•إن وجود قوات إيرانية وميليشيات تعمل تحت وصايتها ليس بعيداً عن الحدود هو المسألة الأقل إزعاجاً بالنسبة إلى إسرائيل. طوال عشرات السنوات عشنا وواجهنا وضعاً على الحدود في هضبة الجولان حيث كانت هناك خمس فرق عسكرية مسلحة بالدبابات والمدافع والصواريخ. وأثبتنا في حرب يوم الغفران [حرب تشرين/أكتوبر 1973] أننا قادرون على مواجهة هذه القوة. إن أقصى عدد يمكن للإيرانيين نشره اليوم على مسافة تراوح بين 5 إلى 25 كيلومتراً من خط وقف اطلاق النار، يساوي عدد فرقتين، أي ستة ألوية غير مزودة بالمدرعات. والمقصود أساساً ميليشيات مسلحة وليس جيشاً نظامياً يشكل تهديداً.
•صحيح أن مثل هذه الميليشيات لها القدرة على محاولة القيام بعمليات إرهابية، والتسلل إلى أراضي إسرائيل، أو إطلاق صواريخ وقذائف، لكن هذه عمليات يعرفها الجيش ويستطيع مواجهتها من دون صعوبة كبيرة، وعند الضرورة يستطيع أيضاً دخول سورية ومهاجمة قواعد هذه الميليشيات، بمن في ذلك حزب الله. لقد فعل الجيش الإسرائيلي ذلك بنجاج خلال حرب الاستنزاف، وليس هناك سبب يمنعه من القيام بذلك الآن على الرغم من الوجود الروسي في سورية.
•إن الروس لا يصرخون إلا عندما يمسهم الأمر مباشرة. والقيام بعملية ضد الميليشيات التي تعمل برعاية إيران، إذا نفذت بطريقة محدودة كما يعرف الجيش الإسرائيلي القيام بها وكما يسمح له بذلك السلاح الدقيق والموجّه الذي في حوزته، لن تكون سبباً لصدام مع الروس، ولا تشكل سبباً يدفعهم إلى محاربتنا.
•لكن الروس بحاجة إلى الإيرانيين في سورية لأنهم لا يريدون إدخال جنودهم للقتال على الأرض. هم يفضلون أن يقصفوا من الجو في حين تُستخدم الميليشيات الإيرانية طعماً لمدافع المتمردين. هذا هو السبب لوجود أغلبية أفراد الميليشيات وأفراد حزب الله حالياً في منطقة إدلب في شمال سورية. هناك يتمركز المتمردون، وفي مقابل ذلك هم في هضبة الجولان السوري بأعداد صغيرة نسبياً.
•في الخلاصة، الميليشيات التي تتحرك بالقرب من الحدود برعاية إيران، بمن في ذلك حزب الله، لا تشكل مشكلة استراتيجية لإسرائيل، بل مشكلة تكتيكية معروفة وممكن معالجتها. وبالمناسبة عناصر حزب الله موجودون منذ وقت على الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، على مسافة تراوح بين 7 إلى 20 كيلومتراً. وقد أطلقوا عدة مرات صواريخ على هضبة الجولان وعلى سفوح جبل الشيخ. وهذا يعزز الإدعاء بأننا قادرون على مواجهة هذا التهديد، ونعرف كيف نفعل ذلك. ومع ذلك، هناك عدة أسباب للتخوف.
•ما يبعث على التخوف هو الشرعية التي يعطيها الروس للوجود الاستراتيجي البعيد المدى للإيرانيين في سورية. لقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، قائلاً إن دولة سوريا هي التي دعت الإيرانيين، لذلك فإن وجودهم شرعي. يتناقض هذا الكلام مع روحية الاتفاق الذي وقع يوم الجمعة بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، وفقاً له يجب على جميع القوات الأجنبية الانسحاب من سورية. صحيح أنه لم يُذكر في الاتفاق متى يحدث ذلك، ولذلك فهو ليس أمراً ملزماً مثل كل إعلان نيات لا يشتمل على جدول زمني، لكن ما ورد في الاتفاق مهم لأنه يحوّل الوجود الإيراني والميليشيات إلى وجود غير شرعي مع مرور الزمن. لكن هنا جاء تصريح لافروف الذي حوّل هذا الوجود إلى وجود شرعي.
