تجسيد العلاقات الإسرائيلية - الأميركية في التطورات الأخيرة في الأمم المتحدة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال، العدد 1083

جسدت ثلاثة تطورات حدثت في الأمم المتحدة مؤخراً، مرة أُخرى وبصورة جلية، القيمة الكبرى للعلاقات المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبصورة خاصة مع الإدارة الحالية في البيت الأبيض. لكن، اتضحت في المقابل أيضاً محدوديات هذا الحلف. فإلى جانب الأفضليات الواضحة (وخصوصاً في مجلس الأمن)، يتعين على إسرائيل دراسة السيناريوهات التي لا تساعد هذه العلاقات المميزة في إطارها على دفع مصالحها قدماً أو التي ليس في وسعها تحقيق ذلك، والاستعداد لتقليص الضرر المحتمل على مكانتها في مؤسسات الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي، وذلك بواسطة تعزيز العمل الدبلوماسي وتنمية علاقات صداقة بناءة مع الدول الأوروبية ودول أُخرى.  

  • شهدت الأمم المتحدة، خلال الأسابيع الأخيرة، نشاطاً واسعاً ودينامياً في قضايا تتعلق بإسرائيل، ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول تقليص الضرر قدر المستطاع. في هذا التحليل الذي يشمل ثلاثة تطورات مختلفة شهدتها هذه الحلبة مؤخراً، يجري التشديد على القوة والأهمية، لكن أيضاً على المحدوديات والعقبات المحتملة التي تواجه إسرائيل في إطار علاقتها الثنائية المميزة بالولايات المتحدة.
  • التطور الأول هو نشاط الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، وفي الهيئة العامة للأمم المتحدة، الرامي إلى الدفاع عن إسرائيل في وجه النقد الدولي الذي تتعرض له على خلفية أدائها على الحدود مع قطاع غزة. في مطلع حزيران الأخير، في أعقاب أحداث "مسيرة العودة"، طرحت دولة الكويت على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يقضي بالنظر في اتخاذ "خطوات لضمان أمن الفلسطينيين" والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير عن إجراءات عملية لإنشاء "نظام حماية دولي" محتمل. وعلى الرغم من امتناع أربع دول (بريطانيا، هولندا، بولندا وأثيوبيا) عن التصويت، كان من المرجح اعتماد القرار لولا استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو). كانت تلك المرة الثانية خلال ستة أشهر التي تجسد فيها إدارة ترامب استعداد الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض ضد قرارات تتعلق بإسرائيل في مجلس الأمن. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل استخدام إدارة ترامب حق النقض في قضية تخص إسرائيل لأول مرة، في كانون الأول/ديسمبر 2017، كانت المرة الأخيرة التي اتخذت فيها الولايات المتحدة خطوة كهذه في سنة 2011. على خلفية هذه المساعي حاولت الولايات المتحدة دفع مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد قرار يندد بحركتيْ "حماس" والجهاد الإسلامي، غير أن مسودة القرار لم تحظَ بالتأييد، في إثر معارضتها من جانب ثلاث دول من أعضاء المجلس وامتناع 11 دولة أُخرى.
  • في أعقاب الفشل في اعتماد القرار [الذي قدمته الكويت] في مجلس الأمن الدولي، جرى نقل ساحة النضال الفلسطيني خلال الأسابيع اللاحقة إلى مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تتمتع كل دولة عضو فيها بصوت واحد متساوٍ. وفي إثر ذلك، في منتصف حزيران الماضي، نجحت تركيا والجزائر في تجنيد أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة واعتماد قرار يدعو إلى توفير حماية أكبر للفلسطينيين ويندد بأي استخدام للقوة "المفرطة، غير التناسبية ومن دون تمييز" من جانب الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وخصوصاً في قطاع غزة. وفي سياق تلك الأحداث، يجدر التنويه بالجهود الأميركية الحثيثة والمتواصلة لاقتراح تعديل على نص مسودة القرار يندد بالدور الذي تؤديه حركة "حماس" في قطاع غزة. وعلى الرغم من أن التعديل حاز على تأييد الأغلبية (62 دولة مؤيدة، في مقابل 58 دولة معارضة)، إلاّ إنه أُلغي جرّاء الفشل في تجنيد تأييد بأغلبية الثلثين.
