إخلاء خان الأحمر سيكون مستهجناً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

• الجماعة البدوية التي تقطن في منطقة خان الأحمر تنتمي إلى عشيرة الجهالين التي طُردت في خمسينيات القرن الماضي من النقب وجاءت إلى صحراء يهودا. وهذه نقطة مهمة، لأن هذا هو السبب الذي تحظى من أجله هذه العشيرة، من وجهة نظر فلسطينية ودولية، بتعامل مختلف: إنها عشيرة لاجئين فلسطينيين معرّضة للطرد مرة أُخرى من قبل دولة إسرائيل من دون ذنب. هدم القرية لن يمس فقط بالبدو. بل سيشكل مرحلة أُخرى من مسار تدهور الديمقراطية الإسرائيلية، ويضيف صفعة أُخرى إلى صورة إسرائيل في العالم.
• لا أنوي إعادة سرد تفاصيل تطور الأحداث، لأنه كُتب كثير عن هذه القضية. أذكّر فقط أنه في السنوات التسع الأخيرة، ومنذ أن شُيدت في القرية مدرسة بيئية من الإطارت والطين وحظيت بشهرة في العالم، يعمل الجهاز القضائي ساعات إضافية على طلبات التماس متعددة ومتكررة تطالب بهدم المدرسة وطرد السكان. مؤخراً قررت محكمة العدل العليا السماح للإدارة المدنية بهدم المدرسة ومنازل السكان، وإجبارهم على مغادرة المكان. أود عرض انعكاسات الهدم والطرد على البدو وعلى دولة إسرائيل.
• التغيير الذي تفرضه إسرائيل على البدو سيكون حاداً ومدمراً. إنه الانتقال خلال يوم واحد من حياة تقليدية (من دون تنقل) تعتمد على تربية الأغنام والعمل اليومي في فضاء مفتوح، مع إمكان الوصول إلى الطريق الرئيسية، إلى جماعة مرفوضة تعيش على أرض سيفعل أصحابها كل ما في وسعهم لطردها.
• لا يستطيع سكان خان الأحمر العيش بجوار تجمع سكاني مدني يقطن في العيزرية. ما يجري الحديث عنه هو ثقافتان مختلفتان، لا يوجد بينهما مودة كبيرة، وفي الأشهر الأخيرة تصاعد التوتر بين البدو الذين اضطروا إلى الانتقال إلى هناك وبين سكان المدينة وأفراد السلطة الفلسطينية. مثل هذا الانتقال الحاد حدث أيضاً في سبعينيات القرن الماضي، واضطرت الإدارة المدنية حينها إلى إعادة بدو نقلتهم إلى مكان إقامتهم الأساسي. فإذا كان هناك سابقة فاشلة لماذا نكرر الأخطاء عينها؟
• يعتاش سكان خان الأحمر من ماشيتهم. والأغنام هي المصدر الأساسي للدخل والغذاء لجميع العائلات. الانتقال إلى مكان حضري سيمس بصورة جوهرية بقدرتهم على الرعي سواء بسبب ظروف الأرض أو بسبب النزاعات مع فلاحي المنطقة. بالإضافة إلى ذلك فإن نسبة البطالة في العيزرية مرتفعة هي أيضاً، وإضافة عشرات الرجال ستزيد فقط المشكلة من ناحية البدو ومن ناحية سكان العيزرية. ومن الواضح أن البدو سيكونون المتضررين الأساسيين، كونهم مجموعة ضعيفة وغريبة عن المنطقة.
• هدم المدرسة سيؤدي ليس فقط إلى توقف أولاد خان الأحمر عن الدراسة بل كل أولاد المنطقة. تستقبل المدرسة نحو 170 تلميذاً من أربع بلدات، وهدمها سيحرم هؤلاء من الحصول على تعليم أساسي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت السلطة الفلسطينية في كتاب رسمي أن أولاد خان الأحمر لن يتمكنوا من الدراسة في العيزرية.
• سكان خان الأحمر هم فلسطينيون لا يتماهون مع الوطنية الفلسطينية. لكن كلما تطور النزاع القانوني، كلما ازدادت فلسطنتهم. قبل عام لم يكن يُشاهَد علم فلسطيني في المنطقة، اليوم هناك العشرات. طبعاً ليس البدو هم مَنْ يرفعون الأعلام، لكنهم أسرى في يد الفلسطينيين الذين حولوا النزاع الى نزاع قومي ويؤثرون في الجيل الشاب.
