قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية - الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • قرار الرئيس دونالد ترامب إخراج القوات الأميركية من سورية فاجأ القيادتين السياسية والأمنية في الولايات المتحدة، وأيضاً حلفاءها في المنطقة. لأنه في الأشهر الأخيرة مع تعيين موفد أميركي خاص في سورية، صرّحت جهات رفيعة المستوى، بينها مستشار الأمن القومي، جون بولتون، بخلاف المقاربة الأساسية لترامب، أن القوات الأميركية ستبقى في سورية حتى خروج الإيرانيين وتحقيق تسوية سياسية. استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس تثبت القطيعة الكبيرة بين مقاربة الرئيس وبين مواقف الجهات المهنية.
  • ليس من الواضح بعد الأسباب المباشرة التي دفعت الرئيس ترامب إلى اتخاذ قراره في التوقيت الحالي، وهل هو مرتبط بأسباب داخلية و/أو بـ"صفقة القرن" التي يحاول الدفع بها قدماً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي ترتبط ببيع تركيا منظومات دفاع جوية من طراز باتريوت بدلاً من منظومة صواريخ إس-400 التي يريد الأتراك شراءها من روسيا، وبيع تركيا طائرات إف-35. يبدو أيضاً أن إجلاء القوات يهدف إلى منع وقوع احتكاك بين القوات الأميركية والقوات التركية في شمال شرق سورية. في أي حال يبدو أن القرار مكوّن من تفاهمات أوسع بشأن سورية تشمل أيضاً روسيا.
  • مهما كان السبب المباشر، يدل القرار الذي ينضم إلى خطوات وتصريحات أُخرى للرئيس ترامب منذ بداية ولايته، على أنه حتى لو وضع لنفسه عدداً من الأهداف لتحقيقها في الشرق الأوسط، وعلى رأسها رغبته في إجبار إيران على تغيير سياستها، فإن ترامب غير مستعد (على ما يبدو أيضاً بسبب رغبته في إرضاء ناخبيه) للاستمرار في تحمُّل عبء ومخاطر وجود القوات الأميركية في الشرق الأوسط. وفي الخلفية تقارير عن إرسال تعليمات إلى الجيش [الأميركي] للبدء بتقليص حجم قواته في أفغانستان. يأتي هذا بعد أن اشتكى ترامب من أن الولايات المتحدة لا تحظى بالاعتراف بالشكر من جانب حلفائها في المنطقة. عملياً، وباستثناء الجهود لإعادة فرض العقوبات على إيران وتشديدها، فإن هذه الخطوة [قرار الانسحاب] تجعل الولايات المتحدة من دون سياسة متماسكة حيال الأهداف التي يهمها المحافظة عليها وتحقيقها.
  • علاوة على ذلك، يتأكد أكثر فأكثر لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن هناك صعوبة حقيقية في الاعتماد على تجنيد الإدارة الأميركية كمكوّن مركزي في استراتيجياتهم لمواجهة التهديدات التي تواجهها. واعتُبر إخراج القوات (نحو 2000 جندي، تنتمي أغلبيتهم إلى القوات الخاصة) "خيانة" أُخرى للولايات المتحدة لحلفائها، وهذه المرة من سيدفع الثمن هو "قوات سورية الديمقراطية" التي تعتمد في الأساس على القوات الكردية التي أقامتها وسلحتها الولايات المتحدة، وكانت هي التي نفذت الجهود القتالية البرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سورية. الشعور بأن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها لدى أطراف إقليمية ازداد بعد هذا القرار شدة فعلية ومحدثة. أيضاً يقوض قرار ترامب مكانة كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بصفتهم يعبّرون عن سياسة الولايات المتحدة قولاً وفعلاً.
