الحرب الأهلية في سورية على مشارف مرحلة جديدة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•الحرب الأهلية في سورية والحروب بالوكالة (Proxies) التي بدأت قبل سبعة أعوام، هي اليوم أمام مرحلة جديدة. هذه التطورات تجلت في الأسابيع الأخيرة من خلال أحداث وقعت على جبهات متعددة في سورية: "يوم القتال" بين إسرائيل وسورية وإيران (تسلل طائرة إيرانية من دون طيار إلى الأراضي الإسرائيلية وإسقاطها، الردود والهجمات التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي داخل أراضي سورية وإسقاط طائرة "سوفا" الإسرائيلية بواسطة الدفاع الجوي السوري)؛ هجوم أميركي في دير الزور أدى إلى مقتل أكثر من 100 مقاتل لهم علاقة بنظام الأسد، بينهم مقاتلون ينتمون إلى وحدة مرتزقة روسية؛ وعملية تركية في الشريط الكردي عفرين هدفها تقليص النفوذ الكردي في شمال سورية. من الصواب أن نفحص تسلسل الحرب وموازين القوى حتى الآن كي نفهم دوافع التحركات الأخيرة وانعكاساتها. 

•لقد تحولت الحرب في سورية منذ مراحلها الأولى إلى "ملعب" محلي، إقليمي، ودولي. وقد شكل ضعف نظام الأسد وتعدد التيارات التي شاركت في الحرب أرضاَ خصبة لأصحاب المصالح الأجنبية من أجل الدفع قدماً بجدول أعمالهم في سورية وفي الشرق الأوسط عامة. وإيران وحزب الله كانا أول من وقف إلى جانب نظام الأسد في سنة 2011، ومساعدته كي يصمد، أولاً بواسطة حزب الله، وفيما بعد بواسطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وميليشيات شيعية جرى تجنيدها في العراق وفي باكستان وأفغانستان. وقد شارك هؤلاء في مراحل متعددة من القتال إلى جانب نظام الأسد ضد تنظيمات المتمردين المتنوعة التي  حصلت بدورها على دعم الدول العربية السنية.

•لم يمر وقت طويل لكي يتضح أن المتمردين السنّة يجدون صعوبة في التوحد حول قاسم مشترك، فتشرذموا إلى عشرات المجموعات الصغيرة، التي لم تنجح في توحيد صفوفها وتشكيل كتلة حاسمة ضد نظام الأسد. وقد حاربت هذه الفصائل بعضها بعضاً سعياً للسيطرة المحلية. فتنظيم الدولة الإسلامية داعش، العنصر المهيمن في المعسكر السني الراديكالي، الذي تمركز في العراق وسورية في سنة  2014، هو الذي دفع الولايات المتحدة (بعد أن امتنعت من التدخل سابقاً) إلى التحرك عسكرياً في سورية داخل إطار ائتلاف دولي، ومهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة. وفي أواخر سنة 2015، ولدى تعرض صمود الأسد لخطر كبير، بدأت روسيا تدخّلها العسكري وشكلت مع إيران ووكلائها في سورية ائتلافاً عسكرياً مؤيداً للأسد. وقد أدى ذلك  خلال سنة إلى رجحان الكفة بوضوح إلى جانب الأسد، وأضعف كثيراً قوات المتمردين. وشكل احتلال حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016 الحدث الذي بلور التغير في موازين القوى. 

•إن استراتيجية "الدولة الإسلامية أولاً" التي وضعتها الولايات المتحدة تركت جانباً النزاعات الأُخرى. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2017 انهزم تنظيم الدولة الإسلامية بعد احتلال مركزيْ سيطرته، أي الموصل في العراق والرقة في سورية. وبقي الأسد في الحكم يسيطر على المراكز السكانية الكبيرة، على الرغم من كونه لا يسيطر على سورية كلها. وقد عملت روسيا بصورة حثيثة على تشكيل عملية تسوية سياسية في سورية تأخذ في الاعتبار علاقات القوى على الأرض، وذلك من خلال إقامة "مناطق خفض التصعيد" (de-escalation zones) في الجيوب التي تسيطر عليها القوى المؤيدة لنظام الأسد. وقد اتضح أن العائق الأساسي في وجه تسوية سياسية هو استمرار الأوضاع التي أشعلت الحرب الأهلية منذ البداية والخصومات التي ساهمت في استمرار الحرب، بما في ذلك تدخل لاعبين خارجيين.

•في الوقت الذي حاول الائتلاف المؤيد للأسد تقديم صورة انتصار وأعاد السلطة إلى يدي الأسد، قبل الانتقال إلى المرحلة القادمة من بلورة حل سياسي برعاية روسيا وإيران، اشتعلت المعارك والأحداث في شتى أنحاء سورية. وفي الوضع الحالي يحاول كل صاحب مصلحة في سورية، وسائر القوى الخارجية تحقيق أكبر قدر من النفوذ والمحافظة على الأرصدة التي سيطروا عليها وحاربوا من أجلها.  ويخلق تصادم المصالح جواً من "الكل ضد الكل"، ويشكل بداية مرحلة جديدة في الحرب الأهلية السورية.

