استخدام ترامب أمن إسرائيل كذريعة لتبرير بقاء القوات الأميركية في المنطقة سيرتد علينا سلباً
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف
  • السلوك المعتاد للرئيس الأميركي دونالد ترامب القائم على "فرض" وقائع وملاءمتها مع الأطروحة الإعلامية التي يرغب فيها ليس أمراً جديداً، ويجب أن يُقلق في الأساس مواطني دولته. لكن تبنّي الرئيس الأميركي مؤخراً خطاً إعلامياً ، نوعاً من "الأخبار الملفّقة"، يجب أن يثير قلقنا أيضاً.
  • نموذج بارز لذلك برز الأسبوع الماضي، في حديث أجراه ترامب مع صحافيين بمناسبة عيد الشكر، حاول فيه أن يبرر لماذا  لا تستطيع الولايات المتحدة معاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قتل جمال الخاشقجي، وذلك على الرغم من أن وكالة الاستخبارات الأميركية (I.A) قررت أن هناك احتمالاً كبيراً أن يكون بن سلمان هو المسؤول عن الجريمة الفظيعة بحق الصحافي المنتقد للنظام. ادّعى ترامب أن خلاصات الاستخبارات في بلده ليست قاطعة، وحينها، سحب أيضاً الورقة الإسرائيلية من القبعة.
  • "من دون السعودية إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة"، قال ترامب ملمحاً بذلك إلى أن الولايات المتحدة ربما كانت ستفكر بتبريد علاقاتها ببن سلمان بعد الجريمة في القنصلية السعودية في تركيا- لكن التزامه بالمحافظة على أمن إسرائيل يقيد يديه. ذلك بأن الالتزام بأمن إسرائيل يأتي في سلم الأولويات الأميركية، ويتقدم على الالتزامات الأخلاقية للولايات المتحدة بالقانون الدولي، وبالأخلاق الإنسانية، وحقوق الإنسان. ظاهرياً، يحق لحكومة إسرائيل ومواطنيها أن يشعروا بالرضا وبثقة أكبر بعد تصريح رئيس الدولة العظمى التي تحمينا. لكن التدقيق في الوقائع وفي دلالات التصريح يجب أن تخلق لدى الإسرائيليين شعوراً معاكساً.
  • أولاً، لأن السعودية، عملياً، لا تساهم بصورة كبيرة في المحافظة على الأمن القومي لدولة إسرائيل، باستثناء موضوع واحد- إيران، العدو المشترك لإسرائيل، والسعودية، ودول خليجية أُخرى، وحتى للولايات المتحدة الدولة العظمى الحامية للسعودية ودول عربية سنية، مثلما هي دولة عظمى تحمي إسرائيل. وبناء على ذلك، فإن الضغط السعودي على الولايات المتحدة لإضعاف إيران وكبح محاولتها الوصول إلى سلاح نووي، ومنظومة صاروخية بعيدة المدى ودقيقة، وهيمنة إقليمية، يخدم بصورة غير مباشرة إسرائيل أيضاً.
  • تحاول السعودية أيضاً أن تدفع قدماً بصيغة ترامب لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وبذلك هي في رأي كثيرين في إسرائيل تخدم مصلحة استراتيجية لنا. لا يبدو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يثق بذلك أبداً، والدليل - أنه يسعى طوال الوقت لتأجيل تقديم هذه الصيغة التي ستفرض عليه تقديم تنازلات مؤلمة لن تحبها "قاعدته" اليمينية. في أي حال، لقد سبق أن رفض أبو مازن محاولات بن سلمان إقناعه بالانضمام إلى خطة ترامب. وفشل بن سلمان في إيجاد نظام في لبنان أكثر تأييداً للغرب، وفي إضعاف حزب الله؛ كما أن الحرب التي يخوضها محمد بن سلمان ضد الحوثيين في اليمن لم تحقق نجاحاً: إذ يواصل حلفاء إيران تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وإغلاق مضيق باب المندب القريب منهم. باختصار، التحالف القائم بين السعودية والولايات المتحدة والتبعية السعودية للأميركي، يخدمان بصورة غير مباشرة وغير مقصودة أمن دولة إسرائيل.
