من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•أوافق ألوف بن [رئيس تحرير صحيفة هآرتس] على أن الهدف الأكبر الذي يسعى له بنيامين نتنياهو هو القضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية؛ لكنني أختلف معه في زعمه أن هذه الحركة تحتضر [في الإمكان مراجعة ترجمة المقال في عدد النشرة في 8/12/2017]. إن هذه الحركة الوطنية شبه علمانية، وهي فعلاً منهوكة القوى ومهزومة، لكن إذا أخذنا في الاعتبار أنها تقف في مواجهة كماشة القوة الإسرائيلية واللامبالاة العربية العامة، لا يمكن التقليل من إنجاز استمرار قتالها بشراسة من أجل مستقبلها، وعدم خضوعها للواقع الاستعماري الراهن.
•لقد صمدت الحركة الوطنية الفلسطينية في وجه قمع البريطانيين ثورة 1936-1939، وفي وجه هزيمة حرب الاستقلال [حرب 1948]، واللجوء، والاحتلال، وقمع الانتفاضات. ولا يعني عدم قدرة حركة وطنية على مواجهة قوة عسكرية، واقتصادية، وتكنولوجية عظمى لشعب آخر في زمن معين، أن هذه الحركة تحتضر. وفي الواقع يحارب الفلسطينيون بكل قوتهم المقاربة التي يحاول أنصار نفتالي بينت، وبتسلئيل سموتريتس [من حزب البيت اليهودي] الدفع بها قُدُماً، والقائلة إن الهزيمة العربية في 1967، التي لا يتحمل الفلسطينيون مسؤوليتها، تسببت في خسارتهم حريتهم إلى الأبد. وعملياً، فإن جميع محاولات إسرائيل كسر الفلسطينيين قد فشلت حتى الآن: وبهذا المعنى فإن إعلان ترامب لا يُقدّم ولا يُؤخر.
•لكن، ومن دون شك، سيضطر سكان الضفة في وقت قريب إلى تقرير هدف نضالهم النهائي: تقسيم البلد إلى دولتين، أو تقديم المساعدة إلى اليمين الإسرائيلي في محاولاته الانتحار بواسطة دولة واحدة لشعبين. طبعاً، إذا قامت هنا دولة واحدة، فسيربح الفلسطينيون فقط، ولكن إسرائيل لن تنجو، وإذا تعامل الفلسطينيون مع إعلان ترامب كما لو أنه يتعلق فقط بالقدس الغربية وامتداداتها اليهودية إلى ما وراء الخط الأخضر، مثل حي جيلو وحيّ راموت، فإن شيئاً لن يتغير، وستبقى الأهداف الوطنية العملية كما كانت حتى الآن: قيام دولة مستقلة على جزء من الأرض. لكن إذا طرأت على بالهم فكرة المطالبة بالجنسية الإسرائيلية لسكان القدس المضمومة تحت جناح الولايات المتحدة ومسؤوليتها، وهو طلب ستوافق عليه تلقائياً أميركا وأوروبا في آن معاً، فإن هذا مؤشر إلى أنهم بدؤوا التفكير جدياً بدولة ثنائية القومية. الجميع يعرف أن البديل عن الدولتين، اللتين لا يريدهما اليمين الإسرائيلي، هو دولة ستشكل حتماً نهاية الصهيونية، وستدفع عدداً غير قليل من الإسرائيليين إلى مغادرة البلد.
•من المعقول الافتراض أنه إلى جانب الذين يريدون دولة أبرتهايد بكل معنى الكلمة وفق المخطط الذي يرسمه أعضاء في حزب البيت اليهودي وكثيرون في حزب الليكود، سيكون هناك أيضاً بين الإسرائيليين من سيفضل البدء بالنضال من أجل المساواة في الحقوق بين جميع السكان، كما جرى في أفريقيا الجنوبية. وسيكون هناك من يقولون إنه نتيجة فشل الصهيونية فهم مضطرون إلى البحث عن مستقبل آخر لأنفسهم، ولأولادهم وأحفادهم. وأنهم إذا كانوا مضطرين إلى الاختيار بين عنصرية يهودية - إسرائيلية ممأسسة على المستويين السياسي والاجتماعي، وبين عنصرية أميركية، أو عداء أوروبي للسامية، فإنهم سيفضلون عدم العيش تحت نظام أبرتهايد رسمي.
•بناء على ذلك، فإن من يرغب في استمرار بقاء إسرائيل صهيونية، حرة، ديمقراطية، يتعين عليه أن يبذل كل ما في استطاعته كي لا يقرر الفلسطينيون تقديم فاتورة عن تحرك رئيس أميركي جاهل وغبي، وسيكون حساب الفاتورة بسيطاً: ليس من الممكن في المدينة "الموحدة" عاصمة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" أن يعيش نوعان من السكان: أشخاص أحرار يتمتعون بكل ثمار الديمقراطية ومواطنون في بلدهم، وأشخاص لا يحملون الجنسية، مواطنون من الدرجة الثانية. لا يمكن في أي مكان من العالم قبول مثل هذا الواقع، وحتى في إسرائيل نفسها لا يقبل الجميع هذا العار.