معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
أثار "قانون القومية" نقداً متوقعاً من جانب أوساط المجتمع العربي. صدرت ردود فعل احتجاجية من جانب جميع القوى السياسية المركزية، غير أن الجمهور العربي لم يتجند في حركة احتجاجية جدية وواسعة في هذا الشأن. حتى أن ما خُطط له أن يكون تظاهرة احتجاجية جماهيرية في تل أبيب، بمبادرة من "لجنة المتابعة العليا"، لم يخلق واقعاً جديداً. وكشفت محاولة "لجنة المتابعة" طرح توجه معارض عن الشروخ في داخل القيادة العربية، وأبرزت - بشكل خاص - ضبط النفس النسبي الذي أبدته "القائمة العربية المشتركة". فالانطباع الذي ولدته هو أن هذا القانون لا يشكل، من وجهة نظرها، نقطة تحول في السياسة الحكومية المعتمدة خلال السنوات الأخيرة وأن اعتماد توجه هجومي مبالغ فيه قد يعيق استمرار التعاون مع الحكومة في مسألة تطبيق "الخطة الخمسية". لكن الأمر لم يكن كذلك لدى الطائفة الدرزية، التي رأت في القانون فرصة لتجديد شرعية مكانتها الخاصة، إلى جانب تحصيل امتيازات اقتصادية في المجالات الحيوية بالنسبة لها.
- أثار إتمام تشريع "قانون أساس: إسرائيل - الدولة القومية للشعب اليهودي" ("قانون القومية"، باختصار)، كما كان متوقعاً، انتقادات حادة في المجتمع العربي في إسرائيل. وقفت القوى السياسية العربية ضد ما اعتبرته مساً مباشراً بها وبمبدأ المساواة المدنية. وكان أول من ندد بالتشريع الجديد أعضاءُ الكنيست من "القائمة العربية المشتركة"، الذين قاموا، خلال التصويت على القانون، بتمزيق الأوراق التي كُتب عليها نص القانون. ونشر عضو الكنيست جمال زحالقة (التجمع الوطني الديمقراطي) تغريدة رفض فيها القانون وضمّنها رسمة بألوان العلم الفلسطيني هي عبارة عن خارطة "فلسطين التاريخية"، من دون إشارة إلى دولة إسرائيل، ودعا إلى إعلان الإضراب العام. وتوجه عضو الكنيست يوسف جبارين (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) إلى اتحاد البرلمانات الدولي مطالباً باتخاذ إجراءات ضد دولة إسرائيل. ونشر الشيخ كمال خطيب (القائد الفعلي للحركة الإسلامية - الجناح الشمالي) شريطاً مصوراً أشار فيه إلى أن القانون يكشف وجه إسرائيل الحقيقي ويثبت أن جوهر الصراع هو صراع ديني. كما طرح الادعاءَ بأن القانون يجسد الفصل العنصري عددٌ من المثقفين العرب الفلسطينيين، من بينهم بروفيسور أسعد غانم، الذي دعا إلى بدء فصل جديد من النضال ضد التمييز، في داخل البلاد وخارجها. في المقابل، طرح عضو الكنيست أيمن عودة، رئيس "القائمة المشتركة"، توجهاً براغماتياً يميّزه شخصياً ويميّز حزبه (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) أيضاً. صحيح أنه استنكر التشريع الجديد (في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي - غالي تساهَل)، لكنه حاذَر من الدعوة إلى اتخاذ إجراءات متطرفة، زدعا إلى تجنب استخدام تعابير استفزازية، وشدّد على الحاجة إلى المساواة المدنية. كانت هذه، كلها، ردود فعل معروفة ومتوقعة تعكس التأكيدات المختلفة التي تشدد عليها الأوساط السياسية المتنافسة بين الجمهور العربي.
- لكن غالبية الجمهور العربي، كما يبدو، لا تبدي تأثراً خاصاً بما يجدده القانون وبإسقاطاته على حياتها. وبالفعل، فقد كانت النشاطات الاحتجاجية الميدانية محدودةً جداً. مظاهرات صغيرة فقط جرت في بعض البلدات العربية، بمبادرة من "لجنة المتابعة العليا". بل إن بعض الجهات السياسية في المجتمع العربي قد عبرت عن خيبة أمل من المشاركة الضئيلة في تلك المظاهرات. على هذه الخلفية، جاءت المبادرة إلى تنظيم التظاهرة التي جرت في تل أبيب (يوم 11 آب)، والتي خُطط لها أن تكون جماهيرية واسعة وخالية من أية صبغة قومية. فعلياً، حتى هذه التظاهرة، التي شهدت مشاركة حاشدة ضمّت عدداً غير قليل من اليهود أيضاً وسُجلت خلالها بعض السمات القومية، لم تُحدث أي تغيير في صورة الوضع العام، الذي يتميز الآن بأنه "لا جديد فيه".