  • في مواجهة هذه الحقائق التي تثبت ضآلة مساعدة السعودية وقيمتها بالنسبة إلى أمن دولة إسرائيل، هناك من يطرح في الإعلام الإسرائيلي والدولي أنه إذا قررت إسرائيل مستقبلاً مهاجمة منشآت السلاح النووي والصواريخ الباليستية في إيران من أجل تدميرها، فإنه من المحتمل أن تسمح السعودية لطائرات سلاح الجو بعبور مجالها الجوي، وبذلك ستسهل تنفيذ المهمة. لكن حتى لو تحقق هذا السيناريو، فيجب ألاّ نكون مدينين بالشكر للسعوديين. بل العكس هو الصحيح: يجب على السعوديين وعلى سائر الإمارات السنية التي ترتعد خوفاً في ظل التهديد الإيراني أن تشكر إسرائيل التي تعمل على القضاء على أكبر تهديد استراتيجي هم ونحن عرضة له. وهذا يعني أن لا أساس لحجة ترامب أنه من دون السعودية، أي من دون شبكة العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية، "إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة".
  • تجربة الماضي القريب تسمح لنا بالقول بثقة إنه من دون إسرائيل وقدراتها الاستخباراتية والعملانية، فإن السعودية والإمارات والولايات المتحدة سيكونون في ورطة كبيرة أمام توجّه إيران للسيطرة على الشرق الأوسط، وعلى سوق الطاقة العالمي. وهذا ليس كل شيء، ويمكن القول، بالاستناد إلى تقارير في وسائل الإعلام العالمية أن المواد الاستخباراتية النوعية التي تقدمها إسرائيل للدول الصديقة لها تساهم مساهمة مهمة في بناء قدراتها الدفاعية في مواجهة الجهاد العالمي السني (القاعدة وداعش) الذي يهدد، في الأساس، الأنظمة والحكام العرب. لذلك، وفي أحسن الأحوال، بالغ ترامب في تقدير أهمية مساهمة السعودية في أمن إسرائيل، وفي أقل الأحوال سوءاً، هو ببساطة غير مطلع على الوقائع، وفي أسوأ الأحوال إنه يكذب.
  • لهذا الكذب بالتأكيد ما يبرره. لدى ترامب سبب جيد لتشويه الحقائق. فهو بحاجة إلى الحجة الإسرائيلية كي يتوقفوا عن مضايقته بشأن رد الولايات المتحدة على السعودية في قضية الخاشقجي، وهو يستطيع أن يستخدم صفقة السلاح مع السعودية التي من المفترض أن تُدخل أكثر من 100 مليار دولار إلى الصناعة الأمنية الأميركية، وإلى الخزينة الأميركية، وإيجاد آلاف الوظائف في الولايات المتحدة. وهو بحاجة إلى الذريعة الإسرائيلية كي تواصل السعودية إغراق سوق النفط العالمي بنفط رخيص، وكي لا تؤدي العقوبات المفروضة على تصدير النفط من إيران إلى ارتفاع شامل للأسعار. هذا الارتفاع في الأسعار في أعقاب تقليص الإنتاج الإيراني سيُلحق الضرر باقتصاديات دول عديدة حليفة للولايات المتحدة، الأمر الذي لا يرغب فيه ترامب. فهو بحاجة إلى تأييد الدول التي ستتضرر جرّاء الحظر المفروض على إيران.
  • لكن بالنسبة إلى ترامب "الذريعة الإسرائيلية" هي ورقة رابحة، لذلك استخدمها بالأمس مرة أُخرى. ففي مقابلة أجرتها معه "الواشنطن بوست" قال: "هل سنبقي قوات أميركية في الشرق الأوسط؟ سبب واحد لذلك هو إسرائيل". وأضاف أن النفط الشرق - الأوسطي هو حالياً سبب أقل أهمية بالنسبة إلى الوجود الأميركي العسكري في الشرق الأوسط. ذلك لأن "الولايات المتحدة تنتج اليوم نفطاً اكثر من أي وقت سابق". بكلام آخر، الولايات المتحدة تنتج بنفسها في أراضيها اليوم أكثرية النفط الذي تحتاج إليه. وهي أيضاً تصدّر النفط والغاز، وليست بحاجة إلى كرم الدول العربية المنتجة للنفط. هذه الحجة صحيحة في أساسها، لكن ليس بصورة مطلقة. ما تزال الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى النوايا الطيبة للدول العربية المنتجة للنفط لأنها تشكل طرفاً مركزياً في سوق النفط العالمي وفي تحديد أسعاره. وستبقى لها مكانتها هذه في المستقبل أيضاً بسبب الاحتياطات الضخمة للنفط والغاز في أراضيها.
