الجيش الإسرائيلي يقيم منظومة صواريخ أرض - أرض جديدة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•في 4 كانون الثاني/يناير 2018، اتُخذ القرار في مكتب وزير الدفاع في الكرياه [مقر وزارة الدفاع]. وبعد نقاش لم يستمر أكثر من ساعة قرر وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان إنشاء منظومة صاروخية ضمن إطار سلاح البر، إذا شئتم "سلاحاً صاروخياً". ينطوي هذا القرار الدراماتيكي الذي يجري الكشف عنه، لأول مرة، هنا على بذور الثورة المقبلة في العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي. والمقصود هو بناء منظومة فعالة لصواريخ أرض- أرض ذات مدى متوسط، ضمن خطة العمل الحالية للجيش الإسرائيلي التي تنتهي في سنة 2020. وقبل أن يتراجع أحد عن رأيه، سارع وزير الدفاع إلى تخصيص نحو نصف مليار شيكل من ضمن ميزانية الأمن.

•منذ عشرات السنوات تناقش المؤسسة الأمنية مدى الحاجة إلى ذراع لاستخدام صواريخ أرض- أرض يتراوح مداها بين 100 و 300 كيلومتر. وقد حظي المشروع بكثير من الدعم، وخصوصاً في ضوء  الصفة الحصرية لسلاح الجو، كذراع استراتيجية بعيدة المدى. في النقاش مع وزير الدفاع في مطلع الشهر الماضي، شاركت شخصيات كبيرة من هيئة الأركان العامة لم تحبذ الفكرة، لكن ليبرمان حسم النقاش المستمر منذ سنوات، بالتشاور مع رئيس الأركان غادي أيزنكوت، وقرّر تبني عمل الطاقم الذي  قامت به شعبة التخطيط، خلال النصف سنة الأخيرة.

•وبحسب الخطة، سيجري في مرحلة أولى بناء منظومة صواريخ أرض - أرض يصل مداها إلى 150 كيلومتراً، وتوضع في خدمة سلاح البر. والمقصود هو صواريخ موجودة حالياً من طراز "أكسترا" تقوم شركة "تاعس" بتصنيعها لمصلحة جيوش أجنبية. بالإضافة إلى ذلك، سيجري تزويد  السفن الحربية في سلاح البحر "ساعر5" و"ساعر 6" بهذه الصواريخ عندما تصل، وستتحول إلى جزء من الذراع الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي. وبحسب ورقة طاقم هيئة الأركان، ستقوم شركة "تاعس" بالعمل على ملاءمة هذه الصواريخ لسلاح الجو أيضاً. وسيجري أيضاً في مراحل أكثر تقدماً للمشروع إدخال صواريخ يبلغ مداها 300 كيلومتر أو أكثر. 

•لا يزال الثمن النهائي غير واضح. ويمكن أن يصل إلى 9 مليارات شيكل، وأن يستمر مدة عشر سنوات، وهذا مرتبط بكمية الصواريخ التي سيتزود بها الجيش الإسرائيلي. 

آلاف الصواريخ الدقيقة

•إن فكرة إقامة ذراع استراتيجية في سلاح البر لم تولد لدى ليبرمان عندما أصبح في وزارة الدفاع. فمنذ سنة 2004، وعندما كان عضو كنيست ألّف كتاباً بعنوان" الحقيقة بالنسبة إليّ"، شرح فيه الحاجة إلى مثل هذه الذراع. مع مرور السنوات عاد إلى طرح الفكرة عندما كان عضواَ في المجلس الوزاري المصغر، وعندما كان رئيساً للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست. وحالياً، أصبحت لديه القدرة على تحقيقها.

•بيْد أنه في سنة 2004، عندما كتب ليبرمان كتابه، لم تكن هناك حاجة عملانية إلى منظومة صواريخ في سلاح البر. والتكنولوجيا التي حوّلت صواريخ رخيصة الثمن مع قدرة تدمير قياسية إلى صواريخ دقيقة، لم تكن قد نضجت بعد، وكان العدو مختلفاً، وشكّل سلاح الجو الرد الشامل على الأهداف البعيدة.  

