إيران ونظام الأسد يحاولان تقييد حرية النشاط الجوي الإسرائيلي في الشمال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•سينتهي، يوم الثلاثاء القادم، التحقيق الذي يجريه الجيش الإسرائيلي بشأن سقوط طائرة إف-16 (صوفا) بنيران المضادات الجوية السورية، يوم السبت الأخير. ولكن الاستنتاجات الأساسية واضحة جداً، كما ترد في التقرير الذي نِشرناه هنا في مطلع الأسبوع. 

•حلّقت طائرات حربية إسرائيلية على ارتفاع نحو 40.000  قدم في أثناء مهاجمة موضع القيادة الإيرانية في قاعدة تيفور (T-4)، بالقرب من تدمر، وبينما كان اهتمام الطيار والملاّح في إحدى الطائرات مركّزاً على مسار الصواريخ التي أُطلقت على المركز الإيراني، لم ينفّذا مناورات التملص المطلوبة لمنع إصابتهما بصواريخ الـSA5 السورية التي أُطلقت في اتجاههما. ومنذ لحظة إصابة الطائرة تلقّى الطاقم القرار المطلوب بمغادرتها. وقد جرت خطوات العملية: الهبوط، وصول قوات الإنقاذ، والعناية الطبية، وفق ما هو مطلوب، وهو ما أدى إلى إنقاذ حياة الطيار والملاّح اللذين أُصيبا بجروح.

•لقد كان الثمن غير مسبوق، بالطبع، فمنذ سنة 1982، لم تسقط طائرة إسرائيلية بنيران العدو. لكن بالمقارنة مع العدد الضخم لطلعات سلاح الجو في شتى أنحاء الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، فإن هذا الثمن لا يبدو غير محتمل، وخصوصاً أن الحادث لم يُسفر عن خسارة في الأرواح، أو الوقوع في الأسر، الأمر الذي كان من شأنه أن يورط إسرائيل في مشكلات من حجم مختلف تماماً. ومع ذلك، فإن سقوط طائرة ليس نتيجة معقولة من ناحية سلاح الجو، ولا يبرّر مستوى خطر الهجوم مغادرة الطائرة وتحطمها، وبحسب ما سيقرره تحقيق سلاح الجو، فإن ما حدث هو خطأ عملاني. 

•لقد بدأت الهجمات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل ضد سورية في سنة 2012، وكان هدفها الأساسي، بحسب الخطوط الحمراء التي رسمها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ضرب الجهد الإيراني والجهد السوري لتزويد حزب الله بوسائل قتال متطورة. وبدا في العامين الأخيرين أن القلق الإسرائيلي يتركز بصورة خاصة في إحباط محاولة تحسين دقة السلاح الذي يملكه حزب الله، وفي الوقت نفسه، طرأت تغييرات إضافية.

•بحسب وسائل إعلام أجنبية، بعد فشل إسرائيل في مساعيها لإقناع روسيا والولايات المتحدة بإبقاء الميليشيات الشيعية التي تستخدمها إيران على مسافة معينة من الحدود في هضبة الجولان، انتقلت إسرائيل أيضاً إلى مهاجمة أهداف من أنواع مختلفة في سورية. وقد كتبت المحللة إليزابيث تسوركوف، هذا الأسبوع، في مدونة War on the Rocks، أنه بالإضافة إلى شحنات السلاح، جرى قصف مصانع لإنتاج السلاح (بينها منشأة كبيرة أمنية سورية في منطقة مصياف، في أيلول/سبتمبر)، ومعسكرات للجيش السوري، وقواعد أُقيمت من أجل الميليشيات الشيعية.

•في الواقع، ما يجري هنا هو صراع من أجل المحافظة على حرية النشاط الجوي الإسرائيلي في الشمال. ويبدو أن إسرائيل مصرّة على بقاء قواعد اللعبة السابقة التي أتاحت لها القيام بكل ما تريده في أجواء سورية خلال سنوات الحرب الأهلية السورية. لكن إيران وسورية تفكران بطريقة أُخرى، وهما تعملان من أجل تمرير الرسالة.

