•قبل حوالي شهر فقط اضطرت إسرائيل إلى الدفاع عن قرية حضر الدرزية في سفوح الجولان السورية ضد هجمات شنها المتمردون السوريون عليها. ولقد فعلت ذلك انطلاقاً من التزام مفهوم ومبرر حيال مشاعر الطائفة الدرزية في إسرائيل، وهي بذلك قدمت إلى سكان حضر معروفاً على الرغم من أن القرية ظلت مؤيدة لنظام الأسد، وفي السنوات الأخيرة خرجت منها خلية إرهابية كانت تعمل ضد إسرائيل بأوامر من حزب الله.
•لكن في الأسبوع الأخير حدث شيء ما في جنوب سورية. فقد شنت قوات النظام السورية وإلى جانبها – بل ربما في طليعتها - مقاتلو حزب الله وعناصر الحرس الثوري الإيراني، هجوماً ونجحت في السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال هضبة الجولان، وخصوصاً على بلدة بيت جن التي كان المتمردون يسيطرون عليها حتى الآن. وقد اختار هؤلاء الاستسلام وتوجه قسم منهم إلى شمال سورية الذي لا يزال في قبضة المتمردين، وقسم آخر اختار تسليم نفسه للقوات السورية والعودة إلى حضن دمشق.
•ما حدث في شمال الجولان هو مقدمة لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في جنوب سورية كلها وعلى طول الحدود الإسرائيلية السورية في الجولان. ومثلما حدث سنة 2000، عندما انهار الحزام الأمني في جنوب لبنان محدثاً ضجة كبيرة، يبدأ الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في جنوب سورية على طول الحدود بين الدولتين بالتلاشي.
•لقد وظفت إسرائيل في هذا الحزام في السنوات الأخيرة مئات ملايين الشيكلات من خلال تقديم مساعدة إنسانية إلى مجموعات المتمردين ما وراء الحدود. وفعلت ذلك بهدف ضمان استمرار الهدوء في المنطقة. ويبدو أن هذه العلاقات مع المتمردين أحيت الآمال بأن إسرائيل ستنجح في أن تغيّر تغييراً جذرياً علاقة السكان المحليين بإسرائيل، وتحولهم إلى أصدقاء وحتى إلى حلفاء على المدى البعيد. لكن يبدو أن ما سيبقى محفوراً في ذاكرة السكان المحليين ليس المساعدة الإنسانية التي قدمتها إليهم إسرائيل، بل حقيقة أنه في لحظة الحقيقة، عندما تقدم النظام السوري نحو قراهم، وقفت إسرائيل موقف المتفرج وتركتهم يواجهون مصيرهم.
•تشكل خطوة سيطرة النظام السوري وحلفائه على منطقة هضبة الجولان خرقاً للاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة وروسيا قبل أقل من شهر. وموضوع هذا الاتفاق إقامة منطقة محمية (منطقة تهدئة) في جنوب سورية وتوفير الحماية والحصانة إلى مجموعات المتمردين. لكن الاتفاقات شيء والواقع شيء آخر، وبالتأكيد في هذا الجزء من عالمنا.
•لقد اكتفى الأميركيون بتوقيع اتفاق انطلاقاً من الاعتقاد الساذج بأن الطرف الثاني يقبل بما هو متعارف عليه، بأن الاتفاق يجب أن يُحترم. لكن من المحتمل، كما جرى في حالات أُخرى، أن ما أراده الأميركيون هو علاقات عامة بهدف إظهار أنفسهم بصورة إيجابية، كأنهم يحرصون على حلفائهم، لكن عملياً، فإن كل ما يهمهم هو كيفية التخلص من الورطة السورية، حتى لو كان هذا يعني تقديمها إلى الروس، والأسوأ من هذا تقديمها إلى الإيرانيين.
•كما هو معروف تحترم روسيا الاتفاقات عندما تتماشى مع مصالحها. لذا بالنسبة إلى موسكو ليس هناك أي صعوبة في توقيع اتفاق وخرقه في اليوم التالي، أو ببساطة تجاهله. أما بالنسبة إلى نظام بشار الأسد وحلفائه، فالاتفاقات لا تهمهم، وهي جزء من عملية تضليل وكلام فضفاض دفاعاً عن السلام، بينما يتواصل على الأرض القتال على طريقة القضم قطعة وراء أُخرى بهدف قمع الثورة وإعادة السيطرة على دمشق.
•حسناً فعلت إسرائيل أنها ابتعدت عن إقامة وجود عسكري في الأراضي السورية. وفي الواقع، ليست نظرية الحزام الأمني فقط هي التي انهارت، بل انهار أيضاً الافتراض أن الحرب السورية قد تستمر سنوات كثيرة، وأن سورية التي عرفناها في الماضي لن تعود كما كانت. يتضح الآن أن سورية القديمة تعود إلى حدودنا بأسرع مما توقعناه، وأكثر خطراً وتنظيماً من الماضي. وذلك بسبب وجود إيران وحزب الله، اللذين يرى فيهما العالم، وروسيا تحديداً، عامل استقرار إيجابي يجب أن يستمر في المستقبل المنظور.