•من المقلق جداً حقيقة أنه في يوم واحد من الصدام على حدود غزة قُتل 17 شخصاً. من المعروف أنهم ليسوا كلهم ناشطين مسلحين تابعين لحركة "حماس"، لذا فإن من الضروري إجراء تحقيق إسرائيلي متأن للأحداث. ونظراً إلى أن ما جرى ليس حادثاً قتالياً واضحاً، فالمطلوب هو إجراء تحقيق عسكري بإشراف النيابة العامة العسكرية كي تجتاز هذه العملية اختبار المعايير الدولية. وسيُطلب من هذا التحقيق الإجابة على سؤال ما هي الحدود التي تجيز استخدام القوة في الأوضاع التي نشأت.
•يمتاز النقاش العام في إسرائيل بوجهتي نظر قطبيتين: بحسب الأولى يمكن استخدام القوة الفتاكة ضد كل إنسان يحاول اجتياز السياج في غزة، لأنه من حق إسرائيل الدفاع عن سيادتها، وبسبب مخاطر الإرهاب القائمة.
•تقول وجهة النظر المعارضة إنه يجب النظر إلى تظاهرة عنيفة يقوم بها مواطنون (حتى لو كانت تهدد بتقويض السياج الحدودي بين دولة وكيان إرهابي، وحتى أيضاً إذا كان هناك تخوف من أن تجري خلالها هجمات إرهابية)، مثل أي تظاهرة أُخرى، ويجب عدم استخدام قوة فتاكة باستثناء ضد من يشكل خطراً حقيقياً ومباشراً على الحياة. على سبيل المثال مسلح يحاول إطلاق النار على قوات الأمن.
•غير أن وجهتي النظر هذه تخطئان في فهم الواقع الفعلي والقانوني. استخدام النيران الحية من دون تفريق ضد مدنيين ممنوع بصورة مطلقة، حتى عندما يكون المقصود أشخاصاً يجتازون الحدود أو يهاجمون منشأة أمنية. ومن جهة أخرى، إن وجهة النظر التي ترى أن على قوات الأمن الاكتفاء بوسائل أقل فتكاً أو الوقوف مكتوفة الأيدي بينما يقوم الجمهور بإسقاط السياج الحدودي، يشكل تفسيراً محدوداً وضيقاً جداً للقانون الدولي والإنساني.
•هدف القانون هو الموازنة بين الحاجة العسكرية وبين الاعتبارات الإنسانية في القتال، وعدم إصدار أوامر لا يمكن الالتزام بها. وحدوث خرق كبير للسياج ودخول غير مراقب إلى إسرائيل يمكن أن يسمح بزرع عبوات ناسفة أو تسلل خلايا إرهابية تقوم بمهاجمة مواطنين وجنود. وعلى الحدود مع غزة يشكل هذا تهديداً خطراً وملموساً، حتى ولو كان غير مباشر.
•في سيناريو متطرف يقوم فيه جمهور غيرمسلح يوجهه عدو من أجل مهاجمة بنية تحتية عسكرية حيوية، أو للقيام بعملية إلهاء يجري تحت غطائها هجوم عسكري، يمكن اعتبار المدنيين مشاركين مباشرين في القتال، واستخدام قوة فتاكة ضدهم حتى لو لم يكن هناك خطر مباشر على الحياة.
•هذا الموقف جرى التعبير عنه في سنة 2012 في اجتماع خبراء أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشاركت فيه، بشأن استخدام القوة في أوضاع معقدّة. هناك من يختلف مع وجهة النظر هذه، لذلك من أجل اعتبارات سياسية واعتبارات عملية، في مثل هذا الوضع المتطرف من الأفضل تركيز استخدام السلاح الحي ضد الذين يبدون أنهم قادة الحدث ومحاولة كبح الجمهور من خلال استخدام الحد الأدنى من القوة الفتاكة.
•في كل الأحوال، السؤال هل يوم الجمعة الماضي نشأت فعلاً أوضاع بررت استخدام القوة الفتاكة يجب أن يتوضح من خلال تحقيق جذري، وهذا العبء ملقى على عاتق الجيش الإسرائيلي. وينبغي لهذا التحقيق أن ينتبه إلى موضوع ما إذا كانت القوى الأمنية قد استعدت كما يجب للأحداث التي لم تكن بمثابة مفاجأة، وأيضاً مسألة وجود معلومات استخباراتية بشأن توجيه الأحداث على يد عناصر إرهابية بهدف استغلالها للقيام بهجمات.
•التحقيق ليس اعترافاً بالتهمة، بل هو إجراء ضروري في دولة قانون. علاوة على ذلك، إن تحقيقاً سريعاً وفعالاً سيتيح للجيش استخلاص الدروس قبل استمرار الأحداث المتوقعة غداً وفي الأشهر المقبلة، وسيتيح فحص الحاجة إلى تغيير الإجراءات أو الاستعدادات.
•وختاماً، كلما كشف التحقيق تجاوزات، يكون تطبيق القانون ضد المسؤولين عنها من خلال المؤسسة القضائية الإسرائيلية أفضل بما لا يقاس من فتح الباب أمام تحركات دولية ضد جنود الجيش الإسرائيلي وقادته. وهذا يمكن أن يحدث لو نشأ انطباع بأن دولة إسرائيل ليست مهتمة أو غير قادرة على معالجة هذه الأحداث بنفسها.