•في واشنطن، يواصل الرئيس ترامب تقدمه بحذر نحو الهدف الذي وضعه لنفسه عشية انتخابه رئيساً: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي الحقيقة كل خطوة يخطوها إلى الأمام تتلوها خطوتان إلى الوراء، ويهرع موظفو وزارة الخارجية محاولين كبح خطوات رئيسهم، ومع ذلك، يبدو أن ترامب حسم أمره وسيعلن ذلك هذا الأسبوع. أمّا ونقل السفارة الأميركية نفسها من تل أبيب إلى القدس فسيضطر للانتظار مزيداً من الوقت.
•من المثير للاهتمام الاكتشاف أن الروس سبقوا الأميركيين في عملية الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل (أيضاً من دون نقل السفارة إليها)، والدليل الواضح على ذلك أنه في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، يقف بوتين على قدمين ثابتتين على الأرض وسياسته هي سياسة واقعية (Real Politics)، فقد أعلنت موسكو في نيسان/أبريل هذه السنة أن القدس (على الرغم من تشديدها على أن المقصود هو القدس الغربية) هي عاصمة إسرائيل وليست تل أبيب.
•هذا أمر مهم، لأن بوتين يُعتبر الرجل القوي في المنطقة. ويتوافد الحكام العرب على زيارته، بدءاً من الرئيس السوري وصولاً إلى الرئيس المصري والملك السعودي. وقبل أسبوعين فقط استضاف في منتجعه "سوتشي" قمة شارك فيها الرئيسان الإيراني والتركي، ولم ينزعج أحد من هؤلاء الزعماء أو عبّر عن احتجاجه على إعلان بوتين أن القدس هي عاصمة إسرائيل، وهذا الأمر لم يضعف مكانة روسيا في المنطقة، بل على عكس ذلك، ربما هذا هو الدرس الذي يتعين على ترامب أن يتعلمه من بوتين. وإذا كان زعيماً يثق بنفسه ويعتقد أنه زعيم قوي ورئيس أكبر دولة وأعظمها في العالم، فعليه أن يتصرف بهذه الطريقة والباقي يحدث تلقائياً.
•في هذه الأثناء، لم تحدث نية ترامب الاعتراف بالقدس أصداء في العالم العربي، باستثناء احتجاج متوقَّع سلفاً، وهو أيضاً بقي في حدّه الأدنى، من الفلسطينيين ومن ملك الأردن، الخائف على استقرار حكمه. ويبدو أن الدول العربية ليسوا معنيين حتى بالدفاع كلامياً عن القضية الفلسطينية، وبتقديم الغطاء للإنذار الفلسطيني الذي حذّر الأميركيين قبل أيام من فتح مسألة القدس، قبل التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تحظى برضى رام الله.
•على أية حال، تمرّ دول الخليج بعملية تطبيع علاقات متسارعة مع إسرائيل، ويجب الاعتراف بأنها حتى مفاجِئة، وهي تعطي في جميع الأحوال أولوية واضحة لكبح إيران التي ترى فيها وليس في إسرائيل تهديداً مركزياً لاستقرارها وأمنها. وهذا حال مصر أيضاً.
•في نهاية الأمر، لايحمل الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل أي تغيير جوهري في السياسة الأميركية حتى بالنسبة إلى السياسات التي انتهجتها إدارات أميركية اعتُبرت متشددة حيال إسرائيل، على سبيل المثال إدارة جورج بوش الأب أو إدارة أوباما، اعترفتا بحكم الأمرالواقع بأن عاصمة إسرائيل موجودة في القدس. بالطبع لقد كان مطلوباً أن يكون الاعتراف بالقدس جزءاً من سياسة وأيضاً من استراتيجيا أميركية شاملة حيال الشرق الأوسط، أساسها الوقوف إلى جانب حلفاء واشنطن في المنطقة في مواجهة التهديدات التي يتعرضون لها، لكن في ظل الغياب المؤسف لمثل هذه السياسة، فإن خطوة معزولة كهذه هي مطلوبة ومرغوبة.
•لقد مرت سنة كاملة تقريباً على حكم ترامب، ويوجد في سجله نقاط مضيئة وأُخرى مظلمة. فكوريا الشمالية ليست معجبة به، وكذلك إيران التي تمضي قدماً في فرض إرادتها على مناطق واسعة في الشرق الأوسط. لقد أثنى أصدقاء واشنطن على التصريحات الحادة التي سمعوها منها، لكنهم لا زالوا ينتظرون أفعالاًـ وأكثر من ذلك، ينتظرون ليروا، ومعهم العالم كله، إذا كان من يسكن البيت الأبيض يتعامل بجدية مع تصريحاته ووعوده.