التحقيق الروسي مشكوك فيه، لكن اسرائيل ستضطر إلى أن تأخذ بالحسبان مطالب بوتين في سورية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- التقرير الروسي الحاد الصادر عن وزارة الدفاع الروسية، الذي يحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إسقاط طائرة أليوشن في سماء سورية، لا يجب أن يفاجىء أحداً في البلد، ربما باستثناء بضعة أنصار حمقى لرئيس الحكومة نتنياهو. ومهما كانت صلات نتنياهو جيدة ببوتين فإنه غير قادر على التسبب باختفاء المشكلة على الفور. لقد تلقت روسيا ضربة محرجة عندما أسقطت نيران الدفاعات الجوية التابعة لجيش الأسد الطائرة، وما تزال لديها مصالح واسعة للدفع بها قدماً في سورية. لقد كان واضحاً للغاية أن القضية ستؤدي إلى إدانة معينة لإسرائيل ومطالب معينة منها، على الرغم من أن ما سيتمخض عنه الأمر ما يزال رهناً بقرار بوتين.
- لا تستطيع موسكو اتهام المسؤول المركزي عن الحادثة، حليفها، نظام الأسد (ومن الغريب أن نرى أن اتهام الدفاع الجوي السوري لم يُذكر قط في البيان الرسمي بشأن تحقيق وزارة الدفاع الروسية). لذا، كان واضحاً منذ البداية أن المسؤولية ستُلقى على إسرائيل. ومن المثير للاهتمام أن التهم موجهة كلها إلى الجيش الإسرائيلي، الذي يتهمه الروس بعدم الحرفية "أو بإهمال إجرامي على الأقل". المستوى السياسي في إسرائيل لم يرد ذكره، باستثناء الحديث عن السياسة العدوانية الخطرة التي تنتهجها إسرائيل في سورية.
- مستوى الوثوق بالتحقيق الروسي يبدو مشكوكاً فيه. بعض الادعاءات التي تضمنها البيان غريبة. يتحدث الروس عن إنذار مبكر لدقيقة واحدة فقط (من الغريب أن إسرائيل لم تُشر إلى الرقم الفعلي، وهو مدة زمنية أطول بكثير). بحسب طيارين إسرائيليين متمرسين، الادعاء أن الطائرات الحربية الإسرائيلية اختبأت وراء طائرة الاستخبارات الروسية ليس معقولاً ولا ينسجم مع أي إجراء عملاني معتمد. كذلك اتهام إسرائيل بأنها ضلّلت الروس بشأن مكان الهجوم المخطط له يبدو غير منطقي. بحسب روسيا، سلاح الجو أعلن هجوماً في شمال سورية، بينما وقع الهجوم في غربها. عملياً، تقع اللاذقية في شمال غرب سورية كما تدل على ذلك نظرة سريعة إلى خريطة سورية. وبما أن آلية التنسيق تعمل بنجاح منذ ثلاث سنوات، جرت خلالها مئات الهجمات الإسرائيلية، من الصعب أن نصدّق أن الطرفين لم يوضحا بعد بينهما المصطلحات الأساسية.
- يتركز البيان الروسي، في أغلبيته، على المستوى التكتي ولم يتضمن اتخاذ أي عقوبات ضد إسرائيل. تتهم روسيا إسرائيل بالجحود بعد الخطوات التي قامت بها من أجل المصالح الإسرائيلية، وبينها إبعاد القوات الإيرانية عن الحدود في الجولان (الروس يحددون مسافة كبيرة 140 كيلومتراً، بينما، عملياً، يجري الحديث عن مسافة تتراوح بين 85 و100 كيلومتر، ومنطقة فاصلة لا تشمل دمشق، حيث ما يزال يوجد مقاتلون إيرانيون).
- على المستوى الاستراتيجي، من المعقول أن بوتين، الحكم الأخير في الطرف الروسي، سيستخدم الاداعاءت الخطرة التي وردت في تقرير وزارة الدفاع للمطالبة بتنسيق سياسي رفيع مع إسرائيل في سورية، وإلى تطبيق قواعد ملزمة وأكثر صرامة في آلية التنسيق المشترك بين الدولتين.
- في تقدير العقيد في الاحتياط آساف أوريون من معهد دراسات الأمن القومي أن الثمن الذي سيطالب به بوتين إسرائيل يمكن أن يأتي من اتجاه آخر: الإصرار على بيع سورية منظومة متقدمة مضادة للطائرات، على الرغم من معارضة إسرائيل، أو الضغط على نتنياهو للمساعدة في تبديد التوتر بين روسيا والإدارة الأميركية. في هذه الأثناء أصدر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بياناً (بعد ظهر يوم الأحد) يرفض فيه النقاط الرئيسية للتحقيق الروسي لكنه يتعهد بالمحافظة على التنسيق الأمني بين إسرائيل وروسيا.
- الاختبار العملي للعلاقات بين الدولتين سيأتي قريباً عندما يبرز تحذير استخباراتي جديد عن محاولة إيرانية لتهريب السلاح إلى حزب الله عبر الطريق القريب من القواعد الروسية شمال غرب سورية، أو عن إقامة موقع عسكري جديد هناك. وبما أن إيران مصرّة على مواصلة شحناتها، وإسرائيل تقول علناً إنها تحتفط بحقها في ضرب هذه الشحنات، فإن المعضلة التي ستواجهها القدس هي: هل ستهاجم مجدداً بالقرب من قواعد روسية وتخاطر بزيادة التوتر مع الروس؟
- ليس هذا نهاية عهد المعركة بين الحروب للعمليات الإسرائيلية، والتي تندرج في إطارها مئات الهجمات في الشمال خلال السنوات الست الأخيرة. لكن يبدو حالياً أن الوضع في الجبهة الشمالية أيضاً لن يعود بصورة كاملة إلى الشروط التي كانت موجودة عشية إسقاط الطائرة الروسية. لقد تصرفت إسرائيل في الشمال طوال سنوات بحرّية كبيرة، بفضل التضافر بين الإصرار والنشاط العدواني وبين العلاقات السياسية الجيدة بالروس. وفي أغلب الأحيان تحركت بحكمة استراتيجية من خلال تحقيق جزء كبير من الأهداف التي وضعتها لنفسها.
لكن إسرائيل ليست دولة عظمى وليست كلية القدرة. وهي ستضطر إلى الأخذ باعتبارات الروس وحتى ملاءمة أسلوب عملياتها الهجومية. ويظهر من أحاديث مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية أنهم يعطون أهمية كبيرة لانعكاسات الحادثة الأخيرة. مَن يواصل الادعاء أن ما حدث هزّة بسيطة فقط ومشغول للغاية في الدفاع عن صورة نتنياهو، هو ببساطة ليس مستعداً لتحليل الواقع بصورة موضوعية.