معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
بينما يتخوف كثيرون، وعن حق، من سباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط ويتمحور جدول الأعمال الإقليمي والدولي على هذا المجال، فإن المنطقة نفسها هي الآن في ذروة السباق على التسلح التقليدي. وكميات ونوعيات السلاح التي يمكن أن تصل إلى المنطقة قد تمس بالتفوق العسكري النوعي الإسرائيلي. الدافع وراء عمليات الشراء له علاقة بصورة خاصة بالتخوف من إيران، وبالسباق الداخلي - الإقليمي، وبرغبة الدول العربية وفي طليعتها دول الخليج، في التموضع كأطراف لها مكانة واعتبار.
توجهات في تعاظم القوة الإقليمية
•بحسب الأرقام التي نشرها معهد SPRI [معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام]، ارتفع الحجم المالي لتصدير السلاح إلى الشرق الأوسط نحو 103% في الفترة 2013-2017 مقارنة بالفترة 2008-2012. فالسعودية ومصر (أكبر دولتين تشتريان السلاح من ضمن خمس دول في العالم) زادتا في هذه الفترة من استيرادهما السلاح على التوالي بنحو 225% و215%. وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب في مصر، وعملية شد الحزام في دول الخليج بسبب الانخفاض في أسعار النفط في السنوات الأخيرة، فإن الميزانيات الأمنية في هذه الدول لم تتأثر بشكل كبير، وبصورة عامة لم تتقلص عمليات الشراء العسكرية. تشهد مصر عملية واسعة النطاق لبناء قوة عسكرية. ويمر سلاحا الجو والبحر وذراع الدفاع الجوي حالياً بعملية تحديث واسعة تشمل التزود بحاملتين للطوافات من فرنسا، وأربع غواصات حديثة من ألمانيا، و50 طائرة ميغ-29 ومنظومة دفاع جوي من طرازS-300 من روسيا. وفي الساحة الخليجية تجاوز شراء السلاح في السعودية والإمارات العربية المتحدة في حجمه ما تشتريه دول أوروبا الغربية كلها مجتمعة، بالإضافة إلى ذلك، يحوَّل جزء كبير من ميزانيات الشراء نحو منظومات هجومية، غربية وغير غربية، طائرات هجومية من دون طيار، وأيضاً صواريخ أرض-أرض (ذات مدى قصير خصوصاً)، سلاح موجّه بدقة (GPS)، ومن ضمن هذا قذائف تخترق المخابىء تحت الأرض وصواريخ تُطلق من الجو (air launched).
•في السنوات الأخيرة، توثقت علاقات عدد من الدول العربية الأمنية بالصين وروسيا، اللتين تخضعان لقيود أقل من الأميركيين فيما يتعلق بتصدير السلاح، وجرى تزويد دول المنطقة بمنظومات سلاح متقدمة من إنتاجهما بوتيرة أسرع من الماضي. وهدفت عمليات الشراء إلى تعزيز العلاقات بين هذه الدول وبين موسكو وبيجين؛ وخلق أداة ضغط على الولايات المتحدة، وأيضاً كردّ على رفض الأميركيين بيع منظومات معينة؛ ومن أجل عدم اقتصار التبعية على مزود واحد. يتطلب شراء السلاح من مصادر متعددة قطع غيار مناسبة، وتأهيلاً خاصاً ومنظومة صيانة محددة، وهو ما يفرض عبئاً على الجيوش. لكن توزيع الشراء يقلص أيضاً من تبعية الدول للولايات المتحدة ويعزز قدرتها على انتهاج سياسة مستقلة. جزء من الصفقات مع الصين وروسيا يشمل إنتاجاً مشتركاً ونقل تكنولوجيا. وعلى سبيل المثال، الصين التي تزود الأردن والعراق والجزائر والإمارات العربية المتحدة والسعودية بطائرات هجومية من دون طيار، وافقت على بناء مصنع للإنتاج في السعودية. وفي السنوات الأخيرة جرى الحديث عن شراء مصر والإمارات العربية المتحدة السلاح من كوريا الشمالية. لذلك تشكل التطورات التي سُجلت في السنوات الأخيرة في مجال شراء السلاح التقليدي في الشرق الأوسط تحدياً لإسرائيل.
•إن التعاظم الحالي ناجم إلى حد بعيد عن التوترات بين الدول في الشرق الأوسط (وأيضاً بين الدول العربية)، لكنه أيضاً يترافق معها. أحد النماذج الاهتمام في السعودية وقطر بمنظومة الدفاع الجوي الروسية. إذ تدفع السعودية قدماً بشراء منظومة للدفاع الجوي من الولايات المتحدة THAAD [Terminal High Altitude Area Defence] (تستخدمها الإمارات العربية المتحدة) لكنها وقّعت العام الماضي مذكرة تفاهم مع روسيا لشراء المنظومة الروسية، وتشمل المذكرة موافقة روسيا على نقل تكنولوجيا إليها. وللسعوديين، الذين يعملون على منع تقدُّم صفقة بين قطر وروسيا، مصلحة في توثيق العلاقة بروسيا كجزء من خطتهم لتطوير صناعة محلية للسلاح ضمن "رؤية 2030". وعلى خلفية العداء بين الدوحة والرياض، اشترت الدوحة مؤخراً، بشكل سري أيضاً، صواريخ أرض - أرض صينية دقيقة من طراز SY-400.
