هكذا تقضي إسرائيل على التعليم العالي الفلسطيني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في هذه الأيام التي ينهي فيها الطلبة الإسرائيليون امتحانات نهاية السنة الجامعية، لا يعرف الطلاب الفلسطينيون في المناطق المحتلة إذا كانت سنة التعليم القادمة في مؤسساتهم ستبدأ، وإذا كان المحاضرون الموجودون هناك سيواصلون تدريسهم؟ عشرات المحاضرين من جنسيات أوروبية وأميركية يُطرَدون في هذه الأيام. نحو نصف المحاضرين الأجانب الذين يدرّسون في الجامعات الفلسطينية وصلهم تبليغ في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يقضي برفض طلب تمديد تأشيراتهم. لأنهم "يقيمون بالمنطقة منذ أكثر من خمس سنوات".

•بالإضافة إلى ذلك، يُطلَب من زوج أو زوجة المحاضرين الأجانب توقيع تعهد بعدم نيتهم العمل. ومن أجل التأكد من التزامهم بالتعهد يُطلب منهم دفع مبالغ تتراوح بين 20-80 ألف شيكل، تصادَر إذا تأكد أنهم عملوا على الرغم من المنع. وليس المقصود جامعات غزة، حيث يعيش المحاضرون والطلاب تحت الحصار وليس في إمكانهم الخروج أبداً، بل المقصود هو محاضرون أجانب لايحق لهم الدخول إلى الضفة الغربية.

•هذا العام أُتيح لي أن أدرّس في الجامعة العبرية طلاباً فلسطينيين وإسرائيليين، وأيضاً طلاباً من البيرو، وكينيا، وقبرص، وكندا واليونان. خلال السنة الدراسية الجامعية،كما في كل السنوات، عُقدت في الجامعة ندوات دولية بمشاركة باحثين من الخارج. في مقابل ذلك، عشرات الطلاب والمحاضرين من الخارج الذين يرغبون في الدراسة والتدريس في الجامعات الفلسطينية يتم توقيفهم على الحدود ويُطرَدون. 

•لورا فيك وزوجها البروفسور روجر هيكوك، هما من الذين اضطروا إلى المغادرة بعد 35 عاماً من البحث والتدريس في جامعة بير زيت، لأن تأشيراتهم لم تمدَّد. فيك هي باحثة مختصة في طب الأطفال، وهيكوك بروفسور في تاريخ أوروبا، وأحد مؤسسي مركز الدراسات الدولية في جامعة بير زيت. وصف هيكوك في رسالة علنية نشرها على الشبكات الأكاديمية الدولية كيف تحول هو وزوجته إلى "غير شرعيين". حدث هذا لدى عودتهما من زيارة لبلدهما في الولايات المتحدة. حصلا في المطار على تأشيرة سياحية لمدة أسبوعين، وقيل لهما إن عليهما تمديدها لدى السلطات العسكرية. وصف أيضاً محاولاتهما الكفكاوية الدخول إلى المعسكر العسكري في بيت إيل من أجل تمديد التأشيرة، والاتصالات الهاتفية والفاكسات التي لم يجرِ الرد عليها طوال أشهر، وهو أمر يبعث على الحزن واليأس. 

•يشكل وجود باحثين دوليين في الجامعات وقتاً طويلاً معياراً دولياً من أجل التصنيف الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي. من دون هذا الوجود تعاني الجامعة جرّاء ما يسمى عزل المعرفة في غيتو. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجزء الأكبر من المحاضرين الذين يجري طردهم في هذه الأيام هم فلسطينيون درسوا في الولايات المتحدة أو في أوروبا، وجزء منهم وُلد في المناطق المحتلة وذهب للدراسة في الخارج. وبينما تبذل إسرائيل جهوداً كثيرة وتستثمر الملايين من أجل "عودة أكاديميين" إسرائيليين يدرّسون في الخارج، تضع الصعوبات في طريق دخول محاضرين فلسطينيين تعلموا ودرسّوا في الخارج، ولاتسمح لهم بالتدريس في الجامعات الفلسطينية أكثر من 5 سنوات. إن طرد المحاضرين الفلسطينيين الذي يمنعهم من الاستمرارية ومن تطوير مهنتهم الأكاديمية في المناطق سيؤدي طبعاً إلى التدمير البطيء للجامعات الفلسطينية.

•في جامعة بير زيت المطلوب من جميع الطلاب دراسة فلسفة وتاريخ أوروبا. وهذه هي الجامعة الأولى في الشرق الأوسط التي أنشأت برنامجاً للدراسات النسوية. لكن الطلاب والطالبات الذين يشكلون نصف عدد الطلاب الإجمالي، ليس لديهم إمكانات الذهاب للدراسة في الخارج، ويجري طرد الأساتذة الذين يدرّسون الإنكليزية والتاريخ الأوروبي أو الأميركي، ودراسة الثقافة والأدب الأجنبي. خلال الانتفاضة الأولى أغلق الجيش الإسرائيلي الجامعات لسنوات، والمدارس والروضات لأشهر طويلة، وتسبب بما يسمى "الجيل الضائع". إنه الجيل الذي تضررت عملية تعليمه بصورة كبيرة، والذي منه يمكن أن ينمو مجرمو اليوم.

•هل تريد إسرائيل أن تخلق مزيداً من أجيال فلسطينية ضائعة لا يحق لها الدراسة العليا ولا التعرّف على أفكار ومعرفة أجنبيتين؟ هل تدمير التدريس العالي في المناطق [المحتلة] يدفع قدماً بإسرائيل؟ وبعد العنف والبيروقراطية اللذين تنتهجهما، هل ستفرض إسرائيل قيوداً مشابهة على الطلاب الجامعيين الإسرائيليين؟