معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•فاز الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، بأغلبية الأصوات (52,5%) وبدورة رئاسية جديدة في الانتخابات التي جرت في تركيا يوم 24 حزيران/ يونيو الفائت، لكن الحزب الذي يتزعمه، "حزب العدالة والتنمية"، فقد الأغلبية التي كان يتمتع بها في البرلمان (هبوط بنسبة 7% في التأييد الذي يحظى به، مقارنة بالانتخابات التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015). ولذا من المتوقع أن يحافظ "حزب العدالة والتنمية" على التحالف الذي كان أقامه عشية الانتخابات مع حزب الحركة القومية (MHP).
•يشكل انتصار أردوغان من الجولة الأولى دليلاً على رضى أغلبية الجمهور عن التغييرات التي أجراها في بنية النظام، وإن كان في الإمكان التحفظ عن هذه الحقيقة بالقول إن الانتخابات جرت في ظروف جعلت من الصعب على أوساط المعارضة إدارة معركتها الانتخابية بصورة سليمة. وعلى نحو غير مفاجئ، شجع إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان بصورة متزامنة ومتوازية قطاعات من الناخبين على التصويت التكتي ـ صوت لمرشح الرئاسة وصوت لحزب آخر مختلف، غير حزب مرشح الرئاسة. نتيجة هذا، تعززت قوة الأحزاب المتشددة قومياً. فمجموع عدد الأصوات، التي حصل عليها حزب الحركة القومية (MHP) مع الحزب الذي انشق عنه، "الحزب الجيد" / "حزب الخير" (İYİ)، يدل على أن أكثر من 21% من الناخبين منحوا هذين الحزبين أصواتهم. وتثبت هذه النتيجة ارتفاعاً في التأييد الذي يحظى به هذان الحزبان الآن، مقارنة بانتخابات حزيران/ يونيو 2015 حين فاز حزب الحركة القومية (MHP) بنحو 16% من مجمل أصوات الناخبين، وهو ارتفاع أكبر أيضاً مقارنة بانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حين فاز حزب الحركة القومية بنحو 12% من الأصوات.
•سيقت أسباب عديدة متعددة لتفسير هذا الارتفاع في عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب القومية، منها أن قسماً من ناخبي "حزب العدالة والتنمية"، ممن أرادوا التعبير عن خيبة أمل من الوضع الاقتصادي في الدولة، صوّت لأردوغان للرئاسة وليس للمرشحين المنافسين الذين طرحتهم الأحزاب الأُخرى، بينما صوّت لحزب الحركة القومية تصويتاً احتجاجياً. وقيل إن الجيل الشاب، وخصوصاً من ينتخب أول مرة، هو أكثر تعصباً قومياً. وثمة اعتقاد بأن تعمُّق المشاعر القومية بين أوساط الشعب التركي يشكل ردة فعل مضادة على تعمُّق المشاعر القومية بين الأكراد، بتأثير الهزة التي تجتاح العالم العربي. وثمة من يدّعي أن تعاظم قوة الأحزاب المتعصبة قومياً هو تعبير أيضاً عن الإحباط المتزايد جرّاء وجود ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري في تركيا. وتشير الأوساط، التي تدّعي أن الانتخابات الأخيرة شهدت عمليات تزوير واسعة، إلى الفجوة الواضحة بين نتائج الانتخابات الفعلية والنتائج التي أظهرتها استطلاعات الرأي العام التي أجريت عشية الانتخابات، وخصوصاً فيما يتعلق بحجم التأييد لحزب الحركة القومية (MHP)، كما تشير تلك الأوساط أيضاً إلى النجاح الملفت الذي حققته العناصر المتشددة قومياً في المناطق الريفية، إذ من الصعب أكثر مراقبة طهارة الانتخابات وسيرها الديمقراطي. ومع ذلك يشار إلى أنه خلافاً لشبهات التزوير التي رافقت الاستفتاء العام الذي أجري في تركيا في نيسان/ أبريل 2017، فحتى العناصر المناوئة لأردوغان لا تشير الآن إلى خروقات حدثت في صناديق اقتراع معينة وأدت إلى حرف نتائج الانتخابات بصورة جدية.
•يكتسب تعاظُم قوة الأحزاب المتشددة قومياً أهمية خاصة في السياق الكردي أساساً، إذ من المتوقع أن تشكل هذه الأحزاب رأس الحربة في معارضة ورفض استئناف عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. وستكون لهذا إسقاطات واسعة على السياسة الخارجية التركية حيال سورية والعراق أيضاً، ثم على علاقات تركيا بالدول العظمى إقليمياً ودولياً، ذلك بأن محاولة مواجهة المسألة الكردية بطريقة عسكرية فقط تدفع تركيا إلى مزيد من التدخل المتسع عند حدودها الجنوبية وتشجعها على مواصلة الحوار في هذا الشأن مع كل من إيران وروسيا. وقد تجسد هذا، بوضوح، في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" (عفرين) العسكريتين اللتين قامت بهما القوات التركية في شمال سورية، كما في استمرار الحضور العسكري التركي في هذه المناطق منذ انتهاء العمليتين أيضاً. وقد شهدت الانتخابات الأخيرة تهديدات بتدخلات عسكرية تركية في مناطق إضافية أخرى ذات أغلبية كردية (وفيها وجود عسكري أميركي) في شمال شرق سورية. وبالإضافة إلى ذلك، تمارس تركيا حالياً نشاطات عسكرية أوسع كثيراً مما كانت عليه في السنوات الأخيرة ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وجبال سنجار في شمال العراق. وفي موضوع اللاجئين، تحاول تركيا إعادتهم إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها في شمال سورية، على الرغم من أن هذا الحل يبدو غير قابل للتحقق بالنسبة إلى أغلبية هؤلاء اللاجئين، كما ترغب الأحزاب القومية التركية.