•قبل خمس سنوات، حدث التغيير الدراماتيكي في التفكير العسكري الإسرائيلي، وجاء نتيجة التطورات التكنولوجية في العالم. فقد خسرت الدول المتقدمة احتكارها للسلاح الدقيق، ونجحت إيران قبل 5 سنوات في تطوير منظومة توجيه وتصويب جوي يمكن تركيبها على صواريخ بسيطة من إنتاجها، وتحويلها إلى صواريخ دقيقة. وفعلاً، بدلاً من نقل صواريخ إلى لبنان عن طريق سورية، عملت إيران على تركيب منظومات توجيه من إنتاجها على الصواريخ القديمة الموجودة في الأراضي اللبنانية. ومن أجل هذه الغاية، هي ليست بحاجة إلى معامل ضخمة.

•التقديرات في إسرائيل، أنه خلال عشر سنوات سيبلغ عدد الصواريخ الدقيقة الموجودة في لبنان أكثر من ألف صاروخ، إذا أُطلق كل واحد منها فهو قادر على إصابة الهدف بدقة إصابة تبلغ أمتاراً قليلة، ويمكن أن يلحق أضراراً هائلة بمنظومة الاستخبارات والتحكم، وبقواعد سلاح الجو، وبكل المنظومات التي تحرّك القدرة على الرد السريع للجيش الإسرائيلي. هذا من دون أن نتحدث عن الضرر الذي سيلحق بالبنى التحتية مثل الكهرباء، والمياه، وبرموز الحكم مثل الكنيست، وبالحكومة ومقر وزارة الدفاع وغيرها. وحتى لو أخذنا في حسابنا أن منظومة "القبة الحديدية" ستعترض 90% من هذه الصواريخ، يبقى هناك 100 صاروخ دقيق يمكن أن يسقط على أهداف حيوية وحساسة، وبالإضافة إلى التدمير، هناك ضرر معنوي ضخم.

•وبذلك نكون قد دخلنا عصراً جديداً من الصواريخ الدقيقة التي يملكها حزب الله، والتي تغطي أغلبية أراضي إسرائيل. وهذا هو الذي دفع، في الأيام الأخيرة، رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان والناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إلى الوقوف على كل المنابر، والتهديد بشن حرب ضد لبنان.

•قبل بضع سنوات، كان يمكننا القول إن  سلاح الجو يشتري طائرات تستطيع كل واحدة منها أن تحمل 24 قنبلة مع رؤوس متفجرة أثقل كثيراً من تلك الموجودة لدى الصواريخ البرية الغالية الثمن نسبياً، والمطارات موجودة، وكذلك الطواقم، وفي استطاعة سلاح الجو تدمير آلاف الأهداف في يوم واحد؛ كما في استطاعته جمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بهذه الأهداف. فمن يحتاج، والحال هذه، إلى سلاح صاروخي بري؟ حتى من الزاوية الاقتصادية.

•لكن هذا كله تغيّر. فالتقدم الهائل الذي طرأ على السلاح المضاد للطائرات، والموجود جزء منه في سورية، بالإضافة إلى كتلة الصواريخ الدقيقة التي يملكها العدو، كل ذلك فرض توزيع المهمات بين سلاح الجو، وبين سلاحي البر والبحر. صحيح أن إطلاقاً كثيفاً للصواريخ الدقيقة على مطارات عسكرية في إسرائيل لن يُسكت سلاح الجو، المستعد لمواجهة مثل هذا السيناريو. لكن فعالية السلاح تُقاس بقدرته على القيام بطلعات متواصلة. ومن المعقول جداً الافتراض أنه في وقت ما، ستتضرر استمرارية أداء سلاح الجو. في مثل هذا الوضع، فإن القنبلة الرخيصة الثمن التي تحملها الطائرة تصبح أقل أهمية.

•في عصر الصواريخ الدقيقة، تحتاج إسرائيل إلى قدرة هجومية منذ اللحظة الأولى. ويجب ألاّ تنتظر حتى استكمال عملية تعبئة الاحتياط، وحتى تصبح القوات البرية مستعدة للقيام بعملية برية، وحتى يستجمع سلاح الجو كامل قوته. وفي الجيش الإسرائيلي يعترفون اليوم أن العملية التي يقودها وزير الدفاع ورئيس الأركان جاءت متأخرة بضع سنوات.