•في هذا المخزون المعقد من المصالح تنشأ نزاعات لا يمكن الحؤول دون حدوثها. مثلاً، تعزز الولايات المتحدة دعمها للقوات الكردية في شمال شرقي سورية، كي تنظف المنطقة من بقايا تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم السماح بنموها وسيطرتها مجدداً على الأرض، وأيضاً من أجل كبح نشوء "الجسر البري" الإيراني إلى البحر المتوسط. وفي المقابل، تعارض تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي وحليفة الولايات المتحدة، الخطوة الأميركية الرامية إلى تعزيز القوات الكردية. ومن وراء الكواليس تؤجج روسيا النيران، وتعطي تركيا "ضوءاً أخضر" للقيام بعملية عسكرية، هدفها السيطرة على منطقة عفرين شمال سورية الواقعة تحت السيطرة الكردية، من دون الأخذ  في الاعتبار نظام الأسد الذي يعتبر العملية التركية اعتداء على سيادة بلاده. وبهذه الطريقة تتحدى روسيا الولايات المتحدة وتجبرها على الاختيار بين تأييدها الأكراد وبين علاقتها بتركيا. في الوقت عينه تحاول الولايات المتحدة منع سيطرة القوى المؤيدة للأسد وبصورة خاصة منع وكلائه الإيرانيين من السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية لنهر الفرات، الواقعة تحت سيطرة الأكراد. ولذلك اضطر الأميركيون في الأسبوع الماضي إلى مساعدة القوات الكردية الديمقراطية السورية، SDF ، لدى تعرضها لهجوم من جانب القوات المؤيدة للأسد في منطقة دير الزور. 

•بالنسبة إلى إسرائيل، تقيم موسكو معها حواراً استراتيجياً وتمنحها هامشاً لتحرك عملاني في الأجواء السورية، الأمر الذي يخدم أيضاً المصالح الروسية في تقليص النفوذ الإيراني في سورية. لكن في الوقت عينه، تغض موسكو النظر عن إطلاق طائرة من دون طيار إيرانية من مطار تيفور T-4 الواقع في عمق سورية، حيث الوجود العسكري الروسي، بهدف التسلل إلى أراضي إسرائيل، وكانت نتيجته زيادة الاحتكاك بين إسرائيل وإيران. إضافة إلى ذلك تقدم روسيا استشارة مكثفة لمنظومة الدفاع الجوي السوري كي ينجح في اعتراض الطائرات الإسرائيلية التي تنشط في المجال الجوي السوري، وتقليص حرية التحرك العملاني لإسرائيل.

•هذا الواقع الذي يصطدم فيه العديد من المصالح  العائدة إلى لاعبين مختلفين يؤكد استمرار الاحتكاكات والمواجهات. ومن المتوقع أن يواصل الأسد العمل لترسيخ وتوسيع قبضته على الدولة، وفي هذا الإطار يركز الائتلاف المؤيد للأسد في هذه الأيام قواته استعداداً لمرحلة السيطرة على ضواحي دمشق؛ وستحاول تركيا منع نشوء منطقة كردية على حدودها، وأن تشكل "حزاماً أمنياً" خاضعاً لسيطرتها على الحدود بينها وبين سورية. الأكراد سيحاربون للدفاع عن المنطقة التي حصلوا عليها بعد قتال شرس وخسائر؛ إيران تريد أن تقطف ثمار استثماراتها في سورية وفي نظام الأسد، وأن تكون العنصر المركزي المؤثر في سورية وتحويل سورية إلى دولة وصاية. ومعنى ذلك بناء بنية تحتية إيرانية من أجل صنع وسائل قتال ووجود ميليشيات محلية خاضعة للنفوذ الإيراني؛ من جهتها إسرائيل، تعارض ذلك بقوة وتعمل على منع وجود عسكري دائم لإيران وحزب الله على حدودها الشمالية؛ الولايات المتحدة معنية بمنع نمو تنظيم الدولة الإسلامية من جديد في الفراغ السياسي الذي نشأ في المناطق التي كان يحتلها التنظيم. لهذا يعتقدون في البنتاغون أنه لن يكون هناك مفر من مواصلة التدخل العسكري وتوسيع السيطرة على الحدود الواقعة بين سورية والعراق وحتى اقامة قوة حرس حدود تعتمد على شركائهم المحليين؛ روسيا ترغب في المحافظة على النظام القائم وعلى نفوذها المتزايد في سورية، من أجل تحسين مكانتها في الشرق الأوسط وفي الساحة الدولية.

•ننصح إسرائيل بالاستمرار في الحوار الاستراتيجي مع روسيا، على الأقل للتخفيف من الأضرار. وفي المقابل، يجب عليها أن تدفع قدماً باستراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة لكبح النفوذ الإيراني، تشمل إغلاق الحدود الشرقية بين سورية والعراق بهدف لجم تأسيس ممر إيراني إلى سورية. ثمة هدف آخر هو ردع إيران عن مواصلة تمركزها في سورية من خلال زيادة المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى صدام بينها وبين القوات الأميركية.

•بعد السيطرة على ضواحي دمشق، يبدو أن الهدف المقبل للائتلاف المؤيد للأسد سيكون جنوب سورية، وقبل كل شيء جيب المعارضة في درعا. بناء على ذلك، يجب بلورة تعاون عملاني ثلاثي: أردني- إسرائيلي- أميركي، يشمل خطة تسليح وتدريب من جديد لقوات المتمردين في جنوب سورية (وخصوصاً الجيش السوري الحر) الذي أوقفت الولايات المتحدة تقديم الدعم له على الرغم من التحفظات الأردنية. ويجب استئناف هذا الدعم كي يجري استخدام المتمردين كإسفين في مواجهة تمدد القوات التي يستخدمها الإيرانيون في منطقة درعا –القنيطرة. في هذا السياق تستطيع إسرائيل استخدام العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة من أجل زيادة التعاون بينهم من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في سورية، لقاء الدفاع عن مصالح الأردن وإسرائيل حليفي الولايات المتحدة.