•يواصل زعماء إسرائيل التصرف كما لو أن شيئاً لم يحدث في الساحة السورية، ويستمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، في تكرار الكلام عن إن "إسرائيل تعرف كيف تحافط على مصالحها الأمنية". في اللغة الإنكليزية يسمون هذا السلوك Face Saving [حفظ ماء الوجه]. أي المحافظة على مظهر وكأن الأمور تجري كالمعتاد. لكن في الحقيقة، فإن الأمور ليست كذلك. إن إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأسبوع أنه لا يوجد أي اتفاق يقضي بمغادرة القوات الإيرانية سورية وأن وجودها هناك شرعي، هو بمثابة قنبلة تزن طناً وقعت على رأس القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل.
•لم يقل لافروف هذا الكلام بصورة واضحة، لكن يمكن أن يُفهم من جوهر كلامه أنه في نظر الكرملين، الوجود الإيراني في سورية مع حلفائه من الميليشيات الشيعية الدولية وحزب الله، ليس فقط وجوداً شرعياً بل هو وجود حيوي. وتعتبر روسيا، التي وجودها جوي في الأساس، أن هذه القوات هي بمثابة القوة المقاتلة البرية، طعام للمدافع الذي بفضله يستطيع نظام الأسد الصمود، وأنها حيوية من أجل الاستمرار في المحافظة على النظام، ومن أجل مواصلة جهوده لاسترجاع السيطرة على أغلبية أراضي الدولة.
•توضح روسيا أنه على المستوى التكتيكي، ومع التنسيق العسكري لمنع معارك جوية وصدامات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي، فإنها مستعدة للتعاون مع إسرائيل وستواصل ذلك. وحتى لغض النظر، وبذلك تؤيد الهجمات التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي ضد مخازن وشحنات سلاح تابعة لحزب الله. لكن على الصعيد الاستراتيجي المصلحة الروسية في ترسيخ نظام الأسد بمساعدة إيران الجاري بلورته تأتي قبل المصالح الإسرائيلية.
•علاوة على ذلك، رفضت روسيا الموقف الإسرائيلي القائل بأنه "حتى لو وافقنا، من دون أن نعترف بذلك علناً، على الوجود الإيراني في سورية، فإنه يجب على الأقل أن يُبعد عن حدودنا". حالياً هناك تواجد ضئيل لقوات فيلق القدس والحرس الثوري وحزب الله على بعد 5 كيلومترات من الحدود. وفي المستقبل يمكن أن يبتعدوا إلى مسافة 20 كيلومتراً، لكن عددهم سيزداد ويكبر. المشكلة هي أنه بحسب الاتفاق المتبلور بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة (الذي غابت عنه إسرائيل) من أجل تحديد الوجود السوري - الإيراني على الحدود، فإن "الحَكم" الذي سيراقب التنفيذ هو روسيا. أي أن موسكو هي التي تفرض شروط الاتفاق وتراقب أيضاً مسؤولية تطبيقه.
•إسرائيل، عملياً، في عزلة لم تمر بها يوماً بشأن كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، إذ يتضح أن روسيا ليست حليفاً على الرغم من جهود نتنياهو في التودد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتهدئته واسترضائه، ولا تستطيع إسرائيل الاعتماد على الولايات المتحدة أيضاً، فهي تواصل في عهد ترامب سياسة الرئيس السابق باراك أوباما من خلال بيع سورية كمنطقة نفوذ روسية، ومغادرة الشرق الأوسط.
•إن العزاء الوحيد لإسرائيل هو توثيق علاقاتها مع السعودية. وكلما دفعت إيران قدماً بهيمنتها على المنطقة في العراق وفي سورية واليمن، ازداد التخوف السعودي منها وازدادت رغبة زعماء الرياض في تحسين العلاقات مع إسرائيل. وينطبق هذا أيضاً على لبنان الذي يواجه أزمة سياسية عميقة بعد أن أجبرت السعودية رئيس الحكومة السني سعد الحريري الذي جمعت عائلته ثروتها في السعودية، على الاستقالة. تريد السعودية نشر الفوضى في لبنان لضرب إيران وحزب الله وتقليص ضرر التمدد الإيراني.
•لقد كانت السعودية ترغب في أن تشن إسرائيل حرباً على حزب الله في لبنان، كما رغبت سابقاً في أن تضرب إسرائيل بقوة أكبر التنظيم الشيعي في حرب لبنان الثانية في تموز/يوليو 2006. لكن في الامكان التقدير بقدر كبير من اليقين أن إسرائيل لن تسفك دم أبنائها من أجل مصالح أجنبية كما اضطرت إلى ذلك في حرب لبنان الأولى [الغزو الإسرائيلي سنة 1982] للمساعدة في إقامة حكم ماروني مؤيد لإسرائيل، وهي الخطوة التي انهارت مع اغتيال السوريين للمرشح لرئاسة الجمهورية بشير الجميل. لكن التعاون مع السعودية هو محدود أيضاً، فالسعودية ليست ناضجة بعد لخطوة إقامة علاقات علنية مع إسرائيل، إذا لم يحدث تحرك في الساحة الفلسطينية.