عقيدة بيغن، ودروس أوزيريس ودير الزور
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•القرار الذي يتعلق بمهاجمة مفاعل نووي في دولة معادية هو من أصعب القرارات التي يواجهها زعيم إسرائيلي. رئيس الحكومة مناحيم بيغن هو الذي وضع العقيدة غير الرسمية التي تحمل اسمه "عقيدة بيغن"، وأساسها عدم السماح لدول معادية لإسرائيل، وتدعو إلى تدميرها، بتطوير قدرة تكنولوجية هدفها تطوير سلاح نووي سيستخدم ضدها. 

•ثمة حجج مهمة ضد قرار بمهاجمة مفاعل نووي في دولة معادية منها:

-مخاطر عملانية، عموماً تعتبر المفاعلات أهدافاً نوعية محصنة جداً، وتنفيذ الهجوم ضدها ينطوي على خطر وقوع خسائر، واحتمال عدم النجاح قد يتحول إلى ورطة استراتيجية، وهو مرتبط بتكاليف استراتيجية وسياسية (على سبيل المثال، مهاجمة المفاعل في العراق سنة 1981 جاءت قريبة زمنياً من العملية الأميركية في سنة 1980 التي استهدفت تحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين في السفارة الأميركية في طهران، وفشلت ودفعت ثمناً باهظاً في الأرواح والعتاد، وفي خسارة الهيبة).

-مخاطر سياسية: يعارض المجتمع الدولي الهجمات الوقائية ويعتبرها اعتداء وليس عملية دفاع عن النفس. بناء على ذلك، وردّاً على الهجوم، من المحتمل أن يجري فرض خطوات عقابية دولية ذات ثمن استراتيجي مرتفع. 

-خطر التدهور نحو حرب: من المحتمل أن يكون رد العدو واسع النطاق ومؤلماً، من إطلاق صواريخ ومهاجمة أهداف نوعية في إسرائيل، وصولاً إلى حرب شاملة، وبصورة خاصة إذا كانت هناك حدود مشتركة.

-مع مرور الزمن من المحتمل أن تبرز حلول أقل راديكالية من الهجوم. ربما تتغير الأنظمة المعادية لإسرائيل، أو أن تنبري الدول العظمى لكبح المشاريع النووية في الدول المارقة، كما حدث بالنسبة إلى المشروع النووي الليبي. ومن الجدير ذكره أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت طلب في 2007 من رئيس الولايات المتحدة جورج بوش مهاجمة المفاعل في سورية لكن طلبه رُفض.

-مهاجمة مفاعل نووي ممكنة فقط قبل أن يصبح "حاراً"، أي يمكن مهاجمته في بداية المشروع وقبل تطوير قدرته العملانية. وهنا تكمن المعضلة: في مرحلة مبكرة تكون شرعية الهجوم منخفضة، لكن تأجيل قرار الهجوم يمكن أن يلغي نهائياً القدرة على ضرب المفاعل.

-مخاطر تقنية وهندسية، تدمير مفاعل يمكن أن يؤجل فقط بضع سنوات "قرار الشر" لدى نظام مصرّ على الحصول على قدرات نووية، وأحياناً فإن الهجوم نفسه يخلق حافزاً يسرّع التزود بسلاح نووي.

•بناء على ذلك، ليس مفاجئاً أنه قبل اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارها بمهاجمة المفاعل النووي في العراق سنة 1981، وفي سورية سنة 2007، جرت نقاشات معمقة واندلعت خلافات في الرأي  على المستويات السياسية والعسكرية بشأن الحكمة من العملية نفسها.

•لكن من منظور تاريخي وحتى هذه اللحظة، فالذين قدّروا أن المخاطر المذكورة أعلاه هي بالمقارنة أقل من الخطر الناجم عن الحصول على سلاح نووي من جانب أنظمة توتاليتارية وأعداء معلنين لإسرائيل يدعون إلى تدميرها، كانوا على حق. إن صدام حسين وبشار الأسد اللذين لم يترددا في استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبيهما، كانا قادرين على أن يصبحا عدوين أكثر خطراً بكثير لو كانا مسلحين بسلاح نووي. وتنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يعرف قيوداً، والذي سيطر على أجزاء كبيرة من سورية والعراق (بما في ذلك السيطرة الفعلية على موقع المفاعل السوري في دير الزور) كان قادراً على الوصول إلى مادة انشطارية وربما أيضاً إلى سلاح نووي لو لم يجرِ تدمير المفاعل في هجوم إسرائيلي سنة 2007، ومثل هذه التطورات كان من شأنها تعريض العالم لمخاطر غير مسبوقة.

•على الرغم من التعقيدات العملانية، فإن الهجومين اللذين نفذتهما إسرائيل ضد المفاعلين اللذين بُنيا في العراق وسورية نجحا في تدمير المفاعلين تدميراً كاملاً من دون خسائر. ما يجدر ذكره أن مهمة تدمير المفاعل في العراق كانت عملانياً أكثر تعقيداً من تدمير المفاعل في سورية، لأنها جرت في مواجهة منظومة دفاع جوي كثيفة كانت في حالة عالية من التأهب، ومن دون القدرة على التزود بالوقود في الجو أو امتلاك القدرة على استخدام سلاح دقيق. 

