•على خلفية التصعيد الأخير على الحدود الشمالية، وأصوات التهديدات المتزايدة، بشأن المقبل من الأحداث، ينهي اللواء غادي أيزنكوت اليوم، فترة تولّيه منصب رئاسة الأركان، وهي 3 سنوات، بحسب القانون. ومع ذلك، وبناء على اقتراح من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، مدّدت الحكومة في شباط/فبراير 2017 ولايته سنة إضافية. لكن أيزنكوت كإصلاحي حقيقي، قرر تقصير أشهر ولايته الإضافية التي حصل عليها، إذ سينهي مهماته في 31 كانون الأول 2018، ليس لأنه يعرف شيئاً لا يعرفه الجمهور، بل لاعتقادة أن ولاية رئيس الأركان الذي سيأتي بعده يجب أن تبدأ في اليوم الأول من السنة التقويمية وسنة ميزانية الجيش الإسرائيلي.
•لا أحد يستطيع أن يعرف ماذا سيجري في الأشهر العشرة المقبلة: فالشرق الأوسط منطقة متفجرة حالياً وأي "خطأ في الحسابات" يمكن أن يشعل حرباً، وأي عنصر هامشي، مهما يكن صغيراً، قادر على التسبب بسلسلة ردود تنتهي بحرب كبيرة. بناء على ذلك، من الصعب تقدير أداء أيزنكوت كرئيس للأركان. والاختبار الحاسم له، شأنه شأن الجيش الذي بناه ودرّبه، كيف سيتصرف في وقت قتال مكثف؟
•مع ذلك، حالياً يمكننا القول، إن أيزنكوت هو رئيس أركان استثنائي، لأنه حقق خلال وقت قصير نسبياً نسبة كبيرة جداً من الأهداف التي وضعها لنفسه ولقادة الجيش عندما استلم منصبه، ليس فقط في مجال الاستعداد للحرب، وإعادة تنظيم القوات المحاربة، واستنفاد القوة البشرية والكفاءة، بل أيضاً في المجال العملاني. ويجب أن يكون هناك أمر واضح: كل إنجاز عسكري تقريباً وصل إلى مرحلة النضج، وتحقق بفضل رئيس أركان معين، قام على الجهود، وعلى الدروس من إخفاقات رؤساء الأركان السابقين، ووزراء الدفاع، وقادة الجيش الذين سبقوه. لكن تضافر هذا الكم من الإنجازات خلال فترة ولاية رئيس أركان واحد تقول كثيراً عن هذا الشخص وعن أدائه.
•على سبيل المثال، مع بداية مهماته، وضع أيزنكوت صياغة رد على الأنفاق من غزة في موقع متقدم من سلم أولويات الجيش الإسرائيلي. وحالياً، وبعد مرور 3 سنوات، يبدو أن هذا الرد أصبح موجوداً. طبعاً، ليس بصورة كاملة، لكن لا جدال في الوقائع: فقد جرى الكشف عن الأنفاق التي تتسلل إلى داخل أراضي إسرائيل الواحد تلو الاخر. صحيح أن أيزنكوت ليس هو من أوجد هذا الرد، لكنه عرف كيف يديره، وكيف يجعل طاقماً كبيراً من الأشخاص يركز على المهمة، ويصل إلى نتائج على الأرض.
•ثمة مثال آخر يمكن تقديمه، وهو حقيقة عدم وجود كميات من سلاح صاروخي دقيق، يمكن أن تشكل خطراً مهماً على دولة إسرائيل، لدى حزب الله، و"حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي حالياً. هذا على الرغم من توظيف الإيرانيين جهوداً وأموالاً خلال فترة طويلة، من أجل تزويد وكلائهم بهذه "البضاعة" الفتاكة.
•أيضاً خلال فترة رئيس الأركان بيني غانتس، الذي سبق أيزنكوت، جرت عشرات (وربما مئات) العمليات السرية في إطار (الحرب بين الحروب)، أحبطت انتقال الصواريخ والقذائف الدقيقة إلى سورية ولبنان وغزة. لكن حينها، لم يكن الروس موجودين، ولم ينشطوا عسكرياً في سورية، لذا لم تكن هناك حاجة إلى توخي الحذر من أجل عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع قوة عظمى. وإيران، باستثناء شحنات السلاح النوعي التي قُصفت، لم تحاول إقامة "مصانع" على أراضي لبنان، وسورية، وتحسين عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف الموجودة هناك، ولم تحاول بناء قاعدة جوية، وبحرية، وبرية في سورية.