•تميز أحد مناحي العلاقات الخارجية التركية في فترة ما قبل الانتخابات الأخيرة بتصاعد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة. وتقف في مركز هذا التوتر الآن القيود التي يسعى الكونغرس الأميركي لفرضها على تزويد تركيا بطائرات F-35، بالإضافة إلى فرض محتمل للعقوبات عليها في إثر الصفقة التركية ـ الروسية لشراء بطاريات للدفاعات الجوية من طراز S-400. ومن المرجح أن يعرض أردوغان والعناصر القومية المتشددة في تركيا هذه القيود والعقوبات المحتملة بأنها مسعى أميركي معاد لتركيا ويستهدف المساس بأمنها بسبب تعاظم قوتها ومكانتها على الساحة الدولية. وتبقى مسألة تسليم الولايات المتحدة تركيا الداعية الديني فتح الله غولن على حالها من دون إحراز أي تقدم يرضي أنقرة، بينما يسود في واشنطن، في المقابل، غضب شديد بشأن وجود مواطنين أميركيين رهن الاعتقال في تركيا على خلفية ما يبدو أنه حجج مختلقة واهية. وعلى الرغم من هذا، من المرجح أن يختار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يبدو أنه يرى فرصاً للتعاون مع أردوغان، الدفع قدماً في اتجاه إنهاء صفقة الطائرات وعدم السماح بفرض عقوبات على أنقرة. ويبدو، في المقابل، أن تراجعاً واضحاً قد حدث في مسألة الغضب التركي جرّاء الدعم الأميركي لذراع حزب العمال الكردستاني في سورية (حزب الاتحاد الديمقراطي ـ PYD). وحصل ذلك بفضل الدور الذي أدته الولايات المتحدة، تحت وطأة ضغط من جانب أنقرة، وأدى إلى انسحاب قوات كردية من بلدة منبج السورية التي كانت موضع نزاع بين الأطراف المختلفة.
•لا يبشر تعاظم القوى المتعصبة قومياً بالخير على صعيد علاقات تركيا مع بعض دول الاتحاد الأوروبي أيضاً، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، لأن الموقف التركي المتصلب حيال المسألة الكردية من شأنه الإبقاء على حالة التوتر في هذا السياق. لا بل يتوقع أن تقوم القوى المتعصبة قومياً أيضاً بلجم أي تقدم محتمل في القضية القبرصية. وسيكون إلغاء النهج القائم حالياً فيما يتعلق بإلزام المواطنين الأتراك الحصول على تأشيرات دخول إلى دول الاتحاد الأوروبي ـ وهو ما قُطع به تعهد في إطار اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي من سنة 2016 ـ مهمة صعبة التحقيق طالما لم تقم تركيا بتليين قانونها الخاص بمحاربة الإرهاب، لما فيه من مساس عميق وفائض عن الحاجة بحقوق الفرد، وطالما بقيت حالة الطوارئ معلنة في البلاد، علماً بأن زعيم حزب الحركة القومية (MHP) يشدد على أن الحاجة إليها ما زالت قائمة. في الوقت ذاته، حدث مؤخرا تقارب ملحوظ بين تركيا وبريطانيا عكسته، بصورة خاصة، زيارة أردوغان إلى لندن في شهر أيار/ مايو الفائت.
• في السياق الإسرائيلي، كان الجمهور التركي موحداً في توجيه النقد إلى إسرائيل في إبان الأزمة التي اعترت العلاقات بين البلدين عقب نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتصاعد المواجهة بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة، غير أن حزب الحركة القومية كان شريكاً مع "حزب العدالة والتنمية" في التصويت في البرلمان التركي ضد مشروع قرار دعا إلى إلغاء اتفاقيات قائمة مع إسرائيل. صحيح أن رغبة القوميين المتعصبين الأتراك في "السير وحيدين" (مع عدم الانسحاب من حلف الناتو)، على خلفية ريبتهم من الولايات المتحدة وروسيا، قد تساهم إلى حد ما في اعتماد موقف أكثر براغماتية حيال إسرائيل، غير أن الرئيس أردوغان مصرّ، كما يبدو، على مواصلة توجهه المتحدي تجاهها، وهو ما يرجح استمرار عداء أنقرة لإسرائيل.
•إن أحد الانتقادات التي تطرحها أوساط المعارضة في إسرائيل، وكذلك أوساط في الغرب، ضد تركيا هو أن التغييرات التي أحدثها أردوغان في بنية الحكم ونظامه في تركيا تجعله رئيساً كلّي القدرة. ولا شك في أن هذا هو وصف دقيق للوضع في تركيا بمعان عديدة، لكن في المفترقات، وحين تستدعي الأحداث والتطورات غير المتوقعة ردات فعل حازمة، فإن التحالف مع أوساط التعصب القومي ـ طالما بقي قائماً ومستمراً ـ لن يشكل جزءاً من بوصلة أردوغان في وضع وتحديد سياساته فقط، بل سيحدّ كثيراً من دائرة إمكاناته وخياراته المتاحة، وخصوصاً في المسألة الكردية. وهذه المحدودية كانت قائمة قبل الانتخابات الأخيرة، لكن نتائجها تعمقها أكثر فأكثر.