• سكان خان الأحمر ليسوا متدينين. ويعتبرون أنفسهم مسلمين، لكن الحياة الدينية عندهم تقتصر على صوم شهر رمضان والاحتفال بالأعياد. يوجد في المكان كوخ يشكل مسجداً لكن لا يدخل إليه أحد تقريباً. في السنة الأخيرة ومع تدهور النزاع، يأتي العديد من رجال الدين المسلمين إلى المنطقة، ويجتمعون مع أولاد وراشدين، ويقيمون صلوات حاشدة.
• بهذه الطريقة وأمام أعيننا حولنا مجتمعاً بدوياً صغيراً إلى مجتمع فلسطيني-إسلامي، ينمّي الكراهية ضد من يريد أن يطردهم من دون سبب واضح. من يريد هدم المدرسة ومنازل السكان سيخلق أيضاً الجيل المقبل من الكارهين.
• وماذا بشأن دولة إسرائيل؟
• الضغط الدولي على إسرائيل آخذ في الازدياد مع استمرار النزاع ومن اتجاهات كثيرة. دول الاتحاد الأوروبي تطالب بالامتناع من إجلاء السكان، والأمم المتحدة تطالب بالامتناع من هدم المدرسة، والصحف العربية المحلية والدولية تتحدث أسبوعياً عن الأحداث، وهناك تهديد بالتوجه إلى المحكمة الدولية في لاهاي. صورة دولة إسرائيل تزداد تدهوراً. وأيضاً أعضاء في الكونغرس طالبونا بالامتناع من الإخلاء.
• ليس هناك أدنى شك في أنه بعد النزاع القانوني المغطى إعلامياً سيكون الإخلاء مستهجناً. سيأتي مئات الناشطين الفلسطينيين والأوروبيين إلى المكان، وستستخدم وسائل الإعلام الدولية الحدث لإظهار العنف الإسرائيلي. آمل بألاّ يصاب أحد، وأنا (وكثيرون غيري) نحاول منع حدوث ذلك. لكن الفرصة ضئيلة. ويتوقع كثيرون أنه في نهاية الأمر سيتأذى كثير من البدو، ولقد شاهدنا قبل بضعة أسابيع كيف يجري اعتقال رجال وشباب منهم.
• هدم مدرسة خان الأحمر وطرد سكانها تحوّلا إلى رأس حربة في نضال البدو والفلسطينيين في المنطقة. يعيش في شمال صحراء يهودا نحو 30 تجمع سكاني، ومن الواضح للجميع أن إخلاء تجمع واحد سيكون له تأثير الدومينو. سكان خان الأحمر ليسوا أول من يخلوَن من منازلهم، لكنهم أول من يجري إخلاؤهم ليس بسبب منطقة نيران [يستخدمها الجيش للتدرب على إطلاق النار]، وليس بسبب بناء مستوطنة ولا بسبب توسيع طريق. إنها المجموعة الأولى التي يجري إخلاؤها من دون سبب واضح للعيان، وستُهدم المدرسة فقط بسبب ضغوطات سياسية نجحت في إقناع محكمة العدل العليا بضرورة الطرد.
• خلال حرب الأيام الستة جرى الإخلاء القسري لكل عرب منطقة اللطرون. كان هناك ثلاث قرى في المنطقة (عمواس، بيت نوبا، ويالو) ولأسباب مختلفة أُخليت. وقد كان الصحافي عاموس كينان شاهداً على الطرد عندما كان جندياً في الاحتياط، وكتب عن الموضوع. هو يصف الطرد والهدم والحزن والجوع والعطش من خلال الكلمات الآتية: "الدجاج والحمائم دُفنت تحت الركام. الحقول كانت تمتد تحت أبصارنا، والأولاد مشوا في الطريق وهم يبكون، وبذلك سيتحولون بعد 19 عاماً إلى فدائيين في الجولة المقبلة. هكذا خسرنا في ذلك اليوم الانتصار". بهذه الطريقة نؤذي الديمقراطية، ونشوّه الواقع، ونخلق أعداء جدداً.
• هدم بلدة بدوية صغيرة مؤلفة من 30 عائلة ومدرسة مصنوعة من الإطارات والطين هو بمثابة مسمار آخر في نعش الديمقراطية الإسرائيلية.

 

المزيد ضمن العدد 2931