  • برّر الرئيس ترامب قراره بأن لا حاجة بعد الآن إلى القوات الأميركية في سورية، بعد أن انتهت مهمة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بنجاح، وبأن الولايات المتحدة لا تريد أن تؤدي دور "الشرطي" في المنطقة. صحيح أن الجهود العسكرية التي قام بها التحالف برئاسة الولايات المتحدة حققت نجاحات كثيرة في ضرب تنظيم الدولة الإسلامية، لكن ما تزال هناك قوات تنشط في سورية وفي العراق (بحسب تقارير أخيرة يوجد في هذه المنطقة نحو 3000 مقاتل). على الرغم من تصريحات واشنطن بأن الإدارة لا تنوي تكرار أخطاء إدارة أوباما عندما قرر الانسحاب من العراق، لا يوجد لدى الإدارة [الحالية] استراتيجيا منهجية لليوم الذي يلي القضاء على الموقع الجغرافي للدولة الإسلامية، تضمن عدم عودة التهديد وعدم تطور ظروف تسهل بناء بنية تحتية لعودة صعود عناصر سلفية –جهادية في سورية وفي أماكن أُخرى. بشكل أو بآخر، إن عدم الاستقرار الذي ما يزال يسود مواقع نمو تنظيم الدولة الإسلامية- في الأساس في سورية والعراق واليمن وليبيا - والصعوبة الكبرى في الحصول على الموارد الاقتصادية والإنسانية الضرورية لتلبية حاجات السكان، يجعلان من الصعب ترجمة النجاحات العسكرية إلى خطة عمل شاملة.
  • تخدم الخطوة الأميركية إيران، التي أحد أهدافها الاستراتيجية تقليص الوجود الأميركي قدر الإمكان في الشرق الأوسط، وفي سورية بصورة خاصة. إن الوجود الأميركي في شرق سورية، على طول الحدود مع العراق، قلص من حرية العمل الإيراني في نقل القوات ووسائل القتال عن طريق البر من إيران، مروراً بالعراق إلى سورية ولبنان. وموقف إيران (وأيضاً روسيا) هو أن قواتها موجودة هناك بطلب من النظام السوري وهي تحظى بالشرعية، بينما الولايات المتحدة فرضت نفسها على سورية. قرار الرئيس ترامب يقوّي في إيران التقدير بعدم وجود سبب في الفترة الحالية يدفعها إلى تغيير تقديرها المخاطر، ونتيجة ذلك تغيير أهدافها وطرق تحقيقها.
  • يجب التشديد على أنه على الرغم من خطاب الإدارة الأميركية المتشدد ضد إيران وخطواتها لفرض عقوبات على النظام، فإن الأخيرة لم تغيّر حتى الآن سلوكها الإقليمي، وخصوصاً رغبتها في الاستمرار في تمركز قواتها في سورية ومساعدة حزب الله وتعزيز قوته العسكرية. وفي هذا السياق، إن الحديث عن عدم ربط الولايات المتحدة بين سياستها المعادية لحزب الله وبين سياستها إزاء الحكومة اللبنانية يشجع إيران. في نظر إيران التطورات في المنطقة تعكس توجهاً إيجابياً بالنسبة إليها، وخصوصاً بشأن كل ما يمكن أن تفسره بشأن عدم وجود حزم أميركي، وضعف السعودية بسبب الأزمة التي أثارها مقتل الصحافي خاشقجي، والجهد الروسي لتقييد حرية نشاط إسرائيل في سورية، وعدم الحماسة في إسرائيل للتصعيد في مواجهة "حماس" في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان.

دلالات

  • خروج القوات الأميركية سيسرع من عملية سيطرة نظام الأسد من جديد على مناطق في شرق سورية وشمالها، والتي ما تزال تحت سيطرة الأكراد الذين كانوا يتلقون مساعدة الأميركيين ودعمهم. وستقوي الخطوة أيضاً صورة انتصار الأسد في الحرب الأهلية بدعم من التحالف الروسي-الإيراني. ويبدو أن الهدف الأول لهذه الشراكة الإسراع في توجيه الجهود إلى السيطرة على المناطق الواقعة على الحدود العراقية - السورية، بما فيها منطقة التنف ومحاور الحركة من الشرق إلى الغرب، وعلى الجيب الكردي في شمال شرق سورية، بما في ذلك حقول النفط. وثمة احتمال كبير أن قوات سورية الديمقراطية ستختار في مثل هذا الوضع التعاون مع النظام، وأن توقف أيضاً قتالها ضد جيوب تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في ضوء إحساسها بخيانة الأميركيين، وبصورة خاصة خوفاً من تنفيذ تركيا تهديداتها وتوسيعها المعركة ضد هذه القوات في شمال شرق سورية أيضاً، واستغلالها الوضع للسيطرة على مناطق إضافية على الحدود التركية – السورية.
