الرفض الفلسطيني لقرار التقسيم أكبر تضييع للفرصة في التاريخ
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•من المعروف أن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، والذي مرّت ذكراه الـ 70 الأسبوع الماضي، رفضه العرب والفلسطينيون، لكن ما هو معروف، بنسبة أقل، أن العرب والفلسطينيين لم يقفوا كلهم  ضد القرار، ويمكن أن نعدد جهتين بينهم، على الأقل، كانت لهما مصلحة في قيام دولة يهودية: ملك الأردن عبد الله، الذي توصل الى اتفاق سري مع ممثلي الحركة الصهيونية يقضي بتقسيم أراضي فلسطين الانتدابية بينه وبين اليهود؛ والموارنة في لبنان، الذين شعروا بمصير مشترك مع اليهود، كأقلية مسيحية في محيط إسلامي، الأمر الذي أدى إلى توقيع اتفاق سرّي بين البطريرك الماروني وممثلي الحركة الصهيونية في سنة 1946.

•وبين الفلسطينيين الذين لم يعارضوا التقسيم، أبناء عائلة النشاشيبي ومؤيدوهم المُعادون لأبناء عائلة الحسيني الذين تولوا رئاسة المؤسسات الفلسطينية المهمة. كما تبنّى الشيوعيون الفلسطينيون موقف الاتحاد السوفياتي، الذي أيّد خطة التقسيم، لكن في لحظة الحقيقة اختفى كل مؤيدي الخطة في السرّ، أو على الأصح، سكتوا، ويبدو أنهم فضّلوا الانجرار وراء "الشارع" الغاضب، كي لا يخسروا شرعية سلطتهم، وأيضاً كان لأعمال قتل وتهديد المتعاونين مع الصهيونيين تأثير في موقف هؤلاء.

•لقد كان قرار التقسيم فرصة تاريخية لحل النزاع لعدة أسباب: قرار بريطانيا بإنهاء الانتداب وتعهدها بأن يملأ لاعبون محليون (الفلسطينيون واليهود) الفراغ السياسي الذي سينشأ؛ وكما حدث في فترة ما بعد انهيار السلطنة العثمانية، نشأت، مرة أُخرى، فرصة خلق وقائع جديدة على الأرض؛ كما أن حقيقة تعيين الأمم المتحدة لجنة تحقيق لمعالجة المشكلة شكلت ضمانة لأن يحظى الحل، الذي سيجري التوصل إليه، بشرعية دولية. بالنسبة إلى الحركة الصهيونية، كانت الخطة جذابة بصورة خاصة لأنها ضمنت لها الحصول على أغلبية الأرض، على الرغم من أن السكان الفلسطينيين كانوا أكثر عدداً بضعفين، وأغلبية الأراضي يملكها فلسطينيون. بالنسبة إلى الفلسطينيين، كانت الخطة في الواقع أقل جاذبية، لكنها كانت أول مرة تقترح عليهم جهة دولية دولة مستقلة، غير تابعة للأردن.

•لقد كان الرفض العربي - الفلسطيني خطة التقسيم خطأ، وأيضاً تضييع فرصة، لأن الحل كان ممكناً. وعلى الرغم من الانقسام الداخلي الفلسطيني وتراجع شعبية الحاج أمين الحسيني بسبب تعاونه مع النازيين، فإنه بقي الزعيم المعترف به والشرعي للفلسطينيين، وكان قادراً على قيادة الأمور نحو قبول الخطة، لو كان فهم التغيرات التي طرأت على النظام الدولي وتعلم دروس الرفض الفلسطيني السابق (خصوصاً مشروع بيل 1937)، لكان قبول الخطة أدى الى تبنيها من المجتمع الدولي، وربما منع الحرب. لقد كان هذا أكبر تضييع فلسطيني للفرصة في التاريخ.

•يقلل المؤرخون الفلسطينيون من اعترافهم بخطيئة تضييع الفرصة. وقد كتب المؤرخ وليد الخالدي مقالاً بمناسبة مرور 50 سنةعلى خطة التقسيم قال فيه إن "الخطة لم تكن صيغة تسوية قانونية، وأخلاقية، وعادلة، ومتوازنة، وبراغماتية، وعملية، كما كان يجب أن تكون." وتساءل كيف يمكن أن تكون الخطة عادلة وأكثر من نصف الأرض مُنحت لليهود، الذين شكلوا حينها أقل من ثلث السكان ويملكون 7% من الأراضي، بينما حصلت أغلبية السكان التي تملك أغلبية الأرض على 45% من الأرض.

•في المقابل، ادّعى فيليب مطر، وهو أميركي - فلسطيني وكاتب سيرة المفتي، أن سياسة الحسيني كانت فاشلة، وأنه "عن غير قصد ساهم في طرد الفلسطينيين من أرضهم." وكتب المؤرخ الإسرائيلي - الفلسطيني، مصطفى كبها، بمناسبة مرور 60 سنة على خطة التقسيم "أن الحاج أمين الحسيني فشل في قراءة التغير الجوهري الذي طرأ على الخريطة السياسية العالمية والاقليمية."

•حتى المؤرخ إيلان بابه، المعروف بصورة عامة بتأييده قضية الفلسطينيين، كتب أن زعامة الحاج أمين افتقرت إلى "البراغماتية والقدرة على التقاط الفرصة التاريخية"، ولم يفهم أنه "بدلاً من رفض العرض، كان من الأفضل أن يكون طرفاً في التسوية حتى لو كانت تمثل الحد الأدنى."

•في الغرف المغلقة وليس علناً، كان الفلسطينيون مستعدين للاعتراف بالخطأ الذي ارتُكب برفض خطة التقسيم. وبرز تخوف لدى الجانب الفلسطيني في المحادثات التي جرت بين الإسرائيليين والفلسطينيين في كامب ديفيد (2000)، من أنهم قد يضيّعون فرصة تاريخية، كما ضيّعوها في سنة 1947. وكان مهماً ما فعله رئيس السلطة محمود عباس، عندما اعترف في مقابلة أُجريت معه في سنة 2011 بأن الفلسطينيين أخطأوا عندما رفضوا قرار التقسيم، لكنه أضاف: لا يمكن معاقبتهم على ذلك. 

•إن الاعتراف الفلسطيني بالخطأ التاريخي برفض خطة التقسيم هو الخطوة الأولى نحو خطة تقسيم مصغرة تستند إلى حدود أيار/مايو 1967، ولكن ليس كل الفلسطينيين مستعدين لذلك، والمشكلة أنه في الجانب الإسرائيلي تحدث عملية معاكسة: يتخلى اليهود أكثر فأكثر عن خطة التقسيم، سواء لأسباب إيديولوجية، أو يأساً. إن الذكرى الـ 70  لخطة التقسيم هي مناسبة لنتذكر أنه حتى لو تغيرت حدود التقسيم فإن الفكرة لا تزال صالحة.