غزة على منحدر زلق، هل يمكن جعل الوضع مختلفاً؟
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

•الواقع الإنساني في غزة صعب بل صعب جداً، لكن ليس الأمر أزمة إنسانية. فالأزمة الإنسانية هي الوضع الذي يُقتل فيه أشخاص عُزل ويُحتضرون جرّاء الجوع. الأزمة الإنسانية موجودة في سورية وفي اليمن، وحتى في فنزويلا. ويسمح استخدام مصطلح أزمة إنسانية لـ"حماس" وللسلطة الفلسطينية، الطرفين المسؤولين أكثر من أي طرف آخر عن الواقع الإنساني الصعب في قطاع غزة، بالتهرب من تحمل مسؤولياتهما  وتوجيه التهمة نحو إسرائيل. 

•بدورها، تقف إسرائيل موقف المتفرج من خلال عدم التدخل في الكباش الدائر بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وبعدم تدخلها تساعد إسرائيل في خطوات الرئيس الفلسطيني العقابية ومحاولته إخضاع "حماس" ودفعها إلى الرضوخ لمطالبه، حتى لو ألحقت هذه الخطوات الضرر بالسكان الفلسطينيين في قطاع غزة.

•في الوقت عينه، ترفض إسرائيل التحاور مع "حماس" من أجل تحسين التعامل مع الضائقة الإنسانية، على الرغم من أنها تعتبرها الطرف الحاكم والمسؤول في القطاع، ولهذا السبب تهاجمها عسكرياً عند إطلاق أي صاروخ، أو عند حدوث أي حدث أمني آخر، حتى عندما يكون واضحاً لإسرائيل أن "حماس" ليست وراء هذا الحادث.

•إضافة إلى ذلك، يخلط الحديث الإسرائيلي بين تقديم جواب على الضائقة الإنسانية وبين إعادة إعمار القطاع، مما يؤدي إلى التعميم على الضائقة، وذلك عندما يشترط وزير الدفاع وآخرون إعادة إعماره بتجريده من السلاح. هناك فارق بين إعادة إعمار القطاع التي تُعتبر خطوة واسعة النطاق، وتتطلب توظيفاً كبيراً للموارد وتدخُّل كثير من اللاعبين، وبين تقديم رد مباشر على الضائقة الإنسانية الصعبة. وفي الحالتين لا يمكن القيام بشيء من دون إسرائيل، إذ إن موافقتها ضرورية لأنه من خلالها يجري عبور جميع الحاجات الضرورية للسكان في القطاع، المياه، والطاقة، والدواء، والغذاء والمواد الأولية وغيرها.

•يفترض التقدير السائد وجود علاقة بين تفاقم الوضع الإنساني وبين تدهور الواقع الأمني إلى حد الانزلاق إلى جولة عنف جديدة. وبناء على ذلك، تقضي المصلحة الإسرائيلية التخفيف من الضائقة الإنسانية، وبهذه الطريقة يتم تقليص فرص نشوب جولة عنف جديدة في وقت قريب.

•وبهدف تقليص المشكلة الإنسانية وتهدئة الوضع الأمني، تقف إسرائيل أمام ثلاثة خيارات أساسية: الأول، تستطيع إسرائيل أن تعمل بصورة أحادية الجانب من أجل تقديم رد على الضائقة الإنسانية، وضائقة المياه والدواء، ونقل كل ما يمكن سواء بمساعدة المنظمات الدولية العاملة في غزة، أو من خلال حسم الكلفة من أموال الضرائب التي تحوَّل إلى السلطة الفلسطينية.

•الخيار الثاني، المساعدة في تحقيق مطالب الرئيس عباس وشروطه من أجل إنجاح عملية المصالحة بهدف زيادة فرص عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وذلك بواسطة مبادرة تعبئة إقليمية ودولية لتحسين الوضع في القطاع يشترط انتقال الصلاحيات في القطاع إلى السلطة الفلسطينية.

•إسرائيل لم تحبط جهود المصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية التي دفعت مصر بها قدماً إلى الأمام. لكن أحد أسباب فشل عملية المصالحة هو تردد رئيس السلطة في تحمل مسؤوليته عن القطاع من دون الموارد المطلوبة لأن ذلك يعني فشلاً متوقعاً في إدارة القطاع. 

•الخيار الثالث، اعتبار غزة كياناً معادياً  أشبه بدولة تسيطر عليه "حماس"، والافتراض أنه أيضاً في مواجهة كيان معادي ويدير شؤون الحكم يمكن وضع قواعد لعبة من دون اتفاقات رسمية. إن ميثاق السياسة الجديدة لـ"حماس" الذي نُشر في أيار/مايو 2017، والقيادة الجديدة للحركة في قطاع غزة ، التي أتت من السكان وتعيش بينهم وهي بالتالي أكثر حساسية لحاجاتهم، يمكن أن يتضح أنهما يشكلان بنية تحتية لهذا الخيار. وضمن هذا الإطار، في إمكان إسرائيل السماح بتزويد القطاع بمواد خام وحاجات ضرورية لقاء تهدئة أمنية مستمرة، حتى لو ظهر ادعاء بأن إسرائيل تساعد بهذه الطريقة في تعزيز ومنح الشرعية لسلطة "حماس" في القطاع.

•لا تشكل هذه الخيارات الثلاثة ضمانة في مواجهة تصعيد محتمل في المستقبل، لكنها بالتأكيد تزيد من فرص تأجيل الجولة المقبلة من العنف، وتتيح لإسرائيل إنجاز بناء العائق على طول الحدود مع القطاع.

•لقد امتنعت إسرائيل من اختيار واحد من هذه الخيارات، وهي تنتهج سياسة التأجيل والرد الخالي من المبادرة. من الصعب الافتراض أن الوضع الإنساني الصعب في القطاع سيُحل تلقائياً. والسبيل إلى تحسين الوضع في القطاع، مع تقليص عبء مسؤوليات إسرائيل، هو من خلال تجنيد الدول العربية السنية البراغماتية والمجتمع الدولي ضمن جهد مكثف لتحسين الوضع هناك.

•لا يوجد احتمال حقيقي لتحقيق خطة تدخل إقليمي ودولي في قطاع غزة من دون موافقة إسرائيل ومن دون مساهمتها. وسيكون على مصر القيام بدورها بشأن كل ما يتعلق بتشغيل نظام معبر رفح، وسيُطلب من دول الخليج تقديم مساعدة مالية، وتدخلاً فعالاً أكثر في قطاع غزة بشأن كل ما يتعلق بطريقة استخدام هذه الأموال من أجل الأهداف التي وُضعت لها. وسيكون على المجتمع الدولي أن يساعد في تغيير تفويض الأونروا بصورة تضمن استخداماً عقلانياً ومفيداً أكثر لمواد المنظمة وأموالها وتوجيهها إلى معالجة الضائقة الإنسانية في إطار خطة عمل متفق عليها. 

•بالإضافة إلى المبادرة والجهد للدفع قدماً بخطة تدخل إنسانية في أي خيار، وما دامت "حماس" هي الطرف المسيطر والمركزي في قطاع غزة، يجب على إسرائيل المحافظة على آلية الردع والتمسك بمطالبة "حماس" بتحمُّل المسؤولية الأمنية المطلقة.