقي بواسطة عقيدة عمل محدّثة. في أساس النقاشات يُطرح السؤال: هل الحسم الواضح والقاطع الذي ميّز حروب الماضي ممكن في حروب من النوع الحالي؟
  • استراتيجيا الجيش الإسرائيلي ترد على هذا السؤال بالإيجاب. وهي تصف عقيدة العمل المحدثة للحرب بكونها تستند إلى ضربة متعددة الأبعاد، تشمل في وقت واحد نيراناً دقيقة (ضد آلاف الأهداف المخطَّط لها |أو السانحة في آن واحد) ومناورة برية سريعة، مدمرة ومرنة. وتعتبر العقيدة المناورة مكوناً حيوياً وتعطيها دوراً مهماً: التسلل إلى أرض العدو وإلى أهداف يعتبرها ذات أهمية.
  • نصوص مشابهة كُتبت أيضاً في الماضي. لكن، عملياً، في كل المواجهات الأخيرة فضّلت إسرائيل استخدام قوتها بواسطة سلاح الجو والمدفعية، وكانت مترددة وحذرة جداً في استخدام قواتها البرية. يجب على رئيس هيئة الأركان أن يتأكد من أن لدى الجيش قدرة فعلية للقيام بمناورة برية واسعة النطاق مناسبة في مواجهة أعداء مثل حزب الله و"حماس"، وقادرة على مواجهة مسار طويل الأمد ازدادت خلاله القيود الاجتماعية والسياسية على استخدام القوة العسكرية.
  • في هذا السياق، يجب مواصلة النقاش الهادىء للحجج التي قدمها اللواء (في الاحتياط) يتسحاق بريك بشأن جهوزية سلاح البر. وفي ضوء الانتقادات، المطلوب من رئيس هيئة الأركان الجديد أن يحدد ماذا يتوقع من سلاح البر، وكيف يمكن أن يختبر جهوزيته، وكيف يجب أن يبنيه، وخصوصاً في مواجهة أهداف المناورة، وفي ضوء محدودية الموارد.

المواجهة مع "حماس" في غزة

  • مثل أطراف القوة الأُخرى في المنطقة، أيضاً "حماس" لا ترغب في حدوث مواجهة واسعة مع إسرائيل. مع ذلك، بعد مرور أكثر من 4 سنوات على عملية "الجرف الصامد" ضعفت جوانب معينة في الردع الإسرائيلي. على سبيل المثال، "حماس" اليوم مستعدة أكثر لاستخدام قوتها في الظروف التي تناسبها (أكبر تعبير عن ذلك رأيناه في جولة التصعيد التي حدثت ما بين 12-13 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، والتي أُطلق خلالها أكثر من 500 صاروخ على إسرائيل).
  • بالإضافة إلى ذلك، تحمل الاستراتيجيا الإسرائيلية في مواجهة قطاع غزة حملاً ثقيلاً من الأهداف جرّاء الخصائص الأساسية التي تميز المنطقة (الاحتكاك الدائم بين الجيش الإسرائيلي والمتظاهرين الغزاويين على طول السياج الحدودي، الوضع الاقتصادي السيء في المنطقة) كل ذلك يزيد من احتمال نشوء دينامية تصعيد، وفي نهاية الأمر حدوث مواجهة. يفرض هذا الوضع أن يكون لدى الجيش خطة عملانية فائدتها تبرر أثمانها، وتؤدي- إذا جرت المواجهة- إلى ردع "حماس" لفترة طويلة، وضربها، مع التشديد على ذراعها العسكرية.

منع التدهور في منطقة يهودا والسامرة

  • إن الوضع الحالي في يهودا والسامرة مستقر نسبياً من الناحية الأمنية، وهو ما يبرر استمرار العمليات العسكرية كما هي عليه، من خلال المحافظة على نسيج حياة المدنيين في هذه المنطقة. ولكن في ضوء عدم وجود حسم سياسي إزاءها، يجب على الجيش أن يستعد عملانياً لاحتمالات نشوء اضطرابات وتفكُك أمني على الساحة، نتيجة تطورات محتملة من الصعب التنبؤ بموعدها وبالدينامية التي ستؤدي إليها، وبالتالي التحذير منها. في الأساس- نزول أبو مازن المتوقع عن المنصة السياسية يمكن أن يفضي إلى نزاعات قوى (بين "فتح" و"حماس") وحتى انهيار الإطار الأمني في المنطقة بما في ذلك نظام التنسيق الأمني بين الجيش والأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، و/أو نشوب عنف واسع النطاق وسط الجمهور الفلسطيني ضد إسرائيل أو ضد السلطة الفلسطينية نفسها.

المحافظة على ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي/إدارة توقعات الجمهور