  • أمّا التطور الثاني الذي حدث في الأمم المتحدة مؤخراً فكان قرار الولايات المتحدة الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان. من وجهة النظر الأميركية، يأتي الانسحاب الفعلي بعد سنة واحدة من إعلان إدارة ترامب الصريح عزمها على القيام بذلك إذا لم يُجر مجلس حقوق الإنسان تغييراً في أدائه، وكذلك على خلفية النقد الذي وجّهه هذا المجلس لسياسة إدارة ترامب في قضايا الهجرة. وتنسجم هذه الخطوة تماماً مع النهج الذي تقوده الإدارة الأميركية الحالية تحت شعار "أميركا أولاً" ("America First")، ومع الانسحاب الأميركي من اتفاقية باريس للمناخ ومن "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (يونسكو)، ومن الاتفاق النووي مع إيران مؤخراً.
  • في إعلانها انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، أشارت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، من ضمن ما تطرقت إليه، إلى "تركيزه (المجلس) غير التناسبي والعدائي المتواصل ضد إسرائيل". غير أن المعطيات المستمدة من التجربة العملية تبيّن كيف ازداد تركيز مجلس حقوق الإنسان وعداؤه ضد إسرائيل خلال المقاطعة السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة عليه (في سنة 2006، في إبان رئاسة جورج بوش)، مقارنة بالفترة التي عادت فيها الولايات المتحدة لتؤدي دوراً فاعلاً في هذا المجلس (منذ سنة 2009، في إبان رئاسة باراك أوباما).
  • الفرصة الضائعة التي تنطوي عليها هذه الخطوة، من وجهة النظر الإسرائيلية، تصبح أشد وطأة في أعقاب طوفان المواجهات الكلامية التي حدثت بين سفيرة الولايات المتحدة، هيلي، وبين منظمات حقوق الإنسان، والتي تدل على أن الانسحاب الأميركي قد جاء مباشرة في إثر محاولة مهمة وضرورية (وإن كانت فاشلة) لإجراء إصلاحات جذرية في مجلس حقوق الإنسان. واتضح، في نهاية الأمر، أن الحاجة إلى إصلاح مسارات عمل مجلس حقوق الإنسان، وليس فشل المحاولة العينية الحالية، هي التي يجب أن تكون القوة المحرّكة لخطوات الولايات المتحدة وإسرائيل العملية حيال هذا المجلس. وريثما يتم تحقيق مثل هذا الإصلاح، كان يمكن لتوجه أميركي بنّاء أكثر يتمثل في تبني التهديد البريطاني: التصويت ضد مجمل قرارات مجلس حقوق الإنسان المستندة إلى المادة السابعة (المادة الوحيدة في جدول الأعمال خلال لقاءات المجلس السنوية الثلاثة الدائمة التي تتطرق إلى دولة محددة، بما يشكل تمييزاً سلبياً ضد إسرائيل)، ثم تجنيد دول إضافية أُخرى للتصرف بصورة مماثلة.
  • أمّا التطور الثالث فكان إعلان انسحاب إسرائيل من المنافسة لانتخاب الأعضاء الجدد في مجلس الأمن الدولي، والذي جرى في شهر حزيران الماضي. فالمقاعد في هذه الهيئة المرموقة المهمة يجري تخصيصها وفق مفتاح مجموعات إقليمية، يُخصَّص اثنان منها لمجموعة دول WEOG ("أوروبا الغربية ودول أُخرى") ويجري انتخابهما مرة كل سنتين. وبفضل الدبلوماسية الأميركية والجهود الكبيرة التي بذلها سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك عشية بدء القرن الجديد، في سنة 2000، تم قبول إسرائيل في عضوية هذه المجموعة من الدول.
