"حماس" رأت أن إسرائيل ترتدع عن خوض عملية عسكرية وسمحت لنفسها بالتصعيد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف
  • إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون هذه الليلة على النقب الغربي يثبت مرة أُخرى أن "حماس" ليست مرتدعة. بل على العكس، هي تحاول أن تفرض علينا صيغة ردع خاصة بها. سبب هذا التصرف هو أن دولة إسرائيل نجحت في إقناع "حماس" بأنها ستفعل كل شيء باستثناء أن تضطر إلى إدخال الجيش الإسرائيلي في معركة عسكرية كبيرة إضافية في قطاع غزة. سلوك الحكومة والمجلس الوزاري المصغر في الأشهر الأخيرة، وعمليات الجيش على الأرض، وإجراء المفاوضات مع مصر من خلال رئيس الشاباك ووسائل الإعلام الإسرائيلية، كل ذلك أوضح لزعماء "حماس" بصورة لا تقبل الشك أن إسرائيل مستعدة لأن تستوعب الكثير، فقط كي لا تضطر إلى خوض عملية عسكرية واسعة.
  • هذا الطموح، المحق بحد ذاته، تحول عملياً إلى الهدف الأساسي للاستراتيجيا والتكتيك الإسرائيليين في الفترة الحالية. الحكومة في القدس ورؤساء المؤسسة الأمنية في الكرياه في تل أبيب يصرحان صبحاً ومساء أن هدفهما هو تحقيق تهدئة مستقرة وطويلة الأمد تمنح مواطني النقب الغربي الأمن والشعور بالأمان، وهما يعنيان ما يقولانه. لكن انطلاقاً مما يحدث على الأرض من الواضح تماماً بالنسبة إلى "حماس" أن الهدف الإسرائيلي المباشر هو الحؤول دون "جرف صامد" إضافي أو معركة كبيرة وأطول في القطاع.
  • يجب الانتباه إلى أن الضربات الجوية ونيران المدفعية التي يطلقهما الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة رداً على إطلاق النار على أراضينا موجهة فقط ضد "أرصدة" تابعة للتنظيمات الإرهابية - الذراع العسكرية لـ "حماس" وأحياناً الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. إن ضرب البنى التحتية العسكرية فوق الأرض وتحتها يتسبب بأضرار كبيرة لتنظيمات "المقاومة"، كما يسميها الفلسطينيون، وأحياناً يتسبب بخسائر بشرية، وهذا أمر مؤلم ـ لكن في نظر زعماء الأذرع العسكرية في "حماس" و الجهاد فإن هذا يُعتبر ثمناً محتملاً ومشروعاً مقارنة بالإنجاز العسكري والدعائي.
  • هم يشاهدون في التلفزيون كيف يركض سكان غلاف غزة إلى الملاجىء لدى سماع صفارات الإنذار أكثر من مرة في الليل والنهار، وكيف لا يستطيع سكان النقب الغربي مواصلة حياتهم الطبيعية، ويسمعون في الراديو شكاوى السكان على الحكومة التي لا تفعل شيئاً، ويرون بأعينهم الدخان يتصاعد من الحقول والمحميات الطبيعية التي تحترق داخل إسرائيل، وعلى مئات الأمتار من السياج. في نهاية المطاف، إن مهمة الذراع العسكرية لتنظيم "المقاومة" هي القتال وإلحاق الضرر بالعدو (أي نحن) وأيضاً استيعاب الضربات. هذا طبيعي.
  • بصرف النظر عن المتعة والإثارة الناتجين عن الأذى والمعاناة اللذين يتسببان بهما، وصلت "حماس" إلى الاستنتاح أن استمرار هذا الوضع سيجعل حكومة إسرائيل تخضع للضغط وتضطر إلى الاستجابة لكل مطالبها من دون تقديم أي تنازلات من جهتها. وتدرك "حماس" انطلاقاً من تصريحات رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزراء المجلس الوزاري المصغر ورئيس الأركان أنه لا يوجد تهديد مباشر بنشوب معركة عسكرية كبيرة في القطاع، لذا فهي تسمح للشباب بإشعال عدة حرائق يومياً في غلاف غزة بواسطة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، والأخطر من ذلك هو أنها تواصل تجاه إسرائيل استخدام سياسة ردع تستند إلى معادلة "كل إطلاق نار إسرائيلي يرَد عليه بإطلاق نار (من "حماس" والجهاد)".
