•تشكل جولات المواجهة على حدود القطاع ("مسيرة العودة")، ومثلها أيضاً نمط المواجهات التي جرت في عملية "الجرف الصامد" والهجوم السوري الأخير بالسلاح الكيميائي، تعبيراً حاداً عن واقع استراتيجي جديد- قديم: تحوُّل المواجهات أكثر فأكثر إلى مواجهات بين مجتمعات وبين مجتمعات وجيوش، وأصبحت الحروب بين جيوش نظامية نادرة. هذه الظاهرة يمكن تسميتها "الحرب الاجتماعية" التي لها منطقها الخاص. وكي تنجح إسرائيل في مواجهتها يتعين عليها أن تغير أسلوبها.
•التحولات العالمية، والتطورات التكنولوجية (في الإعلام والعلوم ووسائل القتال) والتغيرات الديموغرافية تضافرت كي تحوّل هذه المواجهات الاجتماعية، ليس فقط إلى وضع سائد، بل أيضاً إلى أسلوب قتال مفضل لدى دول مثل روسيا وإيران، ولدى تنظيمات غير دولاتية مثل حزب الله و"حماس". وقد نجح هؤلاء في أن يفرضوا على دول الغرب، وفي طليعتهم الولايات المتحدة وإسرائيل، خوض حرب على الساحة الاجتماعية.
•في "مسيرة العودة" تطرح "حماس" صيغة متطورة لهذه الاستراتيجيا: أن تتسبب من خلال اقتراب الجماهير من السياج الحدودي بهجوم إسرائيلي ضد مواطنين فلسطينيين غير مسلحين. فتخدم النتيجة نضالها من خلال وضع الطابع غير العنيف للاحتجاج الفلسطيني في مواجهة الرد "العنيف وغير المتناسب" من جانب إسرائيل، وكل ذلك أمام أعين الغرب، ومن خلال بث مباشر إلى العالم العربي والمجتمع الفلسطيني، وحتى إلى داخل المجتمع الإسرائيلي.
•إن نجاح الاستراتيجيا الاجتماعية لـ"حماس" مرتبط بصورة أساسية بإسرائيل. وبناء على ذلك يجب على القيادة الإسرائيلية أن تغير أسلوبها. في هذا الشأن هناك خياران: الأول، اقتلاع، (أو "إسقاط") استراتيجيا "حماس"، أي السعي لتحقيق حسم عسكري واضح يؤدي إلى سقوط حكمها. والثاني، بلورة استراتيجيا اجتماعية تواجه تحدي القتال الاجتماعي المستمر الذي تطرحه "حماس".
•ينطوي الخيار الأول على دفع أثمان مباشرة (ضحايا، دمار، ثمن اقتصادي وضرر سياسي) بعد احتلال القطاع أو بعد تدمير بنيته التحتية، وستضطر إسرائيل، لفترة طويلة، إلى السيطرة مباشرة على السكان في المنطقة وتحمّل العبء والثمن الناجمين عن ذلك. وهذا إمكان بدا سيئاً بالنسبة إلى إسرائيل منذ الخمسينيات، وأصبح منذ ذلك الوقت سيئاً أكثر.
•الخيار الثاني يتطلب بلورة استراتيجيا بمنطق نضال اجتماعي موجهة إلى ثلاثة مجتمعات لها علاقة بالمواجهة (المجتمع الفلسطيني – الغزاوي، والدولي، والإسرائيلي). أساس هذه الاستراتيجيا نظرية مواجهة بعيدة المدى تتلاءم مع هذا النوع من المواجهة، إذ تقف المجتمعات في الوسط، والصقور لا يسعون للحسم أو لتسوية سياسية. هذا النهج سيعزز تفوقنا في احتكاك مستمر منخفض القوة ويكبدنا ثمناً منخفضاً نسبياً، ويسمح بالحؤول دون تصعيد يخدم أساساً "حماس".
•يتطلب تحقيق هذه الاستراتيجيا استخداماً صارماً (مثل اليوم) لأدوات محاربة العنف والإرهاب، لكن مع التشديد أكثر على تقليص إصابة المدنيين (وبصورة خاصة المحتجين العزل)، والبنية التحتية، وذلك لمنع إشعال كراهية إسرائيل وسط الفلسطينيين وفي العالم، والرغبة في الانتقام. ويمكن تحقيق هذا التوازن المطلوب من خلال استخدام واسع وحكيم لسلاح أقل قتلاً واستخدام أكثر انتقائية لوسائل القتال التقليدية.
•في الوقت عينه، يجب تقديم عدة حوافز إيجابية للسكان في غزة، بينها بادرات إنسانية، والتخفيف من الحصار، والتوظيف، من مواردنا، في إعادة بناء البنى التحتية في القطاع.
•في المقابل، يجب أن نستخدم وسائل دعائية كي نخلق وسط سكان القطاع مزيجاً من اليأس من المواجهات والأمل بالتعايش معنا. ويجب أن يشمل هذا الجهد القيام بخطوات صارمة حيال المجتمع الدولي لإظهار عدم مسؤوليتنا عن فشل "حماس" في إدارة القطاع، ومن أجل إدانة محاولاتها الرامية إلى تقويض شرعية إسرائيل، ومنعها من تأجيج العداء للسامية وحركة الـمقاطعة لإسرائيل الـBDS. إن طريق النجاح يمر عبر مبادرة إسرائيلية إلى تجنيد المجتمع الدولي من أجل إعادة إعمار القطاع.
•في النهاية ، من المهم موازنة تطلعات المجتمع الإسرائيلي حيال الصراع مع "حماس". ومن الضروري تبديد الأوهام والوعود الكاذبة بحسم سريع. فإن هذا سيرتد علينا سلباً وسيقيد مستقبلاً أصحاب القرارات. إن رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقيادة الجيش الإسرائيلي والشاباك لديهم الحكمة والخبرة الكافية لرفض التوجهات الشعبوية وغير الصحيحة الداعية إلى "اتركوا الجيش الإسرائيلي ينتصر".