•في مقابل ذلك، فإن التحدي في سورية في 2007 لم يكن يكمن في القدرة على القيام بالعملية بحد ذاتها، بل في الرغبة في منع وقوع حرب بعد الهجوم. في 1981 لم يكن العراق قادراً على خوض حرب ضد إسرائيل، إذ في تلك الفترة كانت تدور حرب شاملة بين العراق وإيران. خلافاً لذلك، كانت سورية في 2007 مستعدة للحرب ضد إسرائيل انطلاقاً من حدود مشتركة بين الدولتين. وكانت تملك قدرات صاروخية، بالإضافة إلى وسائل قتال كيميائية. وفي تلك الفترة كان النظام في دمشق يشعر بالثقة بالنفس انطلاقاً مما اعتبره كإنجازات لحزب الله في الحرب ضد إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية (صيف 2006).

•لقد جاءت ردات فعل العدو في الحالتين ضمن الحد الأدنى ولم تؤد إلى حرب. واعتُبر إطلاق صواريخ السكود العراقية على إسرائيل في 1991، أي بعد عقد على الهجوم، كردّ للعراق، لكن على خلفية حرب الخليج [الأولى] في ذلك الوقت، وبدا أن هذا القصف حدث كمحاولة لتفكيك التحالف الأميركي – العربي ضد العراق. في الحالة السورية، كان نشوب حرب بعد الهجوم احتمالاً أكثر واقعية، لكن هذه الحرب لم تحدث بفضل الاستراتيجية الحكيمة التي انتهجتها إسرائيل بعدم إعلان مسوؤليتها. هذا الامتناع سمح لبشار الأسد بـ"هامش من الإنكار"، ووفر عليه ضرورة الرد عسكرياً على الهجوم، وحتى الاحتجاج عليه. من المهم أن نعرف أنه في سنة 1981، على الرغم من وجود قرار بعدم تحمُّل المسؤولية، فقد اختار مناحيم بيغن، على ما يبدو بسبب الانتخابات القريبة، تحمُّل المسؤولية عن الهجوم الإسرائيلي.

•شملت ردة فعل العالم على الهجوم الإسرائيلي على المفاعل في العراق إدانات وعقوبات، لكن مدتها كانت قصيرة. وفي المقابل، في 2007 وبعد الهجوم على سورية ، كان الرد مؤيداً، لأن الدولة التي زوّدت سورية بالمفاعل كانت دولة مارقة مثل كوريا الشمالية، وبسبب إخفاء المشروع عن الوكالة الدولية للطاقة النووية، وأيضاً لأن إسرائيل زوّدت حلفاءها الأساسيين بالمستجدات قبل العملية، والدول المهمة بالنسبة إليها بعد العملية، وبصورة خاصة بسبب عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم.

•الأهم من هذا كله: لقد أثبت التاريخ، في ضوء التطورات التي أعقبت الهجومين، حدوث تأجيل فعلي للمشروع النووي في العراق وسورية مدة أطول من المدة المتوقعة بحسب الحسابات التقنية والعملية. وعلى الرغم من دوافع العراق وسورية لإعادة بناء مشروعيهما النوويين، فإن إعادة البناء تأجلت إلى وقت آخر بسبب ظروف حولت الاهتمام والموارد عن المشروع النووي، وغيرت بصورة مطلقة ميزان الاعتبارات لدى هذين النظامين. لقد أجّلت حرب الخليج الثانية [2003]، والحرب الأهلية في سورية [2011]، عملياً، عودة العمل على المشروع النووي في العراق، وفي سورية أجّلته عشرات السنوات إلى الوراء.

 

•مع ذلك، فإن هاتين الحادثتين لا تشيران بالضرورة إلى أن هذه العقيدة صالحة إلى الأبد. لقد تعلم أعداء إسرائيل دروس الهجوم على مفاعل العراق وعلى مفاعل سورية، وهم يضعون في مواجهة إسرائيل تحديات أصعب عملانياً وسياسياً. لقد اعتمد المشروعان النوويان الليبي والإيراني على أجهزة تخصيب ومراكز طرد مركزي يمكن إخفاؤها وتحصينها بصورة أكثر فعالية من المفاعلات النووية المعرضة للهجوم. إن الدفاع عن المشاريع النووية، وخصوصاً الدفاع الجوي، سيزيد بصورة كبيرة في القدرة على تدفيع إسرائيل ثمناً. وزعماء دولة إسرائيل سيكونون بحاجة، حاضراً ومستقبلاً، إلى تحليل معمق للأهداف والمخاطر الاستراتيجية المتعلقة بمستقبل مشاريع التزود بسلاح نووي في دول معادية وتطويرها.