  • مؤشر الأمن القومي في تقصّ للرأي العام أجراه معهد الأمن القومي، يثبت أن الجمهور في إسرائيل يشعر بثقة كبيرة جداً بالجيش الإسرائيلي، وهذه الثقة مرتفعة جداً، بالأخص فيما يتعلق بالموضوعات التي تُعتبر مهنية وعملانية (الاستعداد للمواجهات العسكرية).
  • في المقابل، تصبح الصورة معقدة عندما يكون المقصود مواقف الجمهور تجاه الجوانب الاجتماعية والأخلاقية للجيش في أمور تعنيه. في هذا السياق، تبرز الاختلافات في الآراء وسط الجمهور بشأن خدمة النساء، ومسائل الدين والجيش، وحتى أوامر فتح النار. وهذه الأمور هي نتيجة الصعوبة المتزايدة للتمييز بين مسائل مهنية – عملانية وبين مسائل أخلاقية، إيديولوجية وحتى سياسية.
  • تحدٍّ إضافي تواجهه ثقة الجمهور بالجيش يمكن أن يكون له علاقة بنتائج مواجهة عسكرية واسعة النطاق. صورة نصر واضح وقاطع في حرب سريعة وقصيرة بقي عبر الزمن وما يزال يؤثر كثيراً في حكم الجمهور الإسرائيلي على الحروب ونتائجها. يُضاف أيضاً إلى التعقيد والتحديات التي تميز المواجهات الحالية التي يتورط فيها الجيش، وخيبة الأمل المستمرة بالفجوة الواضحة بين الصورة وبين النتائج الفعلية. يتطلب هذا الأمر إعداداً ملائماً للجمهور لتقليص هذه الفجوة بين التوقعات والنتيجة.
  • خصائص المواجهات المستقبلية يمكن أن تفاقم هذه الفجوة. الجمهور الإسرائيلي يدرك أنه ستقع خلال الحرب خسائر بين الجنود، وأيضاً في الجبهة الخلفية. لكن ثمة شك في أن الجمهور مستعد لذلك اليوم نفسياً وعلى صعيد الوعي لحقيقة أنه سيحدث دمار ضخم في المدن. في هذا السياق، يبدو أن سقوط عدد كبير من الصواريخ والقذائف مع رؤوس متفجرة كبيرة على المراكز السكانية سيؤدي أيضاً إلى إلحاق ضرر كبير وطويل الأمد في شعور الجمهور بالأمن.

علاقة رئيس هيئة الأركان بالمستوى السياسي

  • كتب إليوت كوهين في كتابه "القيادة العليا" (2003) : "يجد العسكريون والسياسيون أنفسهم في حالات كثيرة في شبكة علاقات تعاون شديدة التوتر". التجربة الإسرائيلية تؤدي تماماً إلى هذا الاستنتاج. مجموعة من رؤساء الأركان وصلوا إلى مواجهات حادة مع المستوى السياسي على الرغم من اعتدالهم (من المواجهة بين يغآل يادين وديفيد بن-غوريون، وصولاً إلى المواجهة بين غابي أشكنازي وإيهود باراك، وعلى ما يبدو بين غادي أيزنكوت وأفيغدور ليبرمان).

علاقة رئيس هيئة الأركان بقادة المناطق

  • هناك مشكلة تتكرر بشأن علاقة رئيس هيئة الأركان بقادة المناطق. تدل تجربة الماضي (تجربة حرب سيناء، وحرب يوم الغفران وحرب لبنان الثانية) على وجود فجوات نظرية بين رئيس هيئة الأركان وبين القيادة المناطقية، سواء في عمليات الاستعداد أو بشأن إدارة القتال. أحياناً تصل هذه الفجوات إلى مواجهة مباشرة بين رئيس هيئة الأركان وقادة المناطق، بصورة تضر بقدرة الإدارة الناجعة للمعركة.

التحدي المالي

  • إن المهمة المركزية لرئيس هيئة الأركان الجديد هي مواصلة بناء قوة الجيش الإسرائيلي في إطار الخطة المتعددة السنوات التي ستحل بدءاً من سنة 2020 محل خطة "جدعون". هذه الخطة يجب أن توافق عليها الحكومة، وأن تنضم إلى موازنة متعددة السنوات. استقرار الخطة مرتبط باستقرار الميزانية، ويبدو أن الظروف ناضجة لاتخاذ قرار بشان تحديد ميزانية الدفاع كنسبة مئوية من الناتج القومي الصافي، وهو ما يسمح بوضع قاعدة حسابية بسيطة ويمنع الجدالات.

خلاصة

  • أكبر اختبار لرئيس هيئة الأركان هو في الحرب أو في عملية عسكرية كبيرة. تدل التجربة التاريخية على أن احتمالات حرب أو عملية عسكرية واسعة النطاق في فترة ولاية رئيس هيئة الأركان معقولة جداً.
  • منذ ولاية يتسحاق رابين في رئاسة هيئة الأركان (حرب الأيام الستة) حدثت حروب أو عمليات عسكرية كبيرة نسبياً  خلال ولايات كل رؤساء هيئة الأركان تقريباً.
  • من هذه الزاوية، وفي نظرة مقارنة، فإن مرحلة رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته، الجنرال غادي أيزنكوت، كانت استثنائية. فقد كانت فترة عمليات عسكرية مكثفة جداً، لكن إسرائيل نجحت خلالها في الامتناع من خوض عملية عسكرية واسعة بدت كأنها تتعارض مع مصالحها. وما سمح بهذه الفترة الهادئة نسبياً كان أيضاً الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، والذي نشأ بعد حرب لبنان الثانية، وبين "حماس" وإسرائيل بعد عملية "الجرف الصامد". استخدمت إسرائيل قوتها في مواجهة التنظيمين أيضاً في السنوات الأخيرة، لكنها فضلت عدم التدهور إلى وضع من المواجهة الشاملة. لقد نفّذ حزب الله العملية الأخيرة له تقريباً قبل تولّي أيزنكوت منصبه (في كانون الثاني/يناير 2015، وتسبب بمقتل جنديين إسرائيليين)، وعندما قررت "حماس" تصعيد المواجهة مع إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، فضلت إسرائيل عدم تدهور الوضع.
  • يتولى رئيس هيئة الأركان الـ22 مهماته في فترة حساسة، بينما لم يعد الأساسيون الذين صاغوا فترة الهدوء الطويلة نسبياً موجودين. ثمة شك في وجود مهمة مركزية مسؤولة أكثر منها في الوضع الإسرائيلي الحالي.