  • يبدو أن الولايات المتحدة من خلال قرارها سحب قواتها تتخلى تقريباً بالكامل عن "الملف السوري" وتتركه في يد روسيا وتخسر ورقة مقايضة مركزية في جهودها للتأثير في ملامح التسوية السياسية في سورية إذا جرى التوصل إليها من قبل الأطراف المختلفين. لقد كان من المفترض بهذه التسوية، بحسب كلام جزء من الأطراف، أن تشمل أيضاً معالجة مشكلة الوجود الإيراني في سورية. بالإضافة إلى ذلك، ثمة شك في أن الأداة الوحيدة التي بقيت للولايات المتحدة والمتمثلة في تقديم مساعدتها المحتملة لإعادة إعمار سورية، كجزء ضروري من أجل الدفع قدماً بتسوية، والتي تتضمن تغيير النظام وإخراج القوات الإيرانية، ما تزال قابلة للتطبيق، وليس فقط بسبب ضآلة فرص موافقة ترامب على استثمار أموال كثيرة في سورية - التي تحتل مرتبة متدنية في جدول الأعمال الأميركي.
  • صحيح أن روسيا رغبت في مغادرة القوات الأميركية، لكنها طالبت بتدخل أميركي في عملية التسوية السياسية في سورية لتحظى بدعم دولي ومشاركة في إعمارها.
  • ستحاول روسيا ترجمة تخلّي ترامب عن الساحة كي تعزز قدرتها على التأثير والمناورة في سورية إلى حد كبير، وستستخدم ذلك كي تُظهر أن سياستها تعكس تصميماً، ومسؤولية، واستمرارية واستقراراً، وأن مغزى الخطوة الأميركية هو تعزيز مكانة موسكو كعنصر مركزي في الشرق الأوسط. في هذا السياق، من المحتمل بالنسبة إليها أن المشكلة الإيرانية الحالية سيكون لها أهمية أكبر كورقة مقايضة في الجهود لإقناع الولايات المتحدة بالدفع قدماً بحلول لمشكلات تقع خارج الشرق الأوسط.
  • أيضاً حتى لو أنه ما تزال للولايات المتحدة استراتيجيا في المنطقة، فإن السلوك الأميركي في سورية، وكذلك موقفها إزاء قضية مقتل الخاشقجي مؤخراً، يضعفان قدرتها على التأثير وهامش مناورتها في مواجهة التهديدات القائمة، ويتركان فعلاً حلفاءها مع تساؤلات بشأن قدرتها على دعم دولهم في مواجهة ازدياد الحافز لدى الأطراف التي تعمل منذ وقت لاستغلال تردُّد الإدارة الأميركية من أجل تسريع عملية تعزيز قبضة هذه الأطراف ونفوذها. لقد انتظرت إسرائيل من الولايات المتحدة خطوات أكثر حزماً لإبعاد إيران والتنظيمات التي تدور في فلكها عن سورية، ومواصلة الوجود العسكري الأميركي في شرق سورية لإغلاق الطرق على "الجسر البري" الإيراني المتّجه من الشرق إلى سورية.
  • الدلالة المركزية بالنسبة إلى إسرائيل هي احتمال أن يشجع الانسحاب [الأميركي] إيران على تعزيز قبضتها الإقليمية في مناطق كانت حتى الآن تحت تأثير القوات الأميركية. أيضاً العلاقات المضطربة بين واشنطن وموسكو لم تسمح حتى قبل ذلك بالاعتماد على الإدارة كعامل وساطة في مواجهة ضغوط روسيا، بما في ذلك القيود التي وضعتها على حرية النشاط الجوي الإسرائيلي في أجواء سورية. عملياُ، بقيت إسرائيل وحدها في المعركة ضد تمركز إيران في سورية، وأكثر ما يمكن أن تحصل عليه هو دعم سياسي من الولايات المتحدة في إدارة النزاع.
 

المزيد ضمن العدد 2999