دور قطر من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة بين إسرائيل و"حماس"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "الدول العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية بقطر لم تفعل ذلك بسبب إسرائيل ولا بسبب القضية الفلسطينية، بل بسبب خوفها من الإرهاب الإسلامي المتطرف"، هكذا شرح أفيغدور ليبرمان الحظر الذي فرضته السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة على قطر في حزيران/يونيو 2017. و قد حذر بنيامين نتنياهو أيضاً من أن قطر هي دولة تؤيد الإرهاب، وحتى شمعون بيرس قال قبل 4 سنوات إن قطر مصدّرة للإرهاب.
- لكن قطر، حليفة إيران وتركيا، تحظى اليوم بعملية إعادة اعتبار بعد موافقة إسرائيل ومصر على أن تتحمل هي دفع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين في غزة. وهي أيضاً التي تتوسط في صفقة إعادة جثمانيْ الجنديين والمواطنيْن الإسرائيليين المأسورين. وبينما ترفض إسرائيل الكلام عن الاتفاق الآخذ في التبلور مع "حماس" وتكذّب حدوث مفاوضات بينها وبين الحركة، لبس هناك من يطرح السؤال: لماذا وافقت إسرائيل على أن تكون قطر شريكة. والظاهر أنه عندما تتغلب الحاجة السياسية والعسكرية فإن خطوطاً أساسية صارمة للغاية يمكن أن تتكشف عن مرونة لا تصدق.
- لكن قصة قطر أكثر تعقيداً من استعدادها لتمويل الجزء الأول من الاتفاق مع "حماس". فقد تحولت قطر منذ وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى دولة معادية في نظر مصر على خلفية تأييدها الإخوان المسلمين وبسبب الانتقادات التي بثتها قناة الجزيرة التي تملكها ضد "الانقلاب العسكري" الذي قام به السيسي. وحتى الآن لم تعترف قطر بشرعية حكمه، وعندما فرضت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حظراً عليها سارعت مصر إلى الانضمام إليهما وفرضت حظراً جوياً على قطر على الرغم من وجود 300 ألف مصري يعملون في أراضيها.
- تعتبر السعودية قطر عميلة لإيران في الشرق الأوسط العربي، بالإضافة الى ما تعتبره المملكة "تدخلاً قطرياً في الشؤون الداخلية للدول العربية"، والمقصود بهذا الكلام المساعدة التي تقدمها قطر إلى "حماس" والميليشيات السنية الراديكالية التي تعمل في سورية. وهكذا أيضاً فيه دولة الإمارات العربية المتحدة التي هي من جهة تسمح للشركات الإيرانية بالعمل في أراضيها ومن جهة ثانية انضمت إلى فرض الحظر على قطر بسبب علاقاتها الوثيقة بإيران.
- مع فرض الحظر تحولت إيران وتركيا إلى الدولتين اللتين تزودان قطر بالبضائع وأتاحتا لها الالتفاف على الحظر الجوي الذي فرضته دول الخليج. وعندما قرر الرئيس ترامب الخروج من الاتفاق النووي أوضحت قطر أنها لن تسمح لقوات أجنبية بمهاجمة إيران من أراضيها، وأنها لا تنوي الانضمام إلى العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران.
- قطع العلاقات بين قطر ودول الخليج ومصر دفع إسرائيل الى التفكير في أنها أصبحت مقبولة كعضو أيضاً غير رسمي وفاعل في الائتلاف العربي ضد إيران. القاسم المشترك المعادي لإيران بين دول الخليج، وإسرائيل، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى العداء الشديد بين السعودية وحزب الله الذي دفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى إجبار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على تقديم استقالته، وتدخُّل إيران وحزب الله في الحرب في اليمن ضد السعوديين ودولة الإمارات العربية المتحدة، كل ذلك خلق انطباعاً في إسرائيل أن دول الخليج الأساسية على وشك عقد اتفاق سلام معها. صحيح أنه على الورق تنقسم الائتلافات في الشرق الأوسط بين دول مؤيدة للغرب مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ومصر، وبين الدول المؤيدة لإيران مثل العراق ولبنان وعُمان (التي تعتبر نفسها دولة على الحياد)، وقطر وتركيا.
