إسرائيل محتارة: هل الولايات المتحدة تريد اتفاقاً أكثر صرامة مع إيران أو إسقاط النظام؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 دخول الموجة الثانية من العقوبات الأميركية ضد إيران في حيز التنفيذ بعد خروج الولايات المتحدة من اتفاق فيينا، أثار هذا الأسبوع الارتياح في القدس. وسارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو محق إلى حد كبير، إلى تسجيل نقاط لمصلحته جرّاء خطوة ترامب هذه. الحصيلة النهائية لزيادة الضغط على إيران لا تزال بعيدة، لكن من الصعب الاعتراض على القول إن نتنياهو هو الذي دفع ترامب في هذا الاتجاه، وأنه فعل ذلك بخلاف آراء أجزاء كبيرة من الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية .

  • تطرح الاستخبارات الإسرائيلية حالياً افتراضين محتملين فيما يتعلق بالهدف الكامن وراء الخطوات الأميركية. الأول هو أن الولايات المتحدة تريد أن تفرض على إيران فتح الاتفاق النووي من خلال إملاء شروط أكثر صرامة تتعلق بالتطبيق والرقابة في اتفاق بديل. والافتراض الثاني يتحدث عن هدف أكثر طموحاً، ويستند إلى تأويل موسع لـ"وثيقة بومبيو"، أي خطة النقاط الـ12 التي نشرها وزير الخارجية الأميركي بعد الانسحاب من اتفاق فيينا، أي إسقاط النظام في طهران. التقدير السائد هو أن الأميركيين يريدون تحسين الاتفاق، لا إسقاط النظام، وأن أسلوبهم حتى الآن فعّال. منذ الآن تؤثر جولة العقوبات سلباً في الاقتصاد الإيراني، في الأمد البعيد، على الرغم من الخط المتشدد الذي تنتهجه حالياً طهران إزاء الخارج، فإنها يمكن أن تتراجع.
  • لقد تصرف الإيرانيون بهذه الطريقة إلى حد ما في سنة 2013، ولاحقاً حتى الاتفاق النهائي في سنة 2015، تحت العقوبات الدولية التي قادتها إدارة أوباما. يقول مصدر استخباراتي إسرائيلي إن ما يجري بالنسبة إلى الإيرانيين هو "سبق أن رأينا ذلك" لكن في ظروف اقتصادية أصعب بكثير: سعر الريال منخفض أيضاً، إنه من الصعب جداً التنبؤ بأسعار النفط لكنها منخفضة حالياً، البطالة في إيران مرتفعة نسبياً ومثلها التضخم. بالإضافة إلى ذلك تتصرف الولايات المتحدة بطريقة تدريجية ومدروسة: حتى الآن يبدو أن جميع الشركات العالمية تسير مع ضغط العقوبات الأميركية، ولقد منح الأميركيون أيضاً ثماني دول تأجيلاً في تطبيق العقوبات، بهدف الوصول إلى عقوبات أكثر فاعلية فيما بعد.
  • في إسرائيل يقدرون أن إيران لن تنسحب من الاتفاق، لأن مثل هذه الخطوة لن تخدمها حالياً، بل ستحاول الصمود عامين على أمل أن يخسر ترامب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. حتى ذلك الحين لا يمكن أن نستبعد تماماً فيما بعد انعقاد قمة رئاسية تجمع ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، كما جرى مع كوريا الشمالية.
  • في هذه الأثناء وتحت الضغط الاقتصادي والسياسي، يرتكب الإيرانيون أخطاء في أوروبا. فقد جرى الكشف في الأشهر الأخيرة في فرنسا والدانمارك، بالاستناد إلى معلومات نقلها الموساد، عن محاولات إيران المسّ بناشطين من المعارضة في المنفى. ويشير أسلوب تنفيذ هذه الهجمات إلى عمل هواة ومحاولة القيام بهجمات بسرعة كبيرة. لقد فشلت إيران هكذا أيضاً في الماضي بمحاولاتها الهجوم على أهداف إسرائيلية ويهودية في أنحاء العالم في نهاية القرن الماضي، رداً على اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين المنسوبة إلى إسرائيل.
  • هل سيؤثر ازدياد حدة الأزمة الاقتصادية أيضاً في العمليات الإيرانية في سورية؟ يزداد النقاش داخل إيران بشأن تدفق الأموال على النزاعات العسكرية في الشرق الأوسط مع اتضاح ضائقة الموارد. أيضاً يبدو أن روسيا ستجعل حياة الإيرانيين أكثر صعوبة في سورية، على خلفية النزاع على السيطرة بينهما. في هذه الأثناء تزداد سياسة موسكو في سورية وضوحاً: فهي مهتمة باستقرار نظام الأسد، بعد استرجاع سيطرته على أغلبية مناطق الدولة، وأقل تسامحاً مع إزعاجات اسرائيلية وإيرانية.
  • يستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حادثة إسقاط الطائرة الروسية في أيلول /سبتمبر بمنظومة دفاع جوي سورية كي يحاول فرض قواعد لعبة جديدة. صحيح أن إسرائيل هاجمت في سورية منذ ذلك الحين، لكن التحفظات الروسية أصبحت أعلى صوتاً حالياً. في نهاية الأمر سيلتقي نتنياهو مع بوتين ويبحث معه الموضوع، لكن من الواضح أن الروس يستمتعون إلى حد ما بإطالة مدة الاتصالات لتنسيق الاجتماع.
  • تؤكد أحاديث مع وزراء في المجلس الوزاري المصغر وضباط كبار في إسرائيل الافتراض المبكر - الذي يختلف تماماً عن الدعاية المتفائلة التي ينشرها مؤيدو نتنياهو - بأن حادثة إسقاط الطائرة كانت حدثاً استراتيجياً. نافذة الفرصة في سورية تتقلص أيضاً في وجه عمليات التهريب الإيرانية والهجمات الإسرائيلية، مع أن الأمرين يستمران في الحدوث بكمية أقل. يبدو أن الاهتمام سيتحول بالتدريج إلى لبنان، حيث تحاول إيران وحزب الله إقامة مصانع جديدة لتحسين دقة الصواريخ التي يحوزها التنظيم الشيعي. كيف يمكن لإسرائيل أن تعمل على إحباط هذه الخطوات؟ هذه هي تحديداً المعضلة  التي تشغل القيادة في القدس في هذه الأيام.