  • مع أنه لا يتوفر أي توثيق رسمي لما سيلي، إلاّ إنه مع قبول إسرائيل في مجموعة دول WEOG، تم تحديد سنة 2018 (أي، بعد نحو عقدين من الزمن من ذلك الوقت) بأنها السنة التي سوف تمثل فيها إسرائيل (إلى جانب بلجيكا) مجموعة الدول هذه في عضوية مجلس الأمن الدولي. وثمة تأكيد لهذه الفكرة في التقارير التي أعقبت انتخابات مجلس الأمن في سنة 2016، والتي تشير إلى أن إسرائيل قد لمّحت إلى نيتها خوض المنافسة في الجولة المقبلة. ويجدر التنويه هنا إلى أن تقليد تخصيص المقاعد من قبل وبين الدول في مجموعة معينة (خلافاً للمنافسة على المقاعد في الانتخابات) ليس استثناء، بل هو تقليد متبع يضمن فوز كل دولة من المجموعة بعضوية المجلس بصورة دورية.
  • أبرزت التقارير الإعلامية أن من أسباب سحب إسرائيل ترشيحها لعضوية مجلس الأمن الدولي قرار ألمانيا، في اللحظة الأخيرة، خوض المنافسة، وهو ما جعل فرص انتخاب إسرائيل تؤول إلى الصفر. يمكننا اقتراح تفسيرين قد يجيبان عن السؤال عن سبب قرار ألمانيا المفاجئ خوض المنافسة على مقعد في مجلس الأمن على حساب إسرائيل، على الرغم من أنها ستصبح بعد الانتخابات عضواً في مجلس الأمن الدولي للمرة السادسة، وعلى الرغم من اتفاقيات سابقة وإن لم تكن رسمية، قضت بألاّ تخوض المنافسة في مقابل إسرائيل. التفسير الأول متجذر في منهج الواقعية السياسية: احتمال تنازل دولة ما طوعياً عن قوة وتأثير في الحلبة الدولية، حتى وإن كانت قد عبّرت عن استعدادها لذلك بصورة غير رسمية قبل عقدين من الزمن، هو احتمال ضئيل جداً. لكنّ التفسير البديل يقول إن ألمانيا أرادت بذلك التعبير عن احتجاجها على الحلف الوثيق بين إسرائيل وإدارة ترامب في قضايا مختلفة، في مقدمها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. بكلمات أُخرى، قد يكون قرار ألمانيا منع إسرائيل من الفوز بمقعد في مجلس الأمن الدولي من دون منافسة ردة فعل على المعارضة الشديدة التي أبدتها إسرائيل للاتفاق النووي مع إيران وعلى محاولات إسرائيل العلنية حث الرئيس ترامب على الانسحاب منه، وهو ما اعتبرته ألمانيا مسعى ناشطاً ضد المصلحة الأوروبية.

عند ربط هذه التطورات الثلاثة في الأمم المتحدة معاً - وجميعها حدثت في الأسابيع الأخيرة - يظهر تجسيد جليّ للثروة الاستراتيجية التي تمنحها العلاقات المميزة للإدارة الأميركية الحالية بدولة إسرائيل، إلى جانب محدوديات هذا الحلف. فإلى جانب الأفضليات الواضحة (وبصورة خاصة في مجلس الأمن الدولي)، يتعين على إسرائيل النظر في سيناريوهات لا تساعد هذه العلاقات المميزة في إطارها على دفع مصالحها قدماً، أو التي ليس في وسعها تحقيق ذلك، ثم الاستعداد لتقليص الضرر المحتمل على مكانتها في مؤسسات الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي، بواسطة تعزيز العمل الدبلوماسي وتنمية علاقات صداقة بنّاءة مع الدول الأوروبية ودول أُخرى.