ترامب يخلي ساحة الشرق الأوسط لروسيا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•في السنوات الأخيرة عادت روسيا إلى الشرق الأوسط بكامل قوتها، ويبدو أن احتمال أن تحل محل الولايات المتحدة كالقوة العظمى القائدة في المنطقة معقول. ساهم في النجاح الروسي تضافر دبلوماسية ناجعة مع بيع سلاح ومفاعلات النووية لدول المنطقة من إيران وصولاً إلى المغرب. كما ساهم ضعف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في ظل إدارة أوباما والفوضى الشاملة السائدة منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في تعزيز مكانة روسيا.

•في أساس مقاربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجد الرغبة في أن تستعيد بلاده مكانتها كقوة عظمى عالمية قائدة. لكن المشكلة أن روسيا لا تستطيع أن تتنافس مع الولايات المتحدة ومع دول الغرب على الصعيد الاقتصادي، وأن قوتها أيضاً على الصعيد السياسي محدودة. وهي تستطيع أن تقدم إلى الأنظمة الراغبة في التقرب منها سلاحاً وتكنولوجيا نووية وطاقة.

•الشرق الأوسط هو أحد المناطق الرئيسية التي لدى روسيا إمكانية تحقيق تطلعاتها.  في السنوات الأخيرة كانت دول الشرق الأوسط هي المسؤولة عن أغلبية صفقات السلاح في العالم، وهي تتنافس فيما بينها على شراء مفاعلات نووية. استعداد موسكو لبيع سلاح ومفاعلات لدول المنطقة وأيضاً اقامة علاقات طبيعية مع دول معينة يمنحانها مكانة خاصة في الشرق الأوسط ليس لديها مثلها في أغلبية  العالم. 

•من خلال توظيف بسيط، سربان من الطائرات فقط، رجّحت روسيا الكفة في الحرب في سورية. وساعدت في استقرار نظام الأسد، ودافعت عنه عندما اتُهم باستخدام سلاح كيميائي، على الرغم من  الأدلة القاطعة على قيامه بذلك. 

•تترك روسيا لإيران والميليشيات التابعة لها أن تنزف في القتال البري، بينما هي نفسها لم تدفع تقريباً ثمن تدخلها. وهي بذلك سخرت من مخاوف باراك أوباما من الغرق في الوحل السوري. روسيا هي اللاعب الوحيد الذي يقيم علاقات مع كل الأطراف في سورية. لذا ربما هي الوحيدة المؤهلة للتوصل إلى تسوية للأزمة هناك ومنع مواجهة بين إيران وإسرائيل. لقد ضمنت روسيا وجودها في القاعدة الجوية حميميم والقاعدة البحرية في اللاذقية. ونصبت منظومة دفاع جوي متطورة من طراز S-400 وS-300 للدفاع عن هاتين القاعدتين.

•استمال بوتين أيضاً مصر إلى جانبه بعد أربعة عقود كانت مصر فيها تتماهى بصورة مطلقة مع الولايات المتحدة. واستغل الغضب المصري على واشنطن كي يعمق علاقاته مع القاهرة. وتجددت العلاقات العسكرية بين روسيا ومصر وأُبرمت مع القاهرة صفقات شراء نحو 50 طائرة ميغ-29، وعدد مواز من الطوافات الحربية، وصواريخ S-300. واستؤنفت التدريبات العسكرية المشتركة، كما تتعاون الدولتان في ليبيا. 

•في العام الماضي وقعت روسيا صفقة لتزويد مصر بأربعة مفاعلات روسية للطاقة. كما عمقت روسيا علاقاتها أيضاً مع السعودية التي كانت على الدوام تحت مظلة أمنية أميركية. في السنة الماضية زار روسيا للمرة الأولى العاهل السعودي سلمان وولي العهد الشاب محمد بن سلمان. وجرى توقيع صفقات لبيع صواريخ S-400  للسعودية وصواريخ مضادة للدبابات، واتفق على قيام تعاون نووي بين الدولتين، تمهيداً للمشاركة الروسية في مناقصة لإقامة أول مفاعلين في السعودية. وبدأت الدولتان، اللتان تنتجان معاً حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي في الاستثمار في مشاريع مشتركة في مجال الطاقة وتنسيق خطواتهما من أجل تقليص الإنتاج ورفع أسعار النفط في السوق العالمي.   

•لروسيا علاقات استراتيجية مع إيران منذ عقود. يمنع قرار مجلس الأمن استنئاف بيع السلاح لإيران حتى سنة 2020، لكن تجري محادثات بشأن صفقة بيع طائرات حربية، ودبابات ومدافع روسية إلى إيران. لقد زودت روسيا الإيرانيين بصواريخ S-300. وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتجدد فرض العقوبات، أصبحت طهران أكثر اعتماداً على موسكو وتعمق التعاون الاستراتيجي والاقتصادي بينهما.

•اشترت تركيا من روسيا منظومة S-400 على الرغم من احتجاج شركائها في حلف شمال الأطلسي. وأيضاَ المغرب والبحرين وقطر مهتمة بهذه المنظومات. ووقعّت روسيا صفقة سلاح كبيرة مع دولة اتحاد الإمارات العربية، وووقعت مع تونس اتفاقاً للتعاون النووي. وتسعى روسيا لإزاحة الولايات المتحدة من لبنان وتقترح على بيروت صفقة سلاح كبيرة بفائدة صفر. وتتنافس شركات روسية للحصول على مناقصات للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية. يصل سلاح روسي إلى حزب الله، كما يبدو من طريق سورية أو إيران من دون أن تبذل موسكو جهداً واضحاً لمنع انزلاقه.

•بالإضافة إلى تعميق العلاقات مع الدول العربية تنجح موسكو في تأسيس علاقات عميقة مع إسرائيل. تمركز إيران في سورية واحتمالات وقوع مواجهة إسرائيلية مباشرة معها ومع حزب الله يعتمد حالياً إلى حد بعيد  على موسكو. ونظراً إلى كونها القوة العظمى الوحيدة التي تقيم علاقات استراتيجية مع إيران فإن الأزمة بشأن الموضوع النووي الإيراني من شأنه أن يمنح روسيا دوراً خاصاً في المساعي الرامية إلى استئناف المفاوضات معها. وليس عبثاَ أن يجتمع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع بوتين في موسكو مرة كل بضعة أشهر.

•الولايات المتحدة هي الحليفة الاستراتيجية لإسرائيل، لكنها قلصت دورها، وإسرائيل أصبحت تابعة أكثر فأكثر لموسكو. هناك تقارير متضاربة بشأن الاستعداد الروسي للأخذ في الحسبان حاجات إسرائيل الأمنية. إن ترامب جاء كي يفرض نظاماً عالمياً يخلي ساحة الشرق الأوسط أمام روسيا وإيران.