- لكن داخل هذا الخليط وجدت واشنطن نفسها في وسط الدوامة. من جهة هي حليفة مهمة للسعودية، وهي التي تقود سياسة معادية لإيران في العالم إلى جانب إسرائيل. ومن جهة أُخرى، توجد في قطر أهم قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في البداية حاول ترامب التوسط بين قطر وخصومها، لكن كما في نزاعات أُخرى، فشلت جهوده. لم تقف قطر مكتوفة الأيدي بل بدأت بحملة لتعزيز مكانتها في العالم وخصوصاً في الولايات المتحدة، فالتقى ممثلون عنها ليس فقط كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، بل أيضاً زعماء الجالية اليهودية. لقد أدركت قطر أن عليها أن تتبنى علاقاتها بالجالية اليهودية ولاحقاً بإسرائيل من أجل ضمان علاقة وطيدة بالإدارة الأميركية وضمان تأييدها.
- في المقابل، التعهدات الإسرائيلية بالتنسيق والتعاون العسكري مع مصر وضعت إسرائيل في مواجهة معضلة أُخرى. قطر بحسب التعريف الإسرائيلي دولة تؤيد الإرهاب، لكنها أيضاً يمكن أن تساعد في إعادة جثماني الجنديين والأسيريْن الإسرائيليين. وقطر خصم للسعودية، لكنها أيضاً تحظى برعاية أميركية.
- علاوة على ذلك، تفرض المفاوضات مع "حماس على وقف إطلاق النار وعلى "تسوية" وجود طرف يمول رواتب الموظفين في غزة، بعد رفض محمود عباس تحويل الرواتب من ميزانية السلطة. كان يمكن أن تكون السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هما العنوان الطبيعي، وكانت الإمارات أعلنت قبل نصف عام تخصيص نحو 15 مليون دولار شهرياً لدفع الرواتب، وكانت مستعدة لتمويل إقامة محطة توليد للطاقة. لكن تمويل الإمارات كان مشروطاً بتشكيل مجلس مدني في غزة إلى جانب "حماس" يترأسه محمد دحلان، وكانت مصر شريكة في هذه التسوية.
- في نهاية الأمر لم يتم التوصل إلى اتفاق على ذلك مع "حماس" والتمويل لم يصل. قبل أسبوعين، وعندما اتضح أن قطر قد تتولى مسؤولية التمويل، طلبت السعودية والإمارات من مصر عدم إعطاء قطر موطىء قدم في غزة، لكنهما لم يقترحا بديلاً آخر. وكان واضحاً لإسرائيل أنه من دون تمويل لا يمكن لاتفاق التهدئة أن يحدث، وتوصلت إلى اتفاق سريع مع مصر بأن تكون قطر صندوق المال الذي يمول النشاطات الجارية، على أن تُعرّف مساعدتها بأنها "مساعدة للمدنيين في غزة" وليس كمساعدة لـ"حماس".
- لا يوجد في السلطة الفلسطينية من يصدق هذا التعريف، وبدأت قطر تتعرض في اليومين الأخيرين لانتقادات حادة كونها خانت القضية الفلسطينية وأنها تدفع قدماً بصفقة القرن التي يقترحها ترامب من خلال القناة الغزاوية. ثمة شك في أن مساعدة "حماس" ستدفع قدماً بالعملية السياسية، لكن يمكنها أن تساعد في تحقيق التهدئة المدنية المطلوبة من أجل تحقيق وقف إطلاق النار.
مع ذلك، ليس واضحاً ما هي آليات الرقابة على تحويل الأموال وحجم هذه الأموال. ويبدو أنه في ضوء المصلحة الإسرائيلية والمصرية في التهدئة على الحدود مع غزة، ومواصلة فصل غزة عن الضفة، وهما مسألتان كانتا دائماً في مركز الصراع ضد "حماس" قد صارتا مسألتين ثانويتين.