ما هو المطلوب لمواجهة خطر تحويل الصواريخ في لبنان إلى صواريخ دقيقة
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في خطابه أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، حذر رئيس الحكومة نتنياهو من أن "إيران تدرب حزب الله على بناء منشآت سرية لتحويل صواريخ غير دقيقة إلى صواريخ موجهة دقيقة". ودعم كلامه بخريطة تحدد ثلاث منشآت في جنوب بيروت، قريبة من المطار الدولي، ولها علاقة بهذا المشروع بحسب الاستخبارات الإسرائيلية. وأُرفق هذا الكشف بفيديو نشره الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وفيه معلومات عن المشروع، وبإرسال رسائل إلى سكان بيروت. هذا الخطاب والكشف عن معلومات حساسة، سواء بالنسبة إلى مواقع تحويل الصواريخ في لبنان ومستودع المواد النووية في إيران، استُقبلا، من جهة، بمشاعر مختلطة إذ كان هناك من أثنى على العملية السياسية التي تهدف إلى زيادة الضغط على إيران وحزب الله، ومن جهة أُخرى، كان هناك من انتقد الكشف عن معلومات استخباراتية جرى الحصول عليها بجهد كبير. في ضوء ذلك، يُطرح السؤال ما هو الهدف النهائي للصراع الذي تخوضه إسرائيل ضد إنتاج صواريخ في لبنان (منع في مقابل عرقلة) وهل السياسة الإعلامية، بما فيها الكشف عن معلومات استخباراتية، تساعد على تحقيق هذا الهدف؟
- المعلومات بشأن مشروع تحويل الصواريخ الدقيقة في أراضي لبنان كشفت عنها لأول مرة صحيفة كويتية في آذار/مارس 2017، ولمّحت صحف إسرائيلية إلى أن إسرائيل هي وراء النشر. بعد مرور ثلاثة أشهر أكد رئيس الاستخبارات العسكرية المعلومات، وأعلنت إسرائيل أنها "تنظر بكثير من الخطورة" إلى إقامة مصانع لإنتاج سلاح متطور جداً في لبنان، لكنها امتنعت من التهديد بالقيام بعملية عسكرية مباشرة للمسّ بهذا المشروع في لبنان.
- الانطباع هو أن سبب رفض الزعامة الإسرائيلية الالتزام بعملية عسكرية مباشرة لإزالة التهديد هو نجاح حزب الله في ترسيخ معادلة ردع في مواجهة إسرائيل، مفادها أن "الهجمات" على لبنان هي خط أحمر. والجدير بالذكر أنه في إطار المعركة التي تديرها إسرائيل بلا توقف منذ بداية 2013 ضد تسلح حزب الله بسلاح متطور جداً، هاجمت قوات الجيش الإسرائيلي في شباط/فبراير 2014 شحنات سلاح في الجانب الغربي من الحدود بين سورية ولبنان. في الهجوم الذي نفذه حزب الله ضد قوات الجيش الإسرائيلي في هاردوف [مزارع شبعا] رداً على الهجوم، تحرك الحزب لأول مرة منذ بداية المعركة لفرض "الخط الأحمر" الذي وضعه. منذ ذلك الحين امتنع الجيش الإسرائيلي من القيام بهجوم داخل الأراضي اللبنانية. بناء على ذلك، مع إقامة مصانع لإنتاج السلاح في لبنان، تفترض إيران وحزب الله أن إسرائيل لن تهاجمهما خوفاً من رد من جانب حزب الله واحتمال تصعيد في لبنان.
- في ظل هذه الظروف، واصلت إسرائيل العمل ضد المشروع بواسطة هجمات لسلاح الجو في الأراضي السورية التي تمر عبرها صواريخ متطورة جداً وعتاد معدّ للتحويل إلى لبنان، وعلى ما يبدو، من خلال عمليات سرية داخل لبنان نفسه. في تموز/يوليو 2017 ادّعى رئيس الأركان أيزنكوت أن الجيش "يعمل ضد [مشروع تحويل الصواريخ في لبنان] بأدوات صامتة كي لا يتسبب بتدهور". بعدها بشهرين أعلن أن الجيش عمل على منع وصول حزب الله إلى قدرة إطلاق صواريخ دقيقة على أراضي إسرائيل وأنه فعل ذلك بنجاح. لكن الجهود الإسرائيلية، على ما يبدو، لم تعرقل المشروع لوقت طويل، لذا عادت إسرائيل في 2018 إلى استخدام وسائل الإعلام للكشف عن معلومات جديدة عن المشروع وتمرير تهديدات هدفها في الأساس الجانب اللبناني، مثل المقال الذي نشره الناطق بلسان الجيش في مطلع هذا العام.
- يدل الاستخدام المتكرر لوسائل الإعلام على أن إسرائيل لم تحقق، على ما يبدو، أهدافها في لبنان بوسائل أُخرى. بالإضافة إلى ذلك، عدم وجود تهديد موثوق به بالقيام بعملية عسكرية، يُفسر استخدام إسرائيل وسائل الإعلام بأنها مرتدعة عن العمل في لبنان، وبذلك هي تلمّح إلى أن إيران وحزب الله يستطيعان مواصلة تحقيق مخططاتهما من دون خوف. بناء على ذلك، يبدو أن السياسة الإسرائيلية في استخدام الإعلام لكشف نشاطات حزب الله ليست موجهة إلى المسؤولين المباشرين، بل في الأساس لممارسة الضغط على المجتمع الدولي وعلى السلطات والجمهور في لبنان. ويهدف هذا الضغط إلى زيادة المخاوف من نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، يمكن أن تؤدي إلى "دمار" الدولة اللبنانية وبناها التحتية العسكرية، وأن تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة، بصورة تدفعهم إلى التدخل ووقف المشروع.
