إذا كان ثمن الاعتراف بالقدس هو سفك الدماء، من الأفضل أن نقول لترامب: لا نريد هذا المعروف منك
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•ظاهرياً، إن قراراً أميركياً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة إلى المدينة، سيكون بمثابة إنجاز سياسي كبير لحكومة نتنياهو. هو يكسر الإجماع القائم منذ سنة 1949، عندما رفضت دول العالم الاعتراف بإعلان إسرائيل القدس عاصمة لها، إلى أن يتم التوصل إلى سلام. وعلى الرغم من أن التفاصيل الدقيقة للإعلان الذي من المتوقع أن يعلنه ترامب اليوم بشأن خطواته المقدسية ليست واضحة بما فيه الكفاية، فإنه من المتوقع أن يعزز إحكام قبضة إسرائيل على القدس، وأن يقلص فرص تقسيمها مجدداً.

•والسؤال المطروح هو ما هوالثمن؟ إن هذا القرار يمكن أن يقضي على الأمل الضعيف بحدوث انعطافة في عملية السلام، وقد يشعل حريقاً محلياً وإقليمياً يخرّب المصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط. وسيمنح إيران ذريعة للتحريض وإثارة الرأي العام العربي ضد زعمائه. كما من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع العنف، وتقويض الأسس التي تقوم عليها السلطة الفلسطينية، التي استثمرت في تطوير علاقاتها مع ترامب. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة في الأرواح.

•قد يكون ترامب لم يسمع قط بـ"صخرة وجودنا"، التعبير الذي استخدمه نتنياهو من أجل تبرير قراره الأحادي فتح أنفاق حائط المبكى. لقد خسر 17 جندياً إسرائيلياً حياتهم كما قُتل 100 فلسطيني في الاضطرابات التي اندلعت، كما تضررت مكانة نتنياهو بشدة. وقد علّم هذا الحدث نتنياهو درساً لا يزال يحفظه على الأقل حتى اليوم: لا تعبث بالقدس فهي ستلدغك.

•إن التغيير الجذري الذي طرأ على السياسة الأميركية سيتيح لنتنياهو أن يسجل نقاطاً لدى الرأي العام الإسرائيلي، وبصورة خاصة اليميني، وهذه هدية ليست صغيرة، في وقت تتراجع فيه شعبيته في الاستطلاعات، ويغرق حتى عنقه في التحقيقات. لقد اعتبر العديد من الإسرائيليين عدم الاعتراف بالقدس الغربية على الأقل ظلماً صارخاً. وعلى عكس براغماتية حزب العمل التي تبنّت أسلوب دونم ودونم آخر، وعنزة، كان اليمين التصحيحي يعشق دائماً الخطابات، والتصريحات، واللفتات الرمزية، والكلام لديه جزء لا يتجزأ من الأفعال، وأحياناً هو بديل عنها مرغوب فيه. لكن الرأي العام متقلب. وإذا اندلع العنف ووقعت خسائر في الأرواح، فإن مبادرة ترامب ومحاولات نتنياهو الدفع بها قُدماً قد ترتد عليهما. 

•ستكون ردة فعل أغلبية يهود الولايات المتحدة أكثر تعقيداَ. من جهة ، لقد جعل مؤيدو إسرائيل وسط الجالية اليهودية القدس هدفهم الأسمى. ولهذا وعدت أغلبية مرشحي الرئاسة الأميركية بنقل السفارة، لكنهم كانوا يعرفون كيف يميزون بين خطاب التزلف في الحملات الانتخابية وبين إدارة سياسة خارجية حكيمة. لكن يهود الولايات المتحدة أيضاً يمقتون ترامب أكثر بكثير من الإسرائيليين. وهم سيعانون حالياً جرّاء محاولتهم التوفيق بين تحقيق حلمهم وبين حقيقة أن ترامب المكروه هو الذي أتاح ذلك. 

•تضغط أغلبية زعماء العالم على ترامب كي يمتنع من القيام بخطوات تشعل الأرض. وهم يتخوفون من أن يؤدي تغيير الأمر الواقع [الستاتيكو] في القدس إلى تكبيد المنطقة ثمناً باهظاً. وقد حذر أصدقاء ترامب الجدد في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم السعودية والأردن، اللتين تعتبران أنهما ترتبطان بعلاقة خاصة بالقدس، من الانعكاسات المتوقعة. وإذا قرّر ترامب تجاهل رأي هذه الدول والمضي قُدماً فإن لهذا سببين أساسيين. الأول هو أن ترامب استجاب إلى ضغوط ناخبيه الإنجيليين وهو يدفع ثمن المحافظة على ولائهم له. والسبب الثاني لتجاهل ترامب إشارات التحذير هو أنه على نقيض أغلبية السياسيين، فهو لا يرد بصورة جيدة على الحجج المنطقية والمبررات المدعومة. ويكره أن يقول له الآخرون ماذا يقدر أن يفعل وما لا يقدر أن يفعله، ويحب الإقدام على ما هو صحيح سياسياً، وفي هذه الحال ما هو صحيح دبلوماسياً، ويستطيع أن يحدث اضطرابات في القدس، أساساَ، لأنه قادر على ذلك.

•السيناريو المتفائل هو عودة الهدوء إلى  ما كان عليه بعد أعمال شغب محدودة. والسيناريو المتشائم هو أن يثير إعلان نقل السفارة غضباً فلسطينياً، وأن يفجر أيضاً إحباطات مشاعر غضب أُخرى تراكمت في السنوات الأخيرة، وهو ما يفتح الطريق نحو انتفاضة ثالثة، مع كل ما يترتب عليها. ومثل هذا التطور سيعرّض استمرار حكم عباس وبقاء السلطة الفلسطينية للخطر. بيد أن السيناريو الأسوأ هو أن يؤدي ذلك إلى انتشار العنف، بتشجيع إيراني، في عواصم عربية وإلحاق الأذى بالأنظمة المعتدلة. 

•إن الرأي العام في إسرائيل توّاق إلى الاعتراف بالقدس، لكن إذا كان الثمن حوادث دموية وعدم استقرار إقليمي وأصولية فلسطينية ونجاح دعائي إيراني، فإن الرد الصهيوني الملائم هو أن نقول لترامب: لا تقدم لنا معروفاً.