عودة نظام الأسد إلى هضبة الجولان
تاريخ المقال
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- توشك الحرب الأهلية في سورية على الانتهاء. قوات بشار الأسد، التي توقّع وزير الدفاع السابق إيهود باراك انهيارها الأكيد بعد نشوب الثورة السورية في ربيع 2011، أصبحت اليوم أقوى و أكثر ثقة بالنفس. ونجح النظام بمساعدة الدعم الروسي الجوي والدعم الكبير للميليشيات التي تدور في فلك إيران، وخصوصاً حزب الله، في فرض سيطرته على ثلثي أراضي الدولة، ودمّر بصورة منهجية قوات المتمردين (وفي الوقت عينه، ذبح مئات الآلاف من المدنيين السوريين الأبرياء).
- مؤخراً سيطر النظام على هضبة الجولان كلها، بدءاً من منطقة دمشق وصولاً إلى الحدود الأردنية في الجنوب والحدود الإسرائيلية في الغرب. آلاف السكان المحليين فروا في اتجاه السياج الحدودي مع إسرائيل التي، بدورها، قدمت لهم المساعدة من خلال توفير الغذاء والدواء، وحتى نقلت لاجئين مدنيين إلى الأراضي الأردنية، وبذلك أنقذتهم من موت محتم.
- من المثير للاهتمام أن التطورات الأخيرة حدثت بعد مشاورات سرية مع إسرائيل. ففي منتصف تموز/يوليو، زار وزير الخارجية الروسي إسرائيل يرافقه رئيس أركان الجيش ومجموعة من كبار الضباط من أجل تنسيق روسي - إسرائيلي للعمليات العسكرية في سورية. وهذا يمثل خطوة متقدمة في الحوار الإسرائيلي - الروسي المستمر بشأن النزاع في سورية. وقد جرى التوصل إلى تفاهم يتعلق بإعادة انتشار الميليشيات الدائرة في فلك إيرن ومستقبل وجودها في سورية.
- منذ سنوات تخوض إسرائيل حملة واسعة ضد تمركز طهران العسكري في سورية، سواء بواسطة الميليشيات الشيعية أو من خلال تزويد حزب الله بمنظومات سلاح متقدمة. والرد الإيراني الضعيف على مئات الضربات الجوية الإسرائيلية (غير المعلنة) خلال هذه الفترة هو بالتأكيد مؤشر إلى عدم قدرتها على مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.
- في الأشهر الأخيرة تصاعدت الحملة وتطورت إلى مواجهة مباشرة بين القدس وطهران أخذت شكل ضربات متبادلة بين الجيش الإسرائيلي وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي ينشط في سورية قُتل خلالها عشرات الجنود والضباط الإيرانيين. وبينما يؤشر التصعيد إلى استعداد إسرائيل للدخول في مواجهة مباشرة مع طهران من أجل تحقيق هدفها الاستراتيجي أي إنهاء الوجود العسكري في سورية، يبدو أن إسرائيل راضية حتى الآن عن تنفيذ موسكو تعهدها (الذي جرى التوصل إليه خلال محادثات جرت بين بوتين ونتنياهو) على إبعاد هذا الوجود العسكري عن الحدود مع إسرائيل.
- في الوقت عينه، فإن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم سنة 2015 وإعادة فرض العقوبات الدولية يمكن أن يلجما توسّع طهران الإقليمي ويدفعاها إلى إعادة درس وجودها العسكري في سورية. كما يمكن أيضاً أن يدفع قدماً بعملية تململ داخلي يمكن أن تؤدي إلى سقوط النظام الإسلامي، الأمر الذي يبدو مستبعداً.
- في المقابل، لم يتغلب حزب الله بعد على النتائج الكاملة لتدخله في سورية، والرضى المتكرر لزعيمه حسن نصر الله عن هذه النتائج لا تخفي هذه الحقيقة. وقد اضطر الحزب نتيجة ازدياد المصاعب المالية التي فاقمتها الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الإيراني، إلى تقليص الرواتب التي يدفعها لمقاتليه. ونتيجة ذلك، ومع تصاعد معارضة التدخل في سورية في أوساط اللبنانيين الشيعة، يجد الحزب صعوبة في تجنيد مقاتلين جدد لملء الفراغ في صفوفه. (ما يزال الحزب يملك 100 ألف قذيفة مدفعية وصاروخ يمكنها إصابة أي هدف داخل إسرائيل).
- في ضوء هذه الظروف تُعتبر استعادة نظام الأسد السيطرة على هضبة الجولان السورية مفيدة استراتيجياً لإسرائيل، وخصوصاً في ضوء التفاهم مع موسكو، والموافقة الضمنية لدمشق، بأن الوضع على الحدود الإسرائيلية - السورية سيعود إلى الوضع القائم وفقاً لقرار فصل القوات العائد الى أيار/مايو 1974. خلال الأربعين عاماً التي أعقبت توقيع اتفاقية فصل القوات وحتى نشوب الحرب الأهلية كانت هناك حالة سلام أمر واقع على طول الحدود الإسرائيلية - السورية.
- في ضوء الضعف الذي أصاب القوات السورية المسلحة خلال الحرب الأهلية والدمار الذي حلّ بالشعب السوري، إذ قُتل نحو نصف هذا الشعب أو جُرح أو أصبح لاجئاً، يحتاج الأسد الى التركيز على استعادة قبضته وإعادة إعمار البلد وضمان استمرار حكم الأقلية العلوية الصغيرة. في ضوء هذه الظروف فإن المواجهة العسكرية مع إسرائيل لن تحقق أي أرباح ممكنة، لكن من المحتمل أن تعرّض تعافي النظام الهش للخطر.