- ينطبق هذا التقييم أيضاً على أولئك الذين قادوا توجهاً أكثر فاعلية: نشاط "لجنة المتابعة العليا" وتصريحات رئيسها، محمد بركة، تدلّ، بالأساس، على توجه أكثر براغماتيةً، كما اعتمدته "القائمة المشتركة" بقيادة عضو الكنيست أيمن عودة، بينما واصلت الأحزاب المختلفة المنضوية تحت لوائها، والمتخاصمة فيما بينها، اتخاذ مواقف تنسجم مع هوية كل منها السياسية. وهكذا، بقيت "القائمة المشتركة" في المؤخرة، بعض الشيء، رغم انضمامها إلى النشاطات الاحتجاجية ومشاركتها فيها. وهكذا تجسدت، مرة أخرى، التوترات الداخلية المعروفة بين القيادات السياسية العربية، على خلفية أزمة العلاقات الشخصية والصراع على الصدارة السياسية، ناهيك عن الموقف المبدئي بشأن الاستراتيجية التي ينبغي اعتمادها في مواجهة الحكومة الإسرائيلية في المرحلة الراهنة بشكل عام، وفي ما يخص قانون القومية بشكل خاص.
- يبدو، في المجمل، وحتى هذه اللحظة تحديداً، أن قانون القومية ومعارضته لم يشكلا حدثاً مؤسساً في الشارع العربي وفي شبكات التواصل الاجتماعي. فسقف المعارضة الواضحة له في المجتمع العربي هو أدنى منه لدى الجمهور اليهودي والأوساط السياسية اليهودية ولدى الطائفة الدرزية. هذه اللامبالاة المنضبطة التي يبديها المجتمع العربي تبرز بشكل خاص على خلفية احتجاج الطائفة الدرزية، التي طرح المتحدثـون باسمهــا – وبينهـم ضبـاط كـبار سابقـون في الجيـش الإسرائيلي - ادعاءات حادة جداً بشأن الفجوة الكبيرة بين ما يقدمه الدروز للدولة وبين تعاملها المستهتر معهم. على هذا الصعيد، يبرز التهديد بإحداث أزمة يحاول رئيس الحكومة تفاديها بواسطة إبداء الاستعداد لتشريع قانون منفرد وخاص لتثبيت مكانة الطائفة الدرزية في إسرائيل، إضافة إلى منحها امتيازات اقتصادية مختلفة. في الأثناء، يبدو أن رؤساء الطائفة الدرزية، الذين يفضلون إعادة تنظيم الوضع على نحو أفضل، يجدون صعوبة في مواجهة الضغوط التي تمارسها عليهم مجموعات أكثر تطرفاً من بين جمهورهم، تركز كل جهودها في محاولة الضغط لتغيير نص قانون القومية بمجمله.
- يمكن التقدير، في هذه المرحلة، بأن قانون القومية لم يهزّ أركان المجتمع العربي في إسرائيل، إذ يُنظر إلى القانون بكونه تعبيراً إضافياً آخر عن السياسة الحكومة تجاهه خلال السنوات الأخيرة. فمن جهة أولى، تعمل الحكومة لدفع وتعميق اندماج الجمهور العربي في الاقتصاد الإسرائيلي وتقليص الفجوات الاقتصادية - الاجتماعية مقارنة بالمجتمع اليهودي، بينما ينظر إليها المجتمع العربي، من ناحية ثانية، بأنها تتخذ إجراءات معاكسة في المجال السياسي - الاجتماعي، تعمق الإقصاء واللا مساواة. ومن هذه الناحية، يمثّل سنّ قانون القومية، في نظرهم، حلقة إضافية أخرى ضمن سلسلة خطوات، من بينها تصريحات تمييزية يطلقها مسؤولون سياسيون كبار، وقوانين تتميز بمعاداة العرب، مثل "قانون منع الأذان"، "قانون النكبة"، و"قانون لجان القبول". ويشكل هذا كله تأطيراً رسمياً للتوجهات الأساسية التي تعتمدها المؤسسة اليهودية تجاه الأقلية العربية.