•معنى ذلك، أن إيران تستطيع أن تنشىء وجوداً استراتيجياً لقواتها يتضمن طائرات وسفناً حربية، وكل ما يتطلبه الأمر هو أن "تطلب منها الحكومة السورية ذلك". وهذا سيسمح لآيات الله بإقامة موقع عسكري على الساحل الشرقي من البحر المتوسط، تماماً على حدود دولة إسرائيل. وعلى سبيل المثال، فإن سفن سلاح البحر والسفن التجارية التي تخرج من ميناء حيفا ستكون مهددة من جانب صواريخ إيرانية تُطلق عليها من الساحل السوري، أو من سفن إيرانية ترسو في مرفأ طرطوس، أو اللاذقية أو في بيروت.
•مثال آخر، من الممكن أن تشارك بطاريات صواريخ أرض- جو إيرانية جديدة في إغلاق أجواء سورية ولبنان في وجه سلاح الجو الإسرائيلي. وكل هذا يهددنا أكثر بكثير من وجود مسلح يعمل بالقرب من الحدود في هضبة الجولان. إن وجوداً إيرانياً استراتيجياً في سورية، عندما يترسخ، سيكون من الصعب جداً تحييده.
•علاوة على ذلك، فإن التهديد الاستراتيجي الحقيقي هو رغبة إيران في فتح جبهة مع إسرائيل في الشمال، بالاضافة إلى لبنان. وهي تريد عند الحاجة أن تكون قادرة على محاربة إسرائيل بواسطة حزب الله في لبنان، وبواسطة ميليشياتها وقواتها الجوية والبحرية في سورية.
متى ستضطر إسرائيل إلى شن حرب؟
•تجدر الإشارة إلى نقطتين إيجابيتين من وجهة النظر الإسرائيلية. الأولى، إن وجود طائرات وسفن إيرانية في سورية سيتيح للجيش الإسرائيلي ضربها وتدميرها بسهولة نسبية. لن تكون هناك حاجة للطيران إلى إيران والتزود بالوقود خلال الطيران في الجو للقيام بذلك. وهم سيكونون معرضين للاصابة مثل منشآت الجيش السوري على اختلافها.
•نقطة إيجابية ثانية: في كلامه بالأمس أشار لافروف صراحة إلى أنه عندما تحدّث عن شرعية الوجود العسكري في سورية فهو قصد الوجود الإيراني فقط. وقال علناً إن المقصود ليس الميليشيات العاملة برعاية إيران، مثل حزب الله، بل فقط أفراد الحرس الثوري والجيش الإيراني.
•في هذا السياق، يشار إلى أن الإيرانيين لن يكونوا متحمسين لإرسال أبناء شعبهم للموت والتضحية بهم من أجل النظام السوري، لذا هم بحاجة إلى حزب الله وإلى الميليشيات العراقية والأفغانية التي يرسلونها حالياً إلى سورية. ومن المعقول أن إيران لن ترسل عشرات الآلاف من رجالها إلى سورية، حتى لو اعتقد الروس أن هذا أمر مشروع.
•في الخلاصة، إن وجوداً استراتيجياً إيرانياً في سورية يشمل قواعد صواريخ أرض- أرض، قد تحاول إيران إقامتها هناك، يشكل تهديداً استراتيجياً على دولة إسرائيل. ويجب أن نحذر العالم منه. لقد فعلت الحكومة الحالية والسابقة هذا بنجاح كبير، ويجب أن نعلم أن هذه التحذيرات لها هدف آخر: تهديد إيران وسورية من أنه إذا كان هناك وجود استراتيجي إيراني في سورية، فإن إسرائيل ستضطر إلى شن حرب، مما سيؤدي إلى خسارة روسيا وإيران جميع الأرصدة التي راكماها في الحرب الأهلية.
•ومن المعقول افتراض أنهم يعرفون في موسكو وفي طهران أن حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي يقيمان بنية تحتية دعائية لإمكان مهاجمة أرصدة استراتيجية لإيران وسورية. وهم يعلمون أن إسرائيل اعتادت تنفيذ تهديداتها. لذا، فإنه على ما يبدو، سيدرس الروس والإيرانيون خطواتهم أكثر من مرة قبل أن يقدموا عليها.