كما في حرب يوم الغفران: نحن نختار ما نريد أن نراه
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

 • أريد العودة إلى حرب يوم الغفران وإلى إخفاقين فكريين مركزيين ارتكبناهما وأن أرى هل يتكرران اليوم. وما أقصد إليه هو الفشل المعروف في فرض منطقنا على العدو. بكلام آخر: العدو يفكر كما أنا أفكر، الإخفاق الثاني: نحن نرى ما يريد رأسنا أن يرى. قبل حرب يوم الغفران، اعتقدنا أن السادات لن يجرؤ على البدء بحرب لأنه يعرف أن الجيش الإسرائيلي أقوى منه، لذلك سيرتدع عن خوض حرب سيخسرها. وكنا نتخيل الأمر كالتالي: السادات يقود بسرعة سيارة شحن صغيرة، ونحن نقود في مواجهته بسرعة شاحنة كبيرة. من الذي سيبتعد أولاً عن الطريق كي لا يصطدم بشاحنتنا؟ من الواضح أنه السادات. هذا بالتأكيد ما كنا سنفعله لو كنا مكانه. نسينا فقط أن لا وجود فقط لنصر أو هزيمة، بل يوجد أيضاً نصر وهزيمة لكل طرف في آن معاً.
• لقد أعلن السادات أنه مستعد للتضحية بمليون شخص من أجل عبور القناة. سخرنا منه وقلنا: إنه كلام سخيف، وغير منطقي أبداً. وماذا فجأة؟ هل من الممكن لرجل ضعيف أن يصبح خطراً؟ نسينا تماماً أن السادات في وضع يشعر فيه أنه مهان وأن "موته أفضل من حياته". لقد كان هناك عدم توازٍ مطلق بيننا وبينه، وفي تفسير الأحداث، وفي مقاربة مواجهته مع إسرائيل: خوض حرب ليس من أجل الانتصار فيها بل من أجل تحريك عملية سياسية.
• ونظراً إلى أن هذه هي القصة التي كانت تسيطر على رأسنا، فقد نظرنا إلى كل تطور وكل تصريح عربي بما يتلاءم معها، ولم نر ما يحدث فعلاً على الأرض. لذلك حتى عندما كان الجيشان المصري والسوري يستعدان لهجوم، وكانت كل الدلائل على الأرض تشير إلى نشوب حرب، فسرها رأسنا وفق الرواية التالية: العرب إجمالاً يخافون منا، و"احتمال الحرب منخفض جداً". هل ما كتبته هنا هو ما كان يفكر فيه أيضاً كل الشعب الإسرائيلي؟ بالتأكيد لا. لكن يبدو لي أن كثيرين كانوا يفكرون هكذا، وبالتأكيد الاستخبارات العسكرية، والجيش والمؤسسة السياسية.
• ماذا يجري في وقتنا الحاضر؟ سأكتفي بأمرين. الأول يتعلق بإيران. إيران تكرر وتعلن أنها تنوي القضاء على إسرائيل، وهي تعد الأدوات للقيام بذلك، كي تستطيع، عندما يحين الوقت، تحقيق نيتها هذه بواسطة صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوساً نووية. كيف نتعامل مع ذلك؟ هناك من يطبّق منطقه على الإيرانيين ويدّعي أن هذا غير منطقي وأن الإيرانيين لن يجرؤوا، وأن هدفهم ليس إسرائيل، بل السعودية، وأنهم يعلمون أن إسرائيل تملك قدرة توجيه ضربة ثانية. هل هذا صحيح؟ أم يشبه تصريح السادات بشأن المليون قتيل؟
• الأمر الثاني يتعلق بالفلسطينيين. هناك عدة قصص تدور في عدة رؤوس. إحداها أن الفلسطينيين مثلنا يريدون السلام. وأنهم بشر مثلنا، وأنهم يؤيدون فكرة الدولتين، ويجب فقط أن نتعامل معهم باحترام. أنا أوافق طبعاً على أنهم بشر مثلنا، لكن كل قصة الفلسطينيين في رأسي تغيرت ذات يوم. ببساطة تبدلت. جرى ذلك في هانوفر في ألمانيا في معرض دولي في تموز/يوليو 2000. جئنا لزيارة الجناح الفلسطيني، وكانت الفترة فترة ترقّب قبل انعقاد قمة كامب ديفيد. بحثت عن اسم "إسرائيل" فلم أجده. إسرائيل لا وجود لها، لا في الخرائط الكبيرة على جدران الجناح. هناك فقط أسماء المدن العربية ما قبل سنة 1948. وليس المقصود هنا كتب تعليم، بل المقصود ما تراه أعين العالم. فكرت أن القصة الفلسطينية هي الاحتلال وحرب 1948. هذا ما هو موجود في رؤوسهم، ومن هنا تأتي كل مواقفهم.