•من الصعب الحديث كيف دفع إيزنكوت قُدُماً إلى الأمام قدرة الجيش الإسرائيلي، وحوّل الحرب بين الحروب إلى حرب فعلية، بطريقة سرية، وبعيداً عن الأضواء. وحتى الآن جرى إحباط نوايا إيران التمركز في سورية، وكل ذلك لمنع الأخيرتين من شن عملية ضد إسرائيل مستقبلاً، ومن نقل سلاح نوعي إلى حزب الله. بالإضافة إلى ذلك، فقد خسر النظام السوري نحو نصف بطاريات دفاعه الجوي.
•وتنجح الحرب بين الحروب، التي شكل القتال يوم السبت الماضي جانبها العلني، أيضاً في خلق ردع عسكري، من دون التدهور إلى تصعيد أو حرب. في إسرائيل، يركزون على إسقاط الطائرة، لكن ما وراء الحدود يمكن أن نفهم أنهم استخلصوا النتائج مما أظهره الجيش الإسرائيلي من قدرة استخباراتية، وقدرة على التدمير.
•هناك تفصيل آخر يجب الإشارة إليه، هو أنه منذ اليوم الأول لقيامه بمهماته، عندما كان قائداً للمنطقة الشمالية، بعد حرب لبنان الثانية، أولى أيزنكوت الحرب أهمية كبيرة للتأثير في الوعي، وتجري معركة ذات مكونات أخلاقية، وقانونية، ودبلوماسية، وغيرها، ليس فقط من أجل تقويض "القوة الناعمة" للعدو، بل أيضاً من أجل تعزيز الحصانة الوطنية للمجتمع الإسرائيلي، والشرعية التي تحظى بها إسرائيل والجيش الإسرائيلي من المجتمع الدولي. لهذا الغرض قام أيزنكوت بتوسيع وتحسين "دائرة التأثير في الوعي" في شعبة العمليات التي تدير "الحرب الناعمة" وتشرف عليها، بواسطة الحرب النفسية، والدبلوماسية، والعامة، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما لدى الاستخبارات العسكرية والناطق بلسان الجيش قدرات على التأثير في الوعي.
•يجب أن نتذكر أن رئيس الأركان يحظى بتعاون من المستوى السياسي، على الرغم من الرسالة العائدة إلى سنة 2010، ضد الهجوم على إيران الذي دعا إليه نتنياهو وبراك، وعلى الرغم من مواقفه الأخلاقية وطريقة تصرفه إزاء قضية أليؤر أزرايا التي كانت تتعارض مع مواقف ليبرمان. لقد وافق السياسيون من دون اعتراض على استراتيجيا الجيش الإسرائيلي التي نشرها أيزنكوت، والتي تُستخدم بديلاً من العقيدة الأمنية الجديدة التي لم ينجح المستوى السياسي في وضعها منذ سنوات. تجدر الإشارة إلى أن أيزنكوت تحدث بالتفصيل عما ينتظره من المستوى السياسي في وقت الحرب، وقد مرّ هذا الكلام من دون أي رد عنيف.
•وخلال ولايته، أبدى أيزنكوت في أحيان متقاربة مقاربات عملانية، واتخذ إجراءات تقع على الحد الواصل بين المجتمع الإسرائيلي والجيش، وتتعارض تماماً مع وجهة نظر الائتلاف الحكومي الحالي: بدءاً بمقاربته العملانية التي تفصل بين محاربة الإرهاب وبين جهد توفير حياة طبيعية للسكان الفلسطينيين غير المتورطين، بقيادة منسق أنشطة الحكومة في المناطق [المحتلة]، ومنع كارثة إنسانية في غزة؛ ومروراً بموقفه الذي لا يقبل المساومة، والذي لم يخضع لضغط الغوغاء من مسألة أليؤر أزرايا، والضم الحكيم والناجع للنساء في جميع مجالات ومستويات العمل الممكنة في الجيش الإسرائيلي.
•يواصل السياسيون، والمتشددون من الحاخامين والحريديم إجراء حوار محترم مع أيزنكوت، وأحياناً، يقبلون مواقفه، بسبب تواضعه والشعور بأن موضوع الأمن فقط هو ما يهمه، بالإضافة إلى الانطباع بأنه لا يقوم بألاعيب سياسية، ولا "يقدم حساباً" لأحد، لأنه ببساطة لا يريد شيئاً لنفسه في الحاضر وفي المستقبل السياسي، وكل ما يريده هو أن نعود إلى منازلنا سالمين.