•والسؤال المطروح هو: هل كان يوم السبت الأخير كميناً مخطَّطاً له؟

•لقد بدأ يوم القتال في الشمال بإطلاق طائرة إيرانية من دون طيار من قاعدة، بالقرب من تدمر، اعترضتها طوافة تابعة لسلاح الجو في سهل بيت شان، بعد مرور دقيقة ونصف الدقيقة على عبورها الحدود من الأردن. لم يُذكَر ماذا كانت مهمتها، لكن يدل طراز هذه الطائرة المنسوخة عن طائرة أميركية مشابهة وقعت في أيدي الإيرانيين، في سنة 2011، على أنها معدّة لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومهمتها ليست انتحارية.

•التقدير الرسمي في إسرائيل هو أن الإيرانيين لم يضعوا في حسابهم أن الطائرة ستُكتشف خلال تسللها إلى أجواء إسرائيل. وادّعى السوريون أنهم تصرفوا بحسب أسلوب عملهم المعهود خلال الأشهر الأخيرة: إطلاق الدفاعات الجوية في كل مرة تدل حركة طائرات سلاح الجو على نيتها الهجوم. من هنا يأتي استنتاج مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين بأن تسلسل الأحداث كان غير مقصود، وغير مخطط له مسبقاً.

•لكن ضباطاً سابقين كانوا أكثر تشكيكاً. ففي تقدير قائد سلاح الجو السابق اللواء (في الاحتياط) إيتان بن ألياهو، في مقابله أجراها معه راديو أف أم 103، أن ما جرى هو كمين إيراني - سوري، في حين تذكر بعض زملائه طريقة عمل حزب الله، بمتابعة وثيقة من الحرس الثوري الإيراني أيام القتال في المنطقة الأمنية في جنوب لبنان في التسعينيات. يومها أسس الجيش طريقة قتال فعالة، وبحث الإيرانيون دائماً عن عملية خاصة تثمر إنجازاً يترك أثراً كبيراً في الوعي، و"يكسر المعادلة" بين الجانبين.

•يصرون في الحكومة وفي الجيش الإسرائيليين حالياً على أن أحداث يوم السبت لن تُحدث تغييراً في الاستراتيجيا الإسرائيلية. فالخطوط الحمراء بقيت على حالها، وستواصل إسرائيل العمل لإحباط تمركز الإيرانيين في سورية، وتهريب وسائل القتال إلى حزب الله، وعند الضرورة ستحبط المشروع الإيراني،  أي بناء مصنع لإنتاج السلاح الدقيق في لبنان نفسه. في المدى القريب سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى فحص هامش التحليق العملاني في الشمال، وفي المدى الأبعد، من المعقول أن يجري تخصيص مزيد من الموارد ومن الجهود لتطوير حلول تضمن التفوق التكنولوجي لسلاح الجو على منظومات الدفاع الجوية الموجودة في يد سورية وإيران، ولا سيما إذا قرّر الروس، مستقبلاً، تزويدهما بمنظومات مضادة للطائرات أكثر تطوراً.

 

•إن المعركة الجوية تفرض الحاجة إلى ادارة دقيقة ومهنية، على المستوى الاستراتيجي، وصولاً إلى أدق التفاصيل المتعلقة بالعمليات العملانية. قبل عامين ونصف العام، وفي إثر نشر الروس سربين من الطائرات الحربية الروسية في غربي سورية، سارع نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين إلى وضع آلية لمنع وقوع احتكاك جوي، نوع من خط ساخن يقلص خطر الاشتباك المباشر بين سلاحي الجو. هذه الآلية وُضعت موضع الاختبار يوم السبت الماضي، وتلقى الروس إشعاراً قصيراً ومقتضباً خلال عملية الهجوم على موضع القيادة الإيراني.

 

 

المزيد ضمن العدد 2793