هل طرأ تآكل على المكانة الأميركية؟
•تُظهر تقارير متعددة حدوث تآكل في مكانة واشنطن- التي لا تزال مسؤولة عن تزويد المنطقة بنحو نصف السلاح الذي يصل إليها - في موضوع بيع منصات متقدمة إلى بعض دول الخليج. يتعين على إسرائيل توضيح موقف الإدارة الأميركية وإظهار المخاطر المحتملة التي ينطوي عليها هذا التوجّه. ضمن هذا السياق، أعربت دولتان على الأقل، هما السعودية والإمارات العربية المتحدة عن اهتمامهما بشراء الطائرة الحربية المتطورة إف-35. يتعين على إسرائيل أن تستعد لاحتمال، أنه خلال ولاية إدارة ترامب، ستسمح الولايات المتحدة ببيع هذه الطائرة المتقدمة للإمارات وللسعودية. والمطلوب من الإدارة الأميركية حالياً وبصورة عامة إجراء مراجعة شاملة وإبداء مرونة في سياستها بشأن كل ما يتعلق بتصدير السلاح بما في ذلك طائرات حربية وطائرات من دون طيار، بشكل يزيد من القدرة التنافسية للشركات الأميركية. يعلق الرئيس الأميركي أمله على مساعدة الصفقات في تحقيق وعده بزيادة الوظائف في السوق الأميركية. بناء على ذلك من المعقول أن موقف إسرائيل حيال هذه الصفقات سيُفحص أيضاً في هذا السياق. ويبدو أن الإدارة الأميركية تتوقع أن تمتنع إسرائيل من إحباط تحقيق هذه الصفقات.
•إن هدف المنصات المتطورة التي تصل إلى الخليح، والتي يُعتبر جزء منها أكثر تقدماً من تلك التي تملكها إسرائيل، بالنسبة إلى دول الخليج هو الاستعداد جيداً للدفاع عن نفسها في مواجهة إيران، والسماح لها عند الحاجة بالانضمام إلى أي عملية عسكرية أميركية محتملة ضد إيران، وأيضاً ضد رد إيراني موجّه إليها.
المعضلة الإسرائيلية
•تواجه إسرائيل عدداً من المعضلات. أولاً، تدافع إدارة ترامب عن الحاجة إلى تعزيز الأنظمة الصديقة في الخليج في مواجهة إيران وتشدد على مصالح صناعة السلاح الأميركية، وأيضاً على التنافس مع مزودين آخرين وفي طليعتهم روسيا والصين. لا ترغب إسرائيل في أن تظهر بأنها تلحق الضرر بمصلحة أميركية أساسية وفي قدرة الإدارة الحالية، التي وضعت تحسين وضع الاقتصاد الأميركي هدفاً لها مع التشديد على "استعادة الأميركيين الوظائف"، وتحقيق أهدافها. بالإضافة إلى ذلك، التعاون الأمني الذي توثق بين إسرائيل ودول الخليج، وأيضاً مع مصر والأردن ليس من مصلحة إسرائيل المس به. وبسبب هذا التطور في العلاقات والرغبة في بلورة كتلة ضد إيران، فقد أبدت إسرائيل مرونة فعلية في موقفها من موضوع تصدير السلاح المتقدم إلى هذه الدول. علاوة على ذلك، يجري الحديث عن أن إسرائيل نفسها تبيع بعض الدول العربية منظومات أمنية متطورة من إنتاجها في السنوات الأخيرة. ويُطرح السؤال: إلى أي حد تستطيع حكومة إسرائيل العمل بحرية في مواجهة الإدارة الأميركية الحالية التي وضعت هدفاً مركزياً لها هو زيادة تصدير السلاح من إنتاجها، وإلى أي حد يمكن أن يضر تحرك إسرائيلي صارم ضد بيع دول الخليج منظومات سلاح أميركية متقدمة بشبكة العلاقات التي نشأت بين إسرائيل وبعض الدول العربية؟
•في الختام، هناك تخوف دائم يتعلق بعدم الاستقرار الدائم للأنظمة. لقد قدم الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة نماذج لحدوث تغيير في التوجهات وانهيار أنظمة كانت تبدو مستقرة، وأحياناً من دون مؤشرات مسبقة. لا يمكن أن نستبعد مطلقاً انهيار الاستقرار في إحدى الدول واحتمال سقوط منظومات السلاح لديها في "أيدٍ غير صحيحة"، كما حدث لمنظومات السلاح الأقل تطوراً نسبياً في ليبيا وسورية والعراق. في هذا السياق يجب أن نتساءل هل إسرائيل تعي ما يحدث في مجال شراء السلاح التقليدي في شبه الجزيرة العربية، وفي تركيا ومصر؟ وهل تستطيع الحصول على ضمانات أميركية أمنية وسياسية بأن هذا السلاح لن يوّجه ضدها؟
•في الخلاصة، لم تتورط دول الخليج قط في صدام عسكري مباشر مع إسرائيل، لكن لا يمكن أن نستبعد تماماً ألاّ يوجَّه السلاح الذي تتزود به الآن ضد إسرائيل، حتى لو من طريق طرف آخر غيرها. بناء على ذلك يتعين على إسرائيل أن تفحص انعكاسات وصول تكنولوجيا نوعية متعددة إلى الشرق الأوسط على أمنها القومي، ويجب عليها أن تطرح أمام الأميركيين تخوفها من وصول هذا السلاح، وأن تحاول عند الحاجة اشتراط ذلك بالمحافظة على الفجوة في التفوق العسكري بينها وبين هذه الأنظمة التي تُعتبر صديقة لها حالياً.