حق العودة جيد لإسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الذين انتقدوا خطوات ترامب التي تسعى لإزالة حق العودة "عن الطاولة" ووقف المساعدات للأونروا، ركزوا على الادعاء أن المقصود سياسة تؤذي المصالح الفلسطينية. لكن ليس أقل من ذلك: الحذف المسبق، ومن دون اتفاق، لمبدأ حق العودة يلحق ضرراً شديداً بمصلحة إسرائيلية جوهرية. وبخلاف ما اعتقدناه طوال سنين، حق العودة جيد لإسرائيل.
  • ليس المقصود أن على إسرائيل أن تطبّق حق العودة إلى أراضيها بالمعنى الحرفي، وأن تستقبل جماهير اللاجئين. لكن الأهمية العميقة لهذا الحق تفرض إجراء مفاوضات بشأن تسوية دائمة تستند إلى عملية تبادل يتنازل بموجبها الفلسطينيون عن ورقة قوية لديهم، هي مشكلة اللاجئين، وتتنازل إسرائيل في المقابل عن السيطرة على القدس الشرقية، وعن جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، وتنسحب إلى حدود سنة 1967 (مع تبادل مناطق في الحد الأدنى). هذا هو المحور الصحيح الوحيد لمفاوضات متوازنة، قادرة على أن تؤدي إلى السلام بعد أن يشعر الطرفان بأنهما تنازلا بما فيه الكفاية، وأيضاً ربحا بما فيه الكفاية، ومن هنا فإن المحافظة على صيغة كهذه هي مصلحة واضحة لإسرائيل. بكلام آخر: إسرائيل بحاجة إلى حق العودة، كي تسمح للفلسطينيين، عندما يأتي الوقت، بالموافقة على التغيّر الكبير، أي التنازل عن حق عودة اللاجئين في مقابل الاستقلال. لقد شارك كبار المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في جولات الاتصالات السياسية طوال سنوات، وهم يعرفون أن هذه هي الصفقة ولا شيء آخر غيرها، وكل من هو مستعد لقبولها هو نصير للسلام، ومن ليس مستعداً هو معارض له.
  • لكن عندما نستبعد حق العودة من المعادلة ونقوّض مسبقاً شرعيته، مع الاستمرار في تقويض قضية القدس، فإننا نسحب البساط من تحت المفاوضات ونحوّل العلاقات بين المشاركين في المحادثات إلى علاقات غير متوازنة: الطرف الأول قوي جداً، والثاني ضعيف جداً. وهكذا فإن الطرف القوي، إسرائيل، يمكن أن يغرق في الغطرسة، ويبالغ في تقدير ما هو قادر على تحقيقه على حساب الطرف المقابل من دون تدمير فرص التوصل إلى تسوية دائمة تكون مقبولة ومستقرة.
  • في مقابل ذلك، الطرف الضعيف، عندما يتمّ تجريده بالقوة من أرصدته، يتراجع لديه حافز التوصل إلى اتفاق؛ وتزداد الانقسامات الداخلية، وتُجبر زعامته على القيام بتنازلات تؤذي مكانتها في مجتمعها في مرحلة تحقيق الاتفاق. التوازن يختل، وينشأ وضع ليس في مصلحة أحد من اللاعبين.
  • ليس القصد من هذا التحليل القول بصورة قاطعة إن القوة ليست جيدة في المفاوضات. على العكس، من الجيد أن إسرائيل اليوم قوية بصورة تساهم في تحسين قدرتها على المفاوضة، وفي استخدام ضغط فعال على الفلسطينيين لقبول وجودها، وإدراك أنهم غير قادرين على القضاء عليها. لو لم تكن إسرائيل قوية لما كانت قادرة على تحقيق السلام مع جيرانها، ولما كانت قادرة على إقناع العالم بأن عودة كبيرة للاجئين إلى حدودها أمر غير واقعي. لكن يمكنها أن تكون قوية جداً. فائض القوة لدى إسرائيل اليوم يفسد إمكان مفاوضات حقيقية، وخطوات ترامب بشأن موضوع العودة تُفاقم ذلك.
  • ثمة ميزة إضافية للوضع الحالي، على الرغم من كونه غير طبيعي، فحق العودة في هذا الوضع هو مسألة سياسية عالمية، تعالَج بصورة منفصلة عن ملفات لاجئين لها علاقة بنزاعات أُخرى في العالم، بينما المجتمع الدولي لا يعمل على تطبيع وضع اللاجئين من دون إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية. والميزة هي أن العالم يعترف بأن الممثل الرسمي للفلسطينيين (منظمة التحرير الفلسطينية) هو فقط من يملك حق تقرير مصير اللاجئين كلهم، والعالم يتوقع أن يحدث ذلك مع إقامة الدولة الفلسطينية، بالاتفاق مع إسرائيل. وعندما تتفق منظمة التحرير على ذلك مع إسرائيل، تنتهي مسألة اللاجئين. وهذا دليل آخر. حق العودة هو مصلحة إسرائيلية، طالما تتطلع إسرائيل نحو السلام بجدية. والصحيح أيضاً أن هذا ليس في مصلحة الحكم الحالي.