•هناك أيضاً الناحية السياسية. ففي سورية على سبيل المثال تتحرك جيوش أجنبية، وعندما ترسل إسرائيل طائراتها رداً على عمليات عدائية ضدها، فإنها تخاطر بوقوع مواجهة مع منظومة الدفاع الجوي الروسية، ومع الطائرات الروسية أيضاً. بينما لن يورط إطلاق صاروخ دقيق من البر إسرائيل في مواجهة من هذا النوع، وهو سيصيب هدفاً محدداً ويدمره. 

•من الممكن أن تصبح منظومة صواريخ أرض- أرض مهمة في الساعات الأولى للقتال. وإليكم هذا السيناريو المحتمل: يجري خطف جنديين إلى لبنان، وخلال أقل من دقيقة، وفور وصول الأمرـ وقبل أن تجتاز قوة المطاردة الحدود، يجري تدمير جميع الجسور على نهر الليطاني، والحاصباني والزهراني، لمنع الخاطفين من الهرب شمالاً. في حادثة خطف الجنديين في الاحتياط، إيهود غولد فاسر وألدار ريغيف، في تموز/يوليو 2006، لم تستخدم قوة المطاردة أي سلاح دقيق، ووصلت الطوافات الهجومية، بعد ان أصبح الخاطفون خارج المنطقة.

•عندما ستصبح منظومة "رمح" التي يبلغ مداها 40 كيلومتراً، والتي أدخلت في السنة الماضية إلى سلاح المدفعية، في ذروة قوتها، فإنها قادرة على إطلاق 300 صاروخ كل عشر دقائق على كل هدف، من وادي نهر الزهراني وجنوباً. وستكون النتيجة استهداف نحو 300 هدف بالنيران الدقيقة كل عشر دقائق. يوجد في جنوب لبنان 237 قرية، وتوجد فيها آلاف الأهداف. في الضربة الأولى سيجري تدمير الصواريخ ومنصات الإطلاق الموجودة في مواقع تعرفها الاستخبارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى مواقع السيطرة والتحكم التابعة لحزب الله، وهكذا سيكون لدى إسرائيل الرد الفعلي على صليات الصواريخ التي ستُطلق من جنوب لبنان. إن حزب الله قادر اليوم على أن يطلق في الضربة النارية الأولى أكثر من 1200 صاروخ، بعضها صواريخ دقيقة. لذا فالرد يجب أن يكون فورياً.

•عندما يكون لدى الجيش صواريخ يبلغ مداها 150 كيلومتراً، فإنه سيكون قادراً على أن يطلق من أي نقطة في الشمال البعيد عن الحدود، مئات الصواريخ على أهداف موجودة شمال بيروت ودمشق، في حال سقوط صواريخ على تل أبيب، وإصابة مقر وزارة الدفاع والكنيست، بعد خمس دقائق من وصول الأوامر، سيسقط أول صاروخ على هدف محدد في العاصمة اللبنانية. تستطيع منظومة صاروخية واحدة إطلاق خمس صليات من الصواريخ في الساعة، وذلك يعني إطلاق 40 صاروخاً في الساعة، وإذا ضربنا هذا الرقم بعشرة يصبح العدد 400 صاروخ، سيسقط على بيروت، في الساعة. ودقة الإصابة لهذه الصواريخ هي بضعة أمتار.  ويكون في استطاعة صاروخ "إكستراً" يُطلق من تقاطع غولاني [في الجليل] تدمير طابق محدد في مبنى في بيروت. وهذا قبل أن تصبح الطائرات في الجو، وهذا النوع من العقاب يمكن أن يخلق ردعاً.

•إن المرحلة التالية في بناء المنظومة هو صاروخ أرض - أرض يبلغ مداه أكثر من 300 كيلومتراً، ويسمى "الصقر الكاسر"، هو الآن في مراحل متقدمة من التطوير، ومن التجارب على إطلاقه.