- على الرغم من ذلك، يبدو أن هذه الجهود أيضاً لم تحقق أي نجاح. فعلياً، وحتى بعد خطاب رئيس الحكومة في الأمم المتحدة، بقي المجتمع الدولي غير مبالٍ بالمسألة ورفض استخدام وسائل ضغطه على لبنان. والإدارة الأميركية مشغولة بمسائلها الداخلية وبمشكلات أُخرى ملتهبة في سياستها الخارجية ( السلاح النووي الكوري، والإيراني، علاقات الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي والتجارة مع الصين)، وتركت معالجة الحيز السوري لروسيا التي تبذل جهوداً لتوسيع نفوذها أيضاً في لبنان. والدليل على ذلك، بين أمور أُخرى، الخطوات الدبلوماسية التي تقودها روسيا للتوصل إلى تسوية في سورية وإعادة اللاجئين، والاتفاقات الاقتصادية والأمنية بين روسيا ولبنان، وإخراج بطاريات صواريخ الباتريوت من الأردن. أيضاً العقوبات المفروضة على حزب الله، بما فيها تلك التي أقرها مؤخراً مجلس النواب الأميركي، لم تنجح في الضغط على الحزب في هذه المسألة. أوروبا، من جهتها، ترى في حزب الله عنصراً يساهم في المحافظة على الاستقرار الداخلي في لبنان، وتواصل منح الدولة اللبنانية مساعدة مالية وعسكرية من دون شروط.
- الحكم اللبناني المشلول بسبب عدم تشكيل حكومة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات النيابية، يقوده حلفاء حزب الله، الذين يساعدون في التستر عليه، كما ظهر في جولة السفراء الأجانب [على المواقع في بيروت التي حددها نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة]، والتي قام بها وزير الخارجية وصديق حزب الله في معسكر "8 آذار" [جبران باسيل]. أيضاً الجمهور اللبناني، وخصوصاً سكان الضاحية الجنوبية في بيروت، امتنعا من توجيه الانتقادات إلى الحزب.
- المحاولات المتكررة لضرب الجهود الإيرانية الرامية إلى تسليح حزب الله بسلاح متطور جداً، سواء من خلال هجمات متحركة في سورية، أو من خلال خطوات دبلوماسية وعملانية – سرية في سورية ولبنان، تدل على صعوبة ردع خصوم عن بناء قوة (بخلاف استخدام القوة). الكشف المتكرر للاستخبارات بشأن مشروع إنتاج صواريخ دقيقة في لبنان، والتصريحات العلنية في هذا الموضوع لم تؤد إلى وقف المشروع وإزالة تهديد إسرائيل. وفي المقابل، الكشف لا يضر بقدرة إسرائيل على العمل العسكري في لبنان ضد التهديد، لأنه من المعقول الافتراض أن القدس منذ البداية لم تكن تنوي العمل بهذه الطريقة. كما أن الكشف يمكن أن يساهم في زيادة الخوف من التسلل الاستخباراتي إلى وسط الحرس الثوري وحزب الله، ويمكن الافتراض أن هذا سيعرقل المشروع بسبب الحاجة إلى نقل المنشآت إلى أماكن بديلة. ومع ذلك، الاستخدام المتكرر لوسائل الإعلام يضر بصورة الردع الإسرائيلي ويعزز الفهم أن إسرائيل مرتدعة وغير مهتمة بالعمل عسكرياً في لبنان.
- إذا كان الأمر كذلك، فإن أسلوب العمل الإسرائيلي في هذه المرحلة لن يحقق الهدف المركزي، ولن يستطيع أن يفرض على المجتمع الدولي، ولا على لبنان، ولا على إيران وحزب الله، العمل لوقف المشروع. وإذا كان ما يجري هو خطر استراتيجي حقيقي على دولة إسرائيل أصبح في مرحلة تطوير متقدمة، ومع الأخذ في الحسبان الصعوبة المتزايدة للعمل الحركي في سورية، فإن إسرائيل ستضطر إلى المجازفة من أجل خلق تهديد موثوق به والتلميح إلى تصميمها على إزالة الخطر. على سبيل المثال، من خلال توجيه إنذارات تشمل تهديداً واضحاً بالقيام بعملية عسكرية في لبنان، أو بضربة وقائية ضد مواقع الإنتاج المعروفة في لبنان مع ما يعنيه ذلك من مخاطر تصعيد يؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة.
- لكن، الأهمية التي تكرسها إيران وحزب الله للصواريخ الدقيقة، ولخلق ميزان ردع في مواجهة إسرائيل، التي تواصل تعزيز تفوقها العسكري؛ والخطر الكبير للتدهور إلى حرب تريد إسرائيل منعها على الرغم من الضرر الذي ستلحقه ببناء القوة في حزب الله، كل ذلك يفرض الاستمرار في تطوير ردود على الصواريخ الدقيقة. وسواء هاجمت إسرائيل المواقع الموجودة، أو نجحت في استخدام الضغط غير المباشر الذي سيدفع إيران وحزب الله إلى تأجيل مشروعهما، فإنه ليس من المستبعد أن يبقى السعي لتسليح حزب الله بسلاح متطور جداً على حاله.