- ارتأت أوساط بارزة وهامة من بين معارضي الحكومة في المجتمع اليهودي احتضان الطائفة الدرزية بصورة تظاهرية، وهو ما عكس، بصورة واضحة، مدى هامشية المجتمع العربي في جدول الأعمال الاجتماعي في دولة إسرائيل. وفي هذا السياق، يمكن أن نقدّر أن القيادة العربية الرسمية تعتقد بأن اتخاذ موقف معارض حاد ومتحدٍّ ضد الحكومة قد يؤثر سلباً على مساعي تطبيق الخطة الحكومية الخمسية، وربما، أيضاً، بفرص توسيعها من خلال خطة خمسية جديدة أخرى بدأ الحديث عنها في الحكومة مؤخراً، يتم اعتمادها حال انتهاء مدة الخطة الخمسية الحالية في العام 2020. ويبدو أن هذا التوجه الواقعي مقبول من الجمهور العربي الذي يدرك محدوديات الاحتجاج، من جهة، وثمن الخسارة المحتملة في حال اختياره مساراً متطرفاً، من جهة أخرى.
- في المقابل، يعكس الاحتجاج الدرزي نظرة معاكسة لقانون القومية، الذي يُنظر إليه بوصفه إهانة وتعبيراً عن التراجع المستمر في المكانة المميزة التي تتمتع بها هذه الطائفة: فقد نجح الدروز، منذ قيام الدولة، في تمييز أنفسهم عن المجتمع العربي في إسرائيل، في ربط مصيرهم بالهيمنة اليهودية - الصهيونية وفي جني فوائد معينة من ذلك. لكن الربط بين قانون القومية، على ما فيه من دلالات رمزية، وبين خطوات الحكومة الرامية إلى تقليص الفجوات في المجتمع العربي - الفلسطيني، ولّد لديهم شعوراً بأنّ ثمة خطراً يتهدد مكانتهم المختلفة، المميزة والمفضلة. ويقدّر الدروز، كما يبدو، أنهم يتمتعون (خلافاً للعرب) بمكانة تؤهلهم لتحويل حملتهم الاحتجاجية الحقيقية إلى رافعة لتحقيق بعض الامتيازات الحيوية في قضايا حيوية بالنسبة لهم، وخاصة في مجال الأراضي والبناء. وتعود خلفية خلافات الرأي والتوترات في داخل الطائفة الدرزية، كما يبدو، إلى خشية القيادة التقليدية من أن الدعم الذي تحظى به الطائفة، بين الأغلبية اليهودية، من جانب أوساط معارِضة للحكومة، قد يسيء إلى الطائفة ويمسّ بمصالح أخرى توليها أهمية كبيرة، وخاصة على صعيد السياسة الإسرائيلية تجاه الدروز في سورية. بينما يرى آخرون، من بين القيادات الشابة والمثقفين وخريجي الأجهزة الأمنية أساساً، ضرورة اعتماد نهج أكثر حزماً، كجزء من صراع الأجيال على قيادة الطائفة مستقبلاً.
- خلاصة القول إن النضال السياسي ـ الاجتماعي ضد قانون القومية لا يزال في بداياته ومن الصعب التكهن بتطوراته اللاحقة وبما سيؤول إليه. الأشهر القريبة المقبلة. خلال عطلة الكنيست الشتوية، ستتاح الفرصة لتهدئة الأجواء والبحث عن حلول، اقتصادية بالأساس، للضائقة التي يعاني منها الدروز. أما في سياق علاقة المجتمع اليهودي والحكومة الإسرائيلية مع الجمهور العربي، فمن المشكوك فيه أن يكون لقانون القومية تأثير جدي وعميق على السيرورات الأساسية التي نشهدها خلال السنوات الأخيرة. إذا ما تم التوصل إلى تسوية ما على صعيد العلاقة مع الدروز، وإن تم تثبيتها بواسطة قانون خاص بالتأكيد، بما يترتب على ذلك من منحهم امتيازات اقتصادية وازنة، فسيؤدي هذا بالطبع إلى تعميق الفجوة بين مكانة الدروز ووضع العرب وإلى تعميق الشعور بالاغتراب داخل الأقلية العربية ـ الفلسطينية.
في واقع كهذا، من المهم أن تعمل الحكومة، سوية مع القيادات العربية، من أجل ضمان التطبيق الكامل للخطة الخمسية الأولى والاستعداد لإقرار وتبني خطة خمسية أخرى، جديدة وموسعة، توفر حلولاً للقضايا التي لم تحظ بحلول ضمن الخطة الأولى. وهذا كله بغية تقليص الفجوات العميقة بصورة فعلية. ردود الفعل المنضبطة التي صدرت عن الأقلية العربية - الفلسطينية على قانون القومية من شأنها، ومن الضروري، أن تساعد في تعزيز شراكة المصالح بين الأغلبية والأقلية، وهي تتمحور في المجال الاقتصادي بصورة أساسية.