من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•"أيها الرفاق، الوطن ينتظركم" هكذا بلّغ فلاديمير بوتين جنوده في القاعدة الجوية الروسية حميميم في شمال سورية. إنها بشرى ممتازة بالنسبة إلى الجنود، والمستشارين والطيارين الذين "أنهوا مهمتهم بمحاربة الإرهاب في سورية" بحسب ما قاله بوتين، فقط لم يعرف هؤلاء الجنود متى عليهم أن يحزموا حقائبهم، وخصوصاً ما هو عدد الذين سيغادرون سورية. هل ينوي بوتين سحب قواته كجزء من الجهود السياسية التي تُبذل في هذه الأيام في جنيف، أم سيُبقي هذه القوات في سورية حتى تتضح نتيجة المحادثات التي انسحب منها ممثلو النظام ثم عادوا إليها مرة أُخرى يوم الإثنين؟ ثمة سؤال مهم آخر هو: هل ستنسحب روسيا أيضاً من الإشراف على مناطق خفض التوتر (مناطق أمنية) في جنوب سورية وفي وسطها؟ أم ستواصل هذه المهمات وفق الخطة التي اتُّفق عليها مع الولايات المتحدة وإيران وتركيا؟
•لم يتطرق إعلان بوتين إلى شروط انسحاب القوات، وحجم الانسحاب وموعده، وبناء على ذلك، يمكن التقدير أنه لا ينوي التخلي تماماً عن الساحة السورية، بل تقليص الوجود الروسي جزئياً. أمّا المناطق الحساسة، مثل المناطق الأمنية والتحركات على الحدود الشرقية السورية، فسيبقى العمل فيها كالمعتاد.
•من المتوقع أن ينعقد، يوم الخميس المقبل، في أستانة عاصمة كازاخستان، اجتماع بشأن المناطق الأمنية، للبحث في ترتيبات الرقابة، وتوزيع المسؤوليات بين روسيا وإيران وتركيا. وفي ضوء إعلان بوتين، فإن هذا الاجتماع يجب أن يثير اهتمام إسرائيل بصورة كبيرة، لأنها تريد أن تعرف هل سينجح الرئيس الروسي في إقناع الإيرانيين بإبعاد قواتهم في شرق سورية وجنوبها إلى ما بعد خط 25 كيلومتراً؟. وتنتظر تركيا، من جهتها، الحصول على موافقة روسية على السماح لقواتها بتعميق سيطرتها على شمال سورية، من أجل كبح توسع منطقة السيطرة الكردية، وهو موضوع من المنتظر مناقشته أيضاَ في أستانه.
•يوضح تعهد بوتين بضرب التنظيمات الارهابية إذا رفعت رأسها أنه لا ينوي التخلي عن الساحة العسكرية، أو تغيير الاستراتيجيا التي انتهجها حتى الآن، والتي غيّرت موازين القوى لمصلحة الأسد؛ لكن انسحاباً، ولو جزئياً، من شأنه أن يعطيه شرعية المطالبة بمغادرة جميع القوات الأجنبية سورية. وهو يقصد بصورة أساسية القوات الأميركية والتركية، التي لا تحظى بشرعية مثل القوات الروسية والإيرانية التي "دعاها" الأسد، كما أوضح قبل أسبوعين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ويمكن أن نجد إثباتاً على ذلك في الصيغة التي اختارها بوتين ومفادها أن القوات الروسية نجحت في القضاء على أغلبية قوات تنظيم داعش، وليس للولايات المتحدة، التي بررت تدخلها العسكري في سورية بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ما تفعله في سورية.
•لقد رد البنتاغون مشككاً وأعلن قائلاً إن "الإعلان الروسي عن تحريك قوات لا يتطابق دائماً مع خفض قوات، ولا يغيّر جدول أولويات الولايات المتحدة في سورية". حتى الآن كان هناك هدف واحد معلن للتدخل العسكري الأميركي في سورية وهو القضاء على داعش. وبعد إعلان رئيس الحكومة العراقية الأسبوع الماضي هزيمة داعش في العراق، و أضافت روسيا إلى ذلك نجاحها في سورية، لم يعد واضحاً ما تقصده إدارة ترامب عندما تتحدث عن "جدول أولويات في سورية".
•إن نجاح روسيا، الذي سيلعب بالتأكيد، دوراً مهماً في معركة الرئاسة الانتخابية التي ستجري في روسيا في آذار/مارس المقبل، لم يبرز فقط بالطريقة التي تغيرت فيها موازين القوى لمصلحة الأسد، بل هو يبرز خصوصاً في طرد الولايات المتحدة من المنطقة، وفي إدارة النسيج المعقد لوقف إطلاق النار المحلي الذي سمح في النهاية باقامة مناطق أمنية، لكن من الصعب صمود هذا الإنجاز من دون مظلة عسكرية تحرص، من جهة، على منع الهجمات على المناطق الأمنية، وتواصل، من جهة أُخرى، محاربة معارضي النظام المعتبرين تنظيمات إرهابية. ومن أجل تحقيق هذين الهدفين، فالنظام بحاجة إلى قوات روسية كبيرة، وبصورة خاصة هو بحاجة إلى سلاح الجو الروسي.
•إن انسحاب القوات الروسية، حتى لو كان كبيراً وبدأ في وقت قريب، لن يغيّر في مسألة تدخل إيران العسكري في سورية. وفرضية العمل الإسرائيلية والأميركية هي أن إيران ستسعى لاستغلال الانسحاب الروسي من أجل زيادة وجودها في سورية، عبر زيادة القواعد العسكرية وإرسال العديد من المقاتلين. لكن ليس هذا هو السيناريو الوحيد المحتمل. لا تدور بين روسيا وإيران لعبة الرابح يربح كل شيء، والخاسر يخسر كل شيء (Zero sum game) في سورية، وهما لا تتنافسان للحصول على قلب الأسد، الذي يعتمد اعتماداً مطلقاً عليهما.
•في أي اتفاق سياسي بشأن مستقبل سورية، سيظل وضع الطاغية السوري مضموناً في المدى القصير، والسؤال المطروح كيف سيجري تقاسم "المغانم" الاقتصادية والسياسية بين روسيا وإيران. ليس في استطاعة أي واحدة منها أن تزيح الثانية من الساحة، وهناك مصلحة للدولتين في تحقيق استقرار سورية ومنع قيام دولة كانتونات، وتحقيق هذه المصلحة منوط بالاتفاقات التي سيجري التوصل إليها بينهما، وليس بصراع عسكري على السيطرة الجغرافية التي ستجبرهما على الاحتفاظ بقوات في سورية وقتاً طويلاً، وهذا أمر لا يعني الدولتين اللتين تحاولان أيضاً تحقيق سيطرة مهمة في دول أُخرى بوسائل اقتصادية وسياسية، وليس بالضرورة عسكرية.