•على الرغم من إيعاز رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، إلى سلطات الجيش الإسرائيلي، أول أمس (الاثنين)، بإغلاق معبر كيرم شالوم [كرم أبو سالم] بين إسرائيل وقطاع غزة أمام إدخال البضائع حتى إشعار آخر، استمرت أمس (الثلاثاء) عمليات نقل الوقود والمواد الغذائية والأجهزة الطبية إلى القطاع عبر هذا المعبر بالذات. وبذا يمكن القول إن إيعاز نتنياهو وليبرمان موّجه أساساً إلى الأذن الإسرائيلية وليس إلى المعدة الغزيّة.
•ولا بد في هذا السياق من الإشارة أيضاً إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يحرصون على تضخيم الآثار المترتبة على إطلاق الطائرات الورقية الحارقة والبالونات المشتعلة من قطاع غزة، مثلما سبق أن ضخموا خطر الأنفاق الهجومية، التي لم يصل أي منها إلى حدود المستوطنات المحيطة بالقطاع. ويبدو أن إخضاع سكان الدولة للخوف الدائم من مغبة كارثة وطنية توشك أن تقع، يخدم مصالح معظم هؤلاء المسؤولين في الوقت الحالي.
•بات من الواضح أن إسرائيل لا تمتلك أي سياسة مبلورة حيال قضية قطاع غزة. وكل ما تمتلكه هو سياسة ردة فعل لا أكثر. ومع ذلك، ففي الوقت الذي تتخبط فيه الحكومة الإسرائيلية إزاء قضية الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، قام وفد من غزة برئاسة وزير المال في حكومة "حماس" يوسف الكيالي بزيارة إلى القاهرة. وفي العادة كانت مصر تدير اتصالاتها مع القيادة السياسية لـ"حماس"، وبناء على ذلك فإن زيارة شخص مثل الكيالي تُعتبر خارجة عن المألوف، وربما تشير إلى نمط جديد في منظومة العلاقات الاقتصادية التي تحاول مصر الدفع بها قدماً في مقابل حكومة "حماس"، عبر الالتفاف على السلطة الفلسطينية في رام الله.
•ولا يقوم المصريون بهذه الخطوة صدفة، بل بإيعاز من الإدارة الأميركية، وعلى وجه التحديد من المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط جيسون غرينبلات. فقد جلب غرينبلات خلال جولته التي قام بها مؤخراً في دول الخليج، تعهدات بتمويل عملية ترميم قطاع غزة، ونجح في إقناع المصريين بالتعاون في هذا المجال. وفعلاً قام المصريون، بخلاف مواقفهم السابقة، بفتح معبر رفح أمام مرور البضائع والأشخاص. ومنذ بداية شهر رمضان مر عبر هذا المعبر أكثر من 2000 شاحنة مصرية، ولا تمتلك إسرائيل أي معلومات عما إذا كانت احتوت أيضاً على وسائل قتالية.
•وهكذا يشهد معبر رفح حركة مزدهرة على الرغم من أنف السلطة الفلسطينية في رام الله. وفضلاً عن ذلك، جرى وعد المصريين باستثمار الأموال المتدفقة من الدول العربية الغنية في إقامة مناطق صناعية مشتركة لغزة ومصر في شمال سيناء، وإقامة خزانات وقود لقطاع غزة في الأراضي المصرية. وتعهد المصريون من جهتهم بمضاعفة كمية الكهرباء المخصصة للقطاع، حتى أنهم يتحدثون الآن عن احتمال فتح المطار والميناء في مدينة العريش لمصلحة غزة.
• في ضوء هذا كله ظهر فجأة احتمال قوي لتطبيق الحلم الإسرائيلي القديم بنقل المسؤولية عن قطاع غزة إلى يدي مصر. وكلما تقلصت حركة مرور البضائع في معبر كرم أبو سالم، كلما ازداد الضغط على مصر لإبقاء معبر رفح مفتوحاً. ولا شك كذلك في أن الإغراء المالي المعروض على مصر، من خلال الاستثمار في شمال سيناء، يزيد من احتمال أن تأخذ على عاتقها المسؤولية عن مصير قطاع غزة، وإن بصورة جزئية. وفي مثل هذه الحال فإن وسائل الضغط الاقتصادية التي يقوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بممارستها حيال "حماس" ستتلاشى شيئاً فشيئاً، علماً بأن هذه الوسائل تتسبب في الوقت نفسه بتآكل مكانته في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
•وبالتالي ليس من المبالغة رؤية أن العلاقة المباشرة بين مصر و"حماس" تهدف أيضاً، من ضمن أمور أُخرى، إلى حث عباس على التوصل إلى مصالحة مع "حماس". وتنص خطة المصالحة المصرية على إعادة تسليم إدارة شؤون قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن عباس لا يزال معارضاً لذلك حتى الآن، فإن الظروف المتغيرة من شأنها أن تقنعه بضرورة تليين موقفه.
•في حال حدوث تطور كهذا، ستقوم إسرائيل بنقل المسؤولية عن قطاع غزة إلى مصر، ثم ينقل المصريون هذه المسؤولية إلى السلطة الفلسطينية. وقد ينطوي ذلك على خطة سياسية يمكن أن تتسبب بوضع حد لمشكلة القطاع. صحيح أن احتمال تحقُّق مثل هذا السيناريو لا يزال ضئيلاً، لكن لا يجوز التغاضي عن حقيقة أن ثمة شرارة جهد تفكيري تقف وراءه. وما يتعين قوله للأسف هو أن هذا الجهد أميركي- مصري، لا إسرائيلي.