  • إن جميع محاولات الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة التوضيح لـ"حماس"، بواسطة الردود الجوية المؤلمة، أن هذه المعادلة غير مقبولة منه (وأنها تؤذي بصورة خاصة قدرة الذراع العسكرية على مواجهة الجيش في المعركة الكبيرة المقبلة، وتؤذي سلطة "حماس" بصورة عامة)، لم تنجح في تغيير سلوك "حماس" هذا، بل على العكس: تستوعب "حماس" الضربات وتواصل طريقها، وعندما تكون الضربات الجوية الإسرائيلية مؤلمة بصورة خاصة، هناك دائماً رئيس الاستخبارات المصري وموفد الأمم المتحدة اللذان يتوسطان لوقف النار قبل أن يصبح الضرر غير محتمل.
  • ليس هذا كل شيء. نتيجة هذا السلوك وصلت "حماس" إلى خلاصة هي أنه في المفاوضات على التسوية البعيدة المدى (هدنة) التي تجريها مع مصر ومع موفد الأمم المتحدة، هي التي تملك الأوراق القوية، على الأقل بشأن كل ما يتعلق بإسرائيل. قيادة الحركة التي اجتمعت في غزة ذهبت بالأمس إلى القاهرة لتبليغ مصر قبولها من حيث المبدأ لمقترحاتها. في هذه الأثناء يتصرف زعماء "حماس" ويتحدثون كأنهم يصنعون معروفاً تجاه إسرائيل من خلال موافقتهم على التهدئة. وهذا هو تحديداً سبب عدم استعدادهم لتقديم أي تنازل مهم.
  • على الرغم من الضائقة الواضحة التي تعانيها "حماس" وسكان غزة، وعلى الرغم من الضعف العسكري الكبير للحركة مؤخراً، فإنها مستعدة للحصول على مساعدة إنسانية ومساعدة لإعادة بناء غزة، لكنها ليست مستعدة لحل سيكون مقبولاً من إسرائيل بشأن إعادة الأسيرين وجثماني الجنديين، ولا بشأن وقف تعاظم قوتها العسكرية. والمثير للاستغراب اعتقاد "حماس" أن إسرائيل ستضغط على أبو مازن لدفع الأموال التي توقّف عن تحويلها إلى القطاع.
  • لقاء ذلك يقترح زعماء "حماس" تهدئة مدة خمس سنوات تخفف من الضائقة الرهيبة التي يعانيها سكان القطاع والحركة نفسها، والأمر الذي لا يقل أهمية السماح لذراعها العسكرية بتعظيم قوتها والاستعداد تحت الأرض وتحضير مفاجآت بحرية وجوية لإسرائيل في المعركة المقبلة. يجري هذا كله في الوقت الذي يعطي فيه المجلس الوزاري المصغر، وبصورة خاصة رئيس الحكومة نتنياهو وكبار المسؤولين في الجيش، انطباعاً واضحاً في وسائل الإعلام أنهم ينتظرون في الأيام الأخيرة وهم يحبسون أنفاسهم موافقة "حماس" أخيراً على التهدئة وطبعاً بشروطها.
  • من المحتمل أن تدفع هجمات الجيش هذه الليلة التي كانت واسعة وأكثر خطورة من الماضي، والتي تواصلت أيضاً في ساعات الصباح، "حماس" إلى إعادة التفكير وتغيير تقديراتها. هل ستفهم "حماس" بعد الليلة الأخيرة ماذا يحاول الجيش أن يلمح إليه طوال الوقت، أن في إمكانه أن يلحق أذى لا يمكن إصلاحه بسلطة "حماس" من دون إرسال الدبابات والمدرعات إلى أزقة غزة.

من اللغة الحربية التي يستخدمها وزير الدفاع يمكن التوصل إلى خلاصة أنه في جولة القتال المقبلة الكبيرة في غزة سيدخل الجيش الإسرائيلي مع الشاباك وسيبقى في القطاع عدة أشهر حتى انهيار سلطة "حماس". يجب أن نعرف أن الأمر لن يكون كذلك بالضرورة. فإخضاع "حماس" يمكن أن يتحقق أيضاً بواسطة استخدام التكتيك وأساليب قتال وبواسطة منصات وسلاح دقيق وناجع يمكن أن يعطي نتائج أسرع. وإذا  كانت هناك حاجة يمكن تكرار استخدام هذا السلاح حتى تدرك زعامة "حماس" أن النموذج الاستراتيجي لإسرائيل وللجيش قد تغير، وأن التسوية تتطلب تقديم تنازلات من جهتهم أيضاً.