  • لذلك ما تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات جيدة وعلاقات أخذ وعطاء مع الدول العربية المنتجة للنفط، كي لا تخفض بصورة جذرية أسعار النفط. فإذا فعلت ذلك ستخسر الولايات المتحدة المليارات. ففي ظل أسعار نفط منخفضة لن يكون من المجدي لشركات النفط الأميركية إنتاج النفط من أراضي الولايات المتحدة من خلال عمليات عالية التكلفة نسبياً.
  • لقد قام السعوديون بمثل هذه المناورة قبل سنوات، ويتذكر ترامب المليارات التي خسرتها صناعة النفط الأميركية بسبب ذلك في أيام أوباما. ولذلك من المهم جداً لترامب الإبقاء على قوات أميركية في العراق - دولة مهمة منتجة للنفط في الشرق الأوسط - كي لا يسقط العراق كثمرة ناضجة في أحضان الإيرانيين.
  • سيطر شيعة العراق على بلدهم بعد أن أسقط الأميركيون لهم الطاغية صدام حسين وأنشأوا ديمقراطية. حكومة بغداد اليوم شيعية وتميل قليلاً نحو إيران. فإذا انسحب الأميركيون، سيقع العراق تحت وصاية شيعية، ويصبح مدماكاً مهماً في الهلال الشيعي وفي الممر البري الذي يقيمه الإيرانيون من طهران إلى ساحل البحر المتوسط، مروراً ببغداد ودمشق وسهل البقاع اللبناني.
  • يبقي ترامب قواته الخاصة في سورية ليس فقط لأن هذا جيد لإسرائيل،أو لأن نتنياهو طلب منه ذلك، بل في الأساس لأن ضباطاً في البنتاغون وخبراء الأمن القومي شرحوا له أن الحرب في سورية ضد داعش لم تنته، وأن الوجود في سورية مهم، كي يكون لدى الولايات المتحدة أداة ضغط عسكرية، ودبلوماسية واقتصادية تهدد بوتين والوجود الروسي في سورية، ولأنه يجب كبح الإيرانيين في سورية كي لا يزعزعوا النظام المؤيد للغرب في الأردن وفي أنظمة أُخرى مؤيدة للغرب في المنطقة، بمن فيها إسرائيل. ويمنع الوجود الأميركي في سورية إيران من إقامة الممر البري الشيعي، وبذلك يستجيب ترامب إلى طلب سعودي واضح.

باختصار، ترامب يلعب علينا، وهذا ليس مقلقاً لولا أن استخدام أمن إسرائيل عبثاً سيرتد علينا سلباً. حتى غير المتشائمين يجب عليهم أن يتوقعوا إمكانية إصابة جنود أميركيين أو مقتلهم في سورية والعراق، أو بصاروخ في السعودية. في مثل هذه الحال، وفي ضوء ادعاءات ترامب المتكررة أن الوجود العسكري الأميركي  ضروري في الأساس بسبب إسرائيل، من الواضح أنه سيكون هناك كثيرون في الولايات المتحدة سيتهمون إسرائيل بسقوط جنود أميركيين ضحوا بحياتهم من أجل أمنها. وفي الولايات المتحدة لا ينسون مثل هذه الادعاءات، وحتى ترامب - الذي اخترع "الذريعة الإسرائيلية"، الكاذبة - يمكن أن ينقلب علينا، إذا تعقّد الوضع في المنطقة، لا سمح الله .

 

المزيد ضمن العدد 2980