•يعرف الجيش الإسرائيلي هذه السيناريوهات والقدرات. وفي سنة 2012 كلف مجلس الأمن القومي شعبة التخطيط إقامة سلاح مدفعي وصاروخي، رداً على التقديرات بحصول العدو على سلاح دقيق. وقامت هذه الشعبة بالعمل من دون حماسة ظاهرة. كانت سَنَتا 2012 - 2013 سنتيْ ميزانية صعبة، وجرى الحديث عن مليارين أو ثلاثة مليارات شيكل، من أجل بناء هذه الوحدة، وشراء العتاد والصواريخ، ولم يكن أحد يعرف من أين سيأتي المال.

•لكن تهديد الصواريخ الدقيقة التي يملكها حزب الله أقلق رئيس الأركان، وجرى البحث عن صواريخ يتراوح مداها بين 20 و 40 كيلومتراً تقدم مساعدة في المعارك البرية، وخصوصاً على مستوى الفرقة. وكانت توجد في سلاح المدفعية منظومة واحدة كبيرة من الصواريخ الدقيقة التي يبلغ مداها 30 كيلومتراً جرى شراؤها سنة 2005، وسُميت الصواريخ الموجهة. والمقصود صواريخ أميركية من طراز MLRS، كانت لدى الجيش وحوّلتها شركة "تاعس" إلى صواريخ دقيقة. وكانت التجربة العملانية الأولى لهذه الصواريخ في حرب لبنان الثانية، حين أُطلق 140 صاروخاً من هذا النوع، بصورة أساسية على أماكن سكن رجال حزب الله التي دمرتها هذه الصواريخ الموجهة.

•في الفترة عينها، عرضت الصناعة الجوية صاروخ أرض - أرض "لورا" الذي يبلغ مداه أكثر من 300 كيلومتراً، ويمتاز بقدرته على الإصابة الدقيقة، ويستطيع اختراق المخابىء تحت الأرض.

•في 2013، حصل الجيش على دعم، في ضوء المعلومات المقلقة من لبنان، واشترى من "تاعس" منظومة "رمح" الدقيقة التي بلغ مداها 40 كيلومتراً. وفقط هذه السنة، استكمل سلاح المدفعية إقامة الوحدة العملانية الأولى. وخلال تجربة منظومة "رمح" جرى إطلاق ثلاثة صواريخ على 3 أهداف متعددة على بعد عشرات الكيلومترات، خلال 12 ثانية، وقد دُمرت كلها.

•حتى ذلك الوقت، جرى شراء "رمح" والصواريخ الموجهة، انطلاقاً من وجهة نظر زيادة قوة النار الدقيقة في سلاح المدفعية، وليس كجزء من ذراع صاروخية استراتيجية أرض - أرض، تعمل إلى جانب سلاح الجو، وتُستخدم كـ"بوليصة تأمين" في حال انقطاع وتيرة العمليات الجوية، حتى لوقت قصير. 

•بخلاف منظومة "القبة الحديدية" التي كانت عملية تطويرها طويلة ومكلفة، فإن صواريخ "اكسترا" موجودة لدى شركة "تاعس" التي تصنعها وتبيعها منذ سنة 2010. هناك عدد لا بأس به من جيوش العالم يملك اليوم صواريخ من إنتاج الشركة الإسرائيلية.

•وبناء على طلب ذارع البر، ستوضع منظومة الصواريخ التي يبلغ مداها 150 كيلومتراً، ومستقبلاً الصواريخ التي يبلغ مداها 300 كيلومتراً، في خدمة فرق خاصة معدّة للقتال في عمق أرض العدو. في المقابل، يطالب سلاح المدفعية بأن تكون هذه الصواريخ في حيازته، وحتى الآن لم يجر الاتفاق على الموضوع. الواضح حتى الآن أن استخدام هذه الصواريخ سيكون فقط من جانب هيئة الأركان العامة. فالاستخدام المدفعي للقذائف التي يتجاوز مداها 40 كيلومتراً بحاجة إلى نوع آخر من المعلومات الاستخباراتية، كما تتطلب قرارت على مستوى هيئة الأركان